الشهر: فيفري 2005

الغيرة المهنية

كنا أجمل كثيراً فيما سبق، كان الواحد منا يفرح بنجاح الآخر ، يفرح بالإنجاز الوطني الذي يحققه غيره وكأنه حققه هو!! لم نكن نحاول التقليل من إنجاز الآخر ونجاحه كما يحدث الآن.
الغيرة المهنية طبيعة بشرية منذ الأزل بدليل أن أول أبناء آدم قتل أخاه بسبب الغيرة، لكنها لم تكن طبيعة سائدة أو منتشرة مثلما هي الآن!! على الأقل في مجتمعنا.

أنا لا أنظر إلى ما حولي بنظارة سوداء ولكنني أحاول أن أصور الواقع بشفافية مطلوبة وصراحة تعاهدنا عليها اليوم.. وواقعنا اليوم يشير إلى أن معظم صور مصادرتنا لإنجاز زملائنا تتم بسبب استشراء الغيرة المهنية التي كانت موجودة لكنها زادت.

لم تعد الغيرة المهنية حكراً على الأقل تعليماً ومنصباً وثقافة بل على العكس، أصبح الطالب في المرحلة الثانوية أو حتى الكفاءة إذا غار من زميله يجد ليصبح مثله بينما الموظف في المنصب الكبير والمستوى التعليمي العالي والثقافة التي يفترض أن تنعكس وعياً، لا يسعد بإنجاز غيره ويحاول جاهداً التقليل منه!! وكل ذلك لأنه يريد أن يكون هو الوحيد في الأعين، الوحيد في الصورة متجاهلاً أن قاعدة الكرسي تنطبق على كل شيء وأعني «لو دام لغيرك ما أتى اليك!!».

الغيرة المهنية بصورتها السلبية انتقلت إلى موظفين كبار وفي مراتب عليا وإلى أطباء ومهندسين وصيادلة وأساتذة جامعات وصحفيين بل ووزراء ووكلاء وزارات وأصحاب نفوذ إداري.

الهدف من الاشارة لهذه الظاهرة ليس تعريتها أو تعرية المجتمع الذي تتم فيه ولكن التنبيه إلى أن ما يسمعه المسؤول من تقليل من شأن الآخرين أو من نجاحهم وإنجازهم ربما يكون وليد «غيرة مهنية» فعلينا أن نأخذ هذا الشعور النفسي في الحسبان ونحن نحكم على أحد من واقع همس آخر!!، وحتى لو أخذ ذلك الهمس طابع التلميح الذكي أو في صورة حق مزيف فقد تكون كلمة حق أريد بها باطل!!.

الهدف الآخر من الاشارة في هذا الصوت الصادر من القلم هو التساؤل عن أسباب انتشار هذه الظاهرة؟!.

هل هو نحن لأننا نقيم الناس بظاهرة صوتية ونستعجل في الحكم عليهم مما أدى لأن تكون النميمة والوشاية طريقاً قصيراً وسهلاً للصعود على أكتاف الغير والنيل منهم؟!، أم أننا أصبحنا نستعجل الخلط بين ما هو نجاح وإنجاز حقيقي وما هو ادعاء لإنجاز فنمنح ثقة ومكافأة للنوعين دون تمييز فأصبح هذا الـ «تمييز» يستغل للوصول لمآرب شخصية كبرى دون جهد وعلى حساب المجتهد.

علينا أن نراجع أنفسنا، نراجع أحكامنا ونراجع بدقة وذكاء صكوك الثقة المطلقة التي منحناها لمن حولنا ولبطاناتنا فلعلنا استعجلنا منح هذا الوسام لمن توسمنا فيه خيراً وكان منه بعيداً.

الأنوف الشائكة

تمتد الأسلاك الشائكة لتمنع مرور «متطفل» إلى منطقة محظورة ليس من حقه العبور إليها إما لأن ملكيتها تعود لغيره وغيره هذا لا يريد لأحد أن يدخلها غيره أو لأنه ليس من المفترض أن يطلع على ما بداخلها رغم أنها ملكية عامة أو من أجل منعه من الإضرار بها وحمايتها أو لحمايته هو كون هذه المنطقة المحاطة بأسلاك شائكة تحتوي ما قد يعرضه للخطر.
بالنسبة للأسلاك الشائكة الأمر طبيعي جداً ومقبول بل مطلوب فهي مصنوعة من جماد ويتكون غالباً من الحديد المطاوع وإن قام بمدها وإحكامها البشر.

ثمة أجساد بشرية شائكة لم يمدها أو ينصبها أحد لكنها مدت نفسها لتحيط بشخصية عامة وتحرم غيرها من الاقتراب من تلك الشخصية بل تجتهد في المنع وكأن ذلك المدير أو المسؤول شيء تمتلكه أو منطقة محظورة بقرار ممن يحيطون به من الأجساد الشائكة.

في عصر الوعي والشفافية والرغبة في الاحتكاك بأكبر عدد ممكن من الناس ومن شرائح وفئات مختلفة ومتعددة يحرص المسؤول عن شأن ما أن يستمع للجميع ويحاور الغالبية وينوع مصادر اطلاعه واحتكاكه بالناس. لكن من يحيطون به يصرون على ممارسة الوصاية على محيطه ويتحولون فجأة إلى أنوف شائكة تمارس شم رائحة القادم الجديد المرفوض أصلاً بالنسبة لهم مهما كانت رائحته وينصبون أمامه العوائق التي تناسب طبيعته أو «رائحته» بالنسبة لهم.

فإذا كان ممن لديه أنفة وعزة نفس وحساسية مفرطة لما ينال من كرامته فإن التطفيش وإشعاره بعدم الرغبة فيه كفيل برده.

أما إن كان كثير المشاغل فعلاجه بكثرة المواعيد، وهكذا فإن لكل قادم أسلوب «لتصريفه» إلى أن يأتي من تفوح منه رائحة عدم الإحساس ولا الأنفة ولا الذكاء وهذا يتركونه وشأنه ليجتاز كل العوائق لأنهم يعلمون أنه لن يحظى بالقبول ولا يشكل خطراً على منطقتهم التي يملكونها أو يدعون ملكيتها.

بقي أن نقتنع بنظرية الأنوف الشائكة تلك وإذا اقتنعنا فإن المدير الذكي أو المسؤول الأذكى هو من يعمد إلى الخروج من دائرة الأجساد الشائكة ليقابل الناس بعيداً عنها لأن أحداً لن يستطيع منعه.

بل ما رأيك في إجراء تغيير دوري للأنوف من حولك؟!

من رمى رميان؟!

حوادث كثيرة شبه يومية تنجم عن إهمال خطوة وقائية بسيطة كان بالإمكان لو طبقنا تلك الخطوة الوقائية أن نتلافى حادثا ووفيات وإصابات.
لا أحد يلتفت لتلك الحوادث وربما ينقل خبر الحادث دون تركيز يذكر على الإهمال الذي أدى إليه.

ولأن الرياضة تسترعي انتباه الغالبية وتحظى بشعبية كبيرة وهامش حرية وتغطية صحفية فورية فقد حظي حادث سقوط الشاب رميان الرميان من أعلى نقطة في مدرجات استاد الأمير فيصل بن فهد في الملز على الأرض باهتمام الصحافة الرياضية.

الاهتمام ركز على كونه مشجعا سقط من علو شاهق وأصيب بكسور في بعض فقرات العمود الفقري وان رئيس النادي زاره وعرض عليه علاجه في أي مستشفى يختاره في تنويه إلى إنسانية الزيارة والمبادرة وهذا جيد بل رائع.

ثمة تساؤلات أهم كثيراً مما سبق وهو دورنا هنا. كما أنه دور كل صحفي غطى الحدث، يفترض أن لا يخلو خبر أو تعليق أو حوار مع المصاب أو الجهات المسؤولة إلا وتطرق لها. على الأقل حتى لا يتكرر مثل هذا الحادث الذي يندر أن تتكرر معه النجاة من موت محقق.

الملعب وتحديداً المدرجات مكان تتواجد فيه شريحة كبرى من الشباب والمراهقين وصغار السن بل فئة من شريحة الشباب الأكثر «شقاوة» وحركة وانفعالات وشجار ومزاح، فلماذا تترك أعلى نقطة في المدرجات دون سياج حديدي حاد يستحيل الجلوس عليه؟! وهل من الحذر والوقاية أن تكون هذه النقطة جدارا منخفضا أملس عريضا يغري بالوقوف عليه «وهذا حدث في المباريات الجماهيرية»؟! ناهيك عن إغرائه بالجلوس عليه من قبل مشجع كروي تبلغ انفعالاته وحماسه ونسيانه نفسه أشدها وهو يجلس على جدار لا سند له ولا سياج.

ماذا عن المزاح بل الشجار أو الدفع المتعمد؟! لماذا نترك سبيل القتل مفتوحاً أمام أكثر فئات المجتمع تهوراً ومجازفة؟!.

أين الجهات المعنية بمنع وقوع الخطر وتطبيق اجراءات السلامة وأولها الدفاع المدني من هذه المساحة المتاحة للموت المحقق؟! والتي تشكل ثلاثة أرباع قطر المدرجات!!.

التساؤل الثاني كتبنا عنه كثيراً جداً ولعل هذا الحادث يلفت النظر إليه بقوة ويؤكد ما ذهبنا إليه فبعض الأحداث الرياضية تجد صدى أكبر من غيرها لما للرياضة وصفحاتها من جذب على كل المستويات.. وأعني بهذا التساؤل رفض المستشفى «أقرب مستشفى حكومي للملعب» استقبال المصاب بحجة عدم حمله لبطاقة الأحوال (!!) مع انه مصاب سقط من علو شاهق ولطف الله به و بقي على قيد الحياة أفلا تلطف البيروقراطية البالية بنا وتكون أنظمة المستشفيات في مستوى تطور الطب لدينا؟!

التعليمات وأعني تعليمات وزارة الصحة على اختلاف وتعدد من مر عليها من الوزراء تقضي بأن غرف الطوارئ يجب أن تستقبل المصاب بصرف النظر عن كونه مواطنا أو مقيما وتجري له كافة الإسعافات والاجراءات الطبية مهما بلغت الى ان تستقر حالته ثم ينقل الى المستشفى الذي يتبع له فكيف يمتنع مستشفى حكومي أو خاص عن اسعاف مثل ذلك المصاب؟! وهل كان لابد أن يتقطع إرباً حتى يقبل كمصاب؟!

انني أرجو وقد رجوت كثيراً معالي وزير الصحة د. حمد المانع حضورياً وهاتفياً وكتابياً أن يضع حداً واضحاً لهذا التقاعس.

أتباع المغناطيس

فيما مضى من الزمان وحينما كنا صغاراً، كنا نلعب لعبة علمية جيدة وملفتة للنظر، إنها لعبة البرادة والمغناطيس، البرادة بضم الباء وفتح الراء غير المشددة هي قطع صغيرة خفيفة من الحديد المبشور والمغناطيس كنا نسميه «الماص».
تضع برادة الحديد على سطح ورقة ثم تضع قطعة المغناطيس تحتها فتبدأ عشرات أجزاء البرادة الحديدية في التوجه نحو المغناطيس وتتحلق عليه وتتحرك كيفما تحرك، ان تحرك شمالاً سارت الجحافل خلفه جهة الشمال وان تحرك يميناً توجهت الجحافل جهة اليمين، ونحن نضحك على هذه التبعية الغريبة التي تحدث رغم أن المغناطيس يختفي تحت الورقة وكأن القطع الحديدية التابعة تتحرك بإرادتها بينما الواقع أنها تتبع حركة المغناطيس بمجاملة وخنوع.

لو حدث أن اختلط مع برادة الحديد قطع خشبية أو بلاستيكية ليس من طبيعتها التأثر بالمجال المغناطيسي للسيد «الماص» فإنها لا تتحرك ولا تتأثر بحركة برادة الحديد بل تبقى في مكانها بكبرياء وكرامة لكن السيد المغناطيس لاينجذب لها هو الآخر لذا تبقى مكانك سر «اقصد مكانك قف».

تذكرت لعبتنا تلك وأنا أتابع بعض مؤسساتنا ودوائرنا عندما يحدث تغيير إداري فالذي يتغير هو السيد مغناطيس لكن حركة برادة الحديد لا تتغير بل ما تلبث أن تتجمع حول «الماص» الجديد وتتراقص وفقاً لحركاته وتتبعه إن يميناً فيمين وإن شمالاً فشمال على وزن «الشور شورك يايبه».

بعض الموظفين مثل برادة الحديد لديهم قدرات فائقة على الانجذاب للجديد بل وجذبه وتغيير طبائعهم للتوافق مع طبيعته وبعضهم لديه قدرة أكبر بكثير فهو يستطيع أن يغير طبيعة المغناطيس نفسه لينجذب إليه.

البعض الآخر مثل القطع الخشبية والبلاستيكية في اللعبة لا تنجذب ولا تجذب وتبقى على موقفها!!

في النهاية يحترق الخشب ليضيء للآخرين و«يموع» البلاستيك رغم نقائه وشفافيته وتبقى برادة الحديد تتراقص رغم السلبية في انتظار المغناطيس رقم 100 «انهم لاينتهون أبداً لأنهم يتلونون».

الشعب الصالح

هكذا هي عادة أبناء هذا الوطن ينجحون بتفوق كلما اتيحت لهم فرصة لدخول امتحان حياتي ويثبتون انهم على قدر كبير من الامكانات المختزنة التي لا تحتاج إلا لفرصة اكتشافها.
عندما بدأ الابتعاث إلى خارج المملكة بأعداد كبيرة جداً تصل خانة الآلاف من الشباب خريجي الثانوية العامة وإلى دول غربية مثل اميركا ودول أوروبا الغربية، كان امام هذه البلاد الخيار الصعب إما ان تجازف وتبتعث ابناءها إلى بلاد لم يروها من قبل وتختلف عن بلادهم في كل شيء أو أن تتركهم على مستوى ادنى من التحصيل العلمي الذي لم يستفد من تجارب الدول المتقدمة ثم ابتعثهم الوطن ويده على قلبه!!.

وقد كان الشاب السعودي اهلاً للمسؤولية وعلى درجة كبيرة من تحملها رغم خروجه من قرية نائية اشبه بالثقب إلى مدن صاخبة اشبه بالفراغ الكبير لكنه لم ينفجر وعاد غانماً بتخصص نادر ابدع فيه وشهادة مشرفة خدم بها وطنه ولا يعتد بالقلة القليلة التي عادت فاشلة أو متضررة ومتأثرة فالعبرة بالغالبية التي اجتازت تجربة الفرصة بنجاح.

الفتاة السعودية خرجت مع زوجها الشاب المبتعث وقد راهن كثيرون انها ستكون عبئاً عليه أو تتسبب في عودته قياساً بالنقلة السريعة من بيئة إلى بيئة معاكسة، لكنها هزمت كل التوقعات وكل المراهنين وعادت هي الأخرى بشهادة لا تقل أهمية أو بحصيلة لغوية وثقافية ربما فاقت ما حصل عليه زوجها، وقد كتبت منذ اكثر من عشرين سنة في زاوية هوامش صحفية بجريدة الجزيرة عن مواقف ايجابية لزوجات مبتعثين بعضها كان خارقاً ومبهراً أذكر منها الآن تلك الزوجة التي عندما أخذ احد الأساتذة موقفاً مجحفاً في حق زوجها رغم بروزه تحولت إلى محامية ورافعت عنه في الجامعة وكسبت القضية وأنصف زوجها الذي كان نابغاً في علمه لكنه خجول في طبعه.

اذا كان الشباب والفتيات من ابناء هذا الوطن شرفوه بنجاحه رغم خوفه عليهم ووضع الوطن ليده على قلبه قبل ان يمنحهم الثقة، فإن الشعب السعودي حقق نجاحاً حديثاً تمثل في نتائج الانتخابات البلدية التي تمت في الرياض. كان كثيرون يراهنون هذه المرة على تأثر الناخب بمخيمات الولائم العامرة بـ «الحاشي» المحاط بعشرين ذبيحة، ولم ينجح من اهل الحاشي أحد!!.

راهنوا على الانتماء القبلي وتأثيره على النتائج ولم يحدث اي شيء من هذا.

كان الخوف من التأثر بالوعود البراقة خاصة ممن ذهبوا أبعد من صلاحيات عضو المجلس البلدي، فكان الناخب اعقل!! توقع البعض أن تسخيره لمال ورثه أو حصل عليه مصادفة سيجعله أول السبعة، ولم يفده ماله شيئاً إن لم يضره. لقد كان الناخب باختصار أذكى من بعض المرشحين واعمق فجاءت نتائج الرياض مخيبة لآمال من يقللون من قدرات وعقلية المواطن السعودي في كل محفل. وستكون نتائج المدن والمناطق الأخرى بنفس درجة الوعي والنجاح.

أما قناة «الجزيرة» التي كعادتها تتعامل مع هذا الوطن المحسود بعدائية غريبة فقد حاولت الإيهام بأن جميع المرشحين ينتمون إلى التيار الإسلامي وقد أنستها العدائية انها انتخابات بلد هو الوحيد في العالم الذي يشكل الإسلام دينه الوحيد والواحد وان 100٪ من سكانه مسلمون وذو غالبية كبرى وسطية ملتزمة ومن الطبيعي بل من شواهد نزاهة ونجاح انتخاباته أن يفوز المشهود لهم بالصلاح لأنه مجتمع صالح في عمومه وغالبيته.

نخاطب أنفسنا!!

الواضح والله أعلم أن بعض مؤسساتنا الحكومية وربما أغلبها، ولكن ليس كلها بالتأكيد، تتوجه في خطابها الإعلامي نحو رئيس المؤسسة أو من يرجع إليه (أي رئيس الرئيس).
وبطبيعة الحال فإن هذا التوجه معروف القصد وهو إبراز رئيس المؤسسة لإنجازاته أو ما قدمت تلك الدائرة الحكومية أثناء توليه مسؤولياتها، وهذا أمر فيه الكثير من حب الذات وتجاهل الوطن.. كيف؟!.

نحن في مرحلة يفترض أن نتوجه فيها جميعاً بكافة الجهود الممكنة إلى هدفين هامين في خطابنا الإعلامي، الأول المواطن لنطلعه على منجزات بلاده وكيف استثمرت مواردها في رفاهيته واستقراره وأمنه من حيث يعلم أو لا يعلم فإذا لم يكن يعلم أعلمناه ليطمئن ونوجد لديه الدافع لأن يكون خلية مخلصة عاملة ضمن هذا النسيج الاجتماعي الذي هو في مجمله رائع ونقي وجميل.

كما يجب أن نطلعه على حقوقه التي ضمنها له وطنه وكيف أن عرقلة حصوله على هذه الحقوق قد ينتج من إهمال موظف أو دائرة بأكملها ولكن ليس الوطن بأكمله وأن له أن يحصل عليها إذا سلك طريقاً نظامياً وهذا الطريق «تدله عليه» عبر الرسالة الإعلامية فهذا هام!!.

الهدف الثاني الذي يفترض أن نوجه له خطابنا الإعلامي بصيغة يتقبلها وتفيدنا هو العالم الخارجي وأعني شعوب العالم ليعرفوا من نحن؟! وما هي توجهاتنا كغالبية ومجموعة؟! وما الذي وصلنا إليه من تطور ورقي وإدراك ووعي يعادل أو يفوق ما لدى غالبيتهم الساحقة وأن شواذنا هي مثل شواذهم لا يعتد بها.

وعندما نتوجه لهذا الهدف فالمتوقع أن نتحدث بلغة وطن نعشقه ومن مصلحتنا أن نعشقه وأرض نحبها ومن أجل النعم التي حبانا الله عن طريقها نحبها ولا نرضى أن نتنكر لها، وغني عن القول أن نتذكر ونحن نتحدث عن الوطن أن عين المحب لا ترى إلا كل جميل وعندما نخاطب الخارج فإننا نتغزل في معشوقة لا نريد له عليها مدخلاً ولا حتى «منقود» لأنه لن يحرص عليها أكثر منا.

أستغرب كثيراً حينما أرى أن أغلب الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية تصرف مبالغَ كبيرة على أدوات إعلامية وكتيبات وصور وأفلام «متعوب عليها» لكي تخاطب شخصاً أو مجموعة أشخاص يعلمون عن كل ما أُنجز وما لم يُنجز بينما لا تتوجه لا للمواطن ولا للخارج بمادة إعلامية واحدة تطلعه على ما لا يعلم ولن يعلم إذا لم نعلمه.

إنها نرجسية وحب ذات وأنانية مسؤول يريد أن يقول إنني عملت أو يشعر أنه لم يعمل ويريد للصورة أن تقنع رئيسه بأنه عمل، وهيهات.

لنعمل على إرضاء الرب أننا «حلَّلنا» رواتبنا دون مِنّة على الوطن، فإذا ما بقي جزء ولو يسير من الراتب لم نحلّله فليكن عملنا للدعوة للدين والدعاية للوطن وبذلك يكون ما تقاضيناه حلالاً طيباً.

رصاصة من مملكة الإنسانية

هكذا هي المملكة العربية السعودية «مملكة الانسانية» في معالجتها لقضايا الساعة العالمية تنهج النهج العلمي والمهني الرزين المتعقل المبني على جمع شمل الحوار العالمي ليتولى معالجة مشاكل العالم ويمنع انفراد دولة بتقرير مصير المعالجة.
مملكة الانسانية باحتضانها لأكثر من 60 دولة ومنظمة و 290 خبيراً للتداول حول محاربة الإرهاب على مستوى عالمي تضرب مثلاً ليس جديداً من امثال الحكمة التي تنعم بها هذه البلاد والتي هي سر استقرارها ومكانتها العالمية الى جانب كونها قبلة المسلمين وملتقى عقلاء العالم.

مشاكل الكرة الارضية لايمكن ان تتولى الوصاية عليها دولة واحدة فلم تعرف البشرية مشكلة حلت بانفراد دولة او حتى بتحالف دولتين، خاصة اذا كان الحل يعتمد على ممارسة لاتقل خطورة عن اساس المشكلة مثل استعداء دول وشعوب ورسم محاور وهمية لاسباب المشكلة تتهم دولاً وشعوباً وديانات بسبب ارتكاب فئة شاذة لحماقة او إجرام.

الإرهاب لاينتمي الى دين ولا حضارة.. هكذا قالها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته المخلصة البالغة الدقة والتي تعبر عن العقلانية والحكمة.

كما ان المجرم لايمثل اسرته او عائلته بل لايمكن تعميم صفاته على اشقائه ووالديه ولايمكن ان تنم عن تربيته اوبيئته فإن الإرهابي ولو انتمى الى وطن فإنه لا يمثل وطنه ولادينه ولابيئته.

محاولة محاربة الإرهاب بناء على نسبه الى دولة او دين عبر افتراض محاور شر نظرية وشن الحرب عليها عسكرياً او حتى إعلامياً فيه الكثير من التهور والسطحية والانفعالية الذي يفتقد للعقلانية.

ونهج المملكة الحكيم عبر جمع صف العالم أجمع في مؤتمر عالمي يتحاور بحكمة وعلم وخبرة ومهنية لمجابهة فيروس الإرهاب الخفي هو النهج الصحيح وهو الحرب الحقيقية النزيهة والعادلة والموجعة للإرهاب والإرهابيين.

التجمع العالمي طبياً هو الذي قضى على الاوبئة والامراض التي اجتاحت المعمورة يوماً ما، وكان للمملكة دورها في هذا الصدد ولعل واحداً من الامثلة ليس وحيداً بطبيعة الحال، هو المؤتمر الطبي العالمي الثامن الذي استضافته المملكة منذ اكثر من عشرين سنة.

والتجمع العالمي سياسياً هو الذي انهى الكثير من الحروب والمشاكل السياسية وادوار المملكة في حقن الدماء يصعب حصرها في مؤتمر واحد او عشرات المؤتمرات لكن مؤتمر الطائف واحد من الامثلة العديدة يجدر الاستشهاد به كونه أنهى اطول حرب اهلية واكثرها تعقيداً وضحايا وهي الحرب الاهلية في لبنان.

واستضافة المملكة لهذا التجمع الدولي لمحاربة الإرهاب سيسجله التاريخ كعلاج فعال مليء بالحكمة والافق الواسع والنظرة الثاقبة سيتمكن بإذن الله من القضاء على الإرهاب ولو بعد حين.

الحكمة البالغة لا تقل اهمية بل ربما تزيد هي الضربة الموجعة التي يوجهها تجمع مثل هذا لكل دولة تريد استغلال السلوك الاجرامي الإرهابي لدى نفر من المرضى النفسيين ونسبه الى دين او عدد من دول منتقاة لاهداف سياسية او استراتيجية لاتقل شراً عن الإرهاب نفسه مما يثير غضب شريحة كبرى من شعوب العالم اجمع ومن شأنه ان يؤجج نار الخلافات والحروب ويتيح فرصة سانحة للإرهاب ليوجه مزيداً من الضربات تحت الحزام لا لشيء الا لأن دولة عظمى وحيدة تريد استغلال سلوك شاذ لتحقيق اهدافها وتنفيذ استراتيجياتها عن طريق استغفال غير المغفلين!!.

دعوة سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لإشاء مركز دولي لمحاربة الإرهاب ستفتح الطريق الصحيح للحرب على الإرهاب وهي الرصاصة التي ستضرب الإرهاب في مقتل وهي الصمام الحكيم لمنع من يريد ان يطلق الرصاص على دول وديانات بريئة مستغلاً ضبابية اجواء الإرهاب.

انها رصاصة الانسانية تنطلق من رصانة مملكة الإنسانية.

وزارة خارج السرب

لا يمكن أن يغيب عن ذهن كائن بشري من كان في هذا البلد أن الدولة بجميع مسؤوليها وكافة أجهزتها تعمل جاهدة لتحقيق سعودة جميع الوظائف التي يمكن سعودتها بإحلال السعودي مكان غير السعودي في وظائف موجودة ومشغولة بمتعاقدين أو بإيجاد فرص عمل للشباب السعودي لخفض نسب البطالة وخلق جو من الارتياح في المجتمع بحل مشاكله وإشاعة الحب.
أي أن السعودة وخفض البطالة وتهيئة أجواء النقاء والارتياح توجهات دولة ومجتمع بأكمله، حتى أن الدولة أبدت مرونة شديدة فيما يتعلق بشروط ومتطلبات الوظيفة التي كانت تعيق السعودة ومنحت الفرصة للتدريب أثناء العمل والتغاضي عن الشروط التعقيدية للخبرة واللغة الإنجليزية وخلافها تحقيقاً لتوجهها الجاد نحو السعودة وخفض البطالة لأنها تدرك أن البطالة من اهم أسباب المشاكل التي يعاني منها المجتمع.

ولعل أقوى دليل على جدية ذلك التوجه هو تفريغ وزارة ووزير لشؤون العمل بعد فصل وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية.

رغم هذا التوجه الإيجابي العام نجد أن وزارة التربية والتعليم تعمل بعيداً جداً عن هذا الخط بل نجدها تسير على خط معاكس وبقوة في قضيتها مع خريجي أكاديمية الفيصل لدبلوم تعليم اللغة الإنجليزية وعددهم ألف وأربعمائة خريج وقفت موقفاً متعنتاً غريباً رغم كل المعطيات التي تستوجب التعامل مع هذه القضية بمرونة!!.

حسناً.. لندع التوجه العام نحو السعودة وعلاج البطالة في الفقرة الأخيرة من المعطيات ونجعل التفاعل الإعلامي مع هؤلاء الخريجين وتأييد غالبية عظمى من الكُتّاب والنقاد والصحفيين لمطالبهم في الترتيب قبل الأخير أو نجعله سبباً لعناد الوزارة وموقفها منهم.

ثمة معطيات تخص الوزارة نفسها كان من المفترض أن تجعلها تسعى إليهم وتحتضنهم وتمارس نحوهم أقصى درجات المرونة بدلاً من التشبث بحجة شرط البكالوريوس لتدريس صف واحد من المرحلة الابتدائية مبادىء الإنجليزية!!.

من هذه المعطيات فشل مشروع تدريس اللغة الإنجليزية فشلاً ذريعاً لفت انتباه الصغار والكبار بسبب مضي عدة أشهر على بدء الدراسة دون توفر معلمين ولا كتب بل مضى فصل كامل ولم يتحقق شيء غير تأجيل الامتحانات بسبب ذلك الفشل مما يدل على أن المكلفين بالإعداد لهذه الخطوة ليسوا بالمستوى المطلوب وفشلوا في مهمتهم وهذا الفشل أرادوا إعطاءه صبغة نقص المعلمين فقط ليكون حجة رغم توفر العنصر الوطني المتمثل في خريجي أكاديمية الفيصل.

ومن هذه المعطيات عدم تمكن الوزارة من التعاقد من خارج البلاد رغم إرسالها وفوداً كلفت الوزارة الكثير عادوا جميعاً بخفي حنين.

أمامي خطابان رسميان أحدهما فاكس عاجل جداً وهام برقم 541214 وتاريخ 27/7/1425هـ بتوقيع الوكيل المساعد لشؤون المعلمين موجه إلى مديري العموم بالمناطق ومديري التربية والتعليم بالمحافظات يحثهم على الإعلان في إداراتهم والمحافظات التابعة لها «للمتعاقدين» الذين هم محارم لزوجاتهم ممن يعملن بالقطاعات الحكومية وتخصصه (لغة إنجليزية) ولهم رغبة بالتعاقد مع وزارة التربية والتعليم وحصرهم وإرسال بياناتهم للإدارة العامة لشؤون المعلمين بالوزارة من أجل إكمال إجراءات التعاقد معهم في (ضوء الاحتياج) وفق نموذج مرفق.

والخطاب الثاني تعميم عاجل لجميع المدارس إشارة إلى خطاب مدير عام الإشراف التربوي بالوزارة رقم 168670 وتاريخ 22/2/1425هـ حول حصر أعداد ذوي القدرات في تدريس اللغة الإنجليزية بالمرحلة الابتدائية ممن تتوفر لديهم (أحد) الشروط التالية: درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أو سبق له دراسة اللغة الإنجليزية خارج المملكة (لاحظ عقدة الخارج مع أنه درس فقط ولم يحدد شهادة) أو خريج كلية علمية أو لديه دراسات أو برامج في تدريس اللغة الإنجليزية أو دورات باللغة الإنجليزية.

ونأمل ممن لديه الرغبة تقديم طلبه إلى قسم اللغة الإنجليزية في إدارة الإشراف التربوي مصطحباً معه ما لديه من شهادات أو وثائق خلال الفترة 24 – 28/2/1425هـ (أ. ه).

ويلاحظ أنه ليس من ضمن الشروط الخمسة التي يكفي توفر أحدها شرط البكالوريوس بل كلها تبدو وكأنها شروط مربية أطفال!! فكيف للوزارة أن ترفض دبلوم سنتين في جامعة سعودية معتبرة ويحمله مواطنون «سعوديون» يتوجه الوطن لإيجاد فرص العمل لهم وأعلن عن دورتهم والوزارة تقرأ وترى المغريات التي من ضمنها تأهيلهم لتدريس اللغة الإنجليزية في الوزارة.. الخ.

هذا التعنت من وزارة التربية والتعليم ألا يؤكد أنها تغرد خارج السرب بل وبعيداً جداً خلف تحليق الوطن بأكمله لحل مشاكل السعودة والبطالة. وأنها تمارس تصلباً في أرائها كالذي مارسته حين أصرت على إعادة الصغيرات الناجحات إلى الصف الأول ابتدائي بحجة عدم إكمال السن وهو القرار الذي أغضب المجتمع ولم ترجع عنه إلا بعد شكوى على ديوان المظالم.

هاهم خريجو الأكاديمية يرفعون شكوى حسب الخبر الذي نشرته جريدة المدينة يوم الإثنين الماضي 21 من ذي الحجة 1425هـ فتعود وزارة التربية والتعليم إلى دوامة إزعاج المؤسسات الأخرى وهو ما لم نكن نتمناه لوزارة تعلن شعارات رنانة حول الرأي الآخر والحوار!!.

دعاية دوائية غير أخلاقية

الدعاية للأدوية والمستحضرات العلاجية أمر مفروض وممنوع على مستوى عالمي، وممنوع عندنا أيضاً، لأن الدواء ليس سلعة ترفيهية أو غرضاً لتلبية احتياج يقرره المستهلك.
الدواء أداة علاج مشكلة صحية محددة يتم التعرف عليها عن طريق التشخيص الدقيق ويتقرر إعطاؤه بناءً على موازنة حذرة بين فوائده وأضراره وبعد التعريف بأضراره وخطورته ومحاذيره.

في الدول التي تعاني من تدني مستوى الوعي العام سواء بهذا التعريف للدواء تحديداً أو الوعي بصفة عامة، ونحن من هذه الدول، تكون خطورة الدعاية للأدوية أكبر بكثير لأنها تكون مؤثرة للغاية وتلقى تجاوباً كبيراً ،والأخطر من هذا وذاك أنها تجد وسطاً إجرائياً مناسباً جداً كون الأدوية تباع دون وصفة طبية أو قل إن الوصفة الطبية إن كتبت تكتب دون تشخيص دقيق وحسب رغبة المريض أحياناً وهو المتأثر بالدعاية للأدوية!!.

منع الدعاية للأدوية لدينا والذي نطبقه كوننا جزءاً من عالم يطبقه لم يعد مفعلاً البتة!! بل لم يعد له أي قيمة لدى شركات الأدوية ووكلاء الدواء، ليس لأن وزارة الصحة ألغته ولكن لأن الزمن ألغى تأثيره ومقدار عقوبته المقررة منذ أكثر من سبع وعشرين سنة، تلك العقوبة التي لا تعادل المردود الربحي لاعلان ساعة واحدة!!.

الأدهى والأمر أن ثمة يأساً لدى الوزارة نفسها من جدوى العقوبة بل من فائدة تحذير الشركات المحلية ووكلاء الشركات الأجنبية من ممارسة الدعاية للأدوية الأمر الذي جعل وزارة الصحة تتوجه لوسائل الإعلام مطالبة بالتعاون مع أهدافها النبيلة بعد نشر اعلانات الدعاية للأدوية، وهذا الطلب يستحق الشفقة لأنه ينم عن حس وطني ورغبة جامحة للحد من مشكلة خطيرة تدركها الوزارة لكن النظام القديم لم يساعدها على حل المشكلة من جذورها، وأعني عقوبة الغرامة التي لا تزيد عن عشرة آلاف ريال!!. وهذا لا يعفي وزارة الصحة من ضرورة المطالبة برفع العقوبة والتضييق في الوقت الحاضر على الشركات المخالفة بوسائل اجرائية عديدة يمكن للوزارة اللجوء اليها ريثما تعدل العقوبة الهشة.

الإعلام المحلي كعادته متعاون مع الوزارة ولا ينشر مثل هذه الإعلانات ولكن حتى لو تعاون الإعلام المحلي مع طلب الوزارة فإن الفضائيات لن تتعاون بل إن بعض الصحف قد تتجاوب وتحجم أخرى فتكون الفرصة لمن لا يحمل الحس الوطني باستغلال الاعلانات.

إن الصمام الحقيقي والوحيد هو المعلن الذي إذا وجد عقوبة رادعة وحزماً في التعامل مع مخالفاته سواء بالاعلان في الصحف أو الفضائيات فإن هذه الممارسة ستتوقف وغراماتها تشكل دخلاً مجدياً ومستحقاً.

المخالفة طبياً ليست النتيجة الوحيدة لإعلانات بعض الشركات المحلية فثمة مخالفة أخلاقية في طريقة الاعلان عن مستحضرات وأدوية الضعف الجنسي بطريقة تخدش الحياء وتثير تساؤلات لدى المراهقين والأطفال وللأسف فإن القائمين على هذه الشركات يختارون أسلوب الاعلان بحس الراغب في ربح غير مشروع دون الأخذ بالاعتبار لقيم المجتمع وأخلاقه بل إن تعريف الرجولة أصبح في إعلاناتهم ومسمياتهم مقتصراً على القدرة الجنسية. كما أن إعلانات عيادات علاج الذكورة تستخدم مفردات يفترض أن لا تتداول في مجتمعات غربية منحلة أخلاقياً لتأثيرها السلبي على الأطفال والنشء من الجنسين وما تثيره من حيرة لديهم فكيف بمجتمعنا المحافظ؟!