اليوم: 5 فبراير، 2005

وزارة خارج السرب

لا يمكن أن يغيب عن ذهن كائن بشري من كان في هذا البلد أن الدولة بجميع مسؤوليها وكافة أجهزتها تعمل جاهدة لتحقيق سعودة جميع الوظائف التي يمكن سعودتها بإحلال السعودي مكان غير السعودي في وظائف موجودة ومشغولة بمتعاقدين أو بإيجاد فرص عمل للشباب السعودي لخفض نسب البطالة وخلق جو من الارتياح في المجتمع بحل مشاكله وإشاعة الحب.
أي أن السعودة وخفض البطالة وتهيئة أجواء النقاء والارتياح توجهات دولة ومجتمع بأكمله، حتى أن الدولة أبدت مرونة شديدة فيما يتعلق بشروط ومتطلبات الوظيفة التي كانت تعيق السعودة ومنحت الفرصة للتدريب أثناء العمل والتغاضي عن الشروط التعقيدية للخبرة واللغة الإنجليزية وخلافها تحقيقاً لتوجهها الجاد نحو السعودة وخفض البطالة لأنها تدرك أن البطالة من اهم أسباب المشاكل التي يعاني منها المجتمع.

ولعل أقوى دليل على جدية ذلك التوجه هو تفريغ وزارة ووزير لشؤون العمل بعد فصل وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية.

رغم هذا التوجه الإيجابي العام نجد أن وزارة التربية والتعليم تعمل بعيداً جداً عن هذا الخط بل نجدها تسير على خط معاكس وبقوة في قضيتها مع خريجي أكاديمية الفيصل لدبلوم تعليم اللغة الإنجليزية وعددهم ألف وأربعمائة خريج وقفت موقفاً متعنتاً غريباً رغم كل المعطيات التي تستوجب التعامل مع هذه القضية بمرونة!!.

حسناً.. لندع التوجه العام نحو السعودة وعلاج البطالة في الفقرة الأخيرة من المعطيات ونجعل التفاعل الإعلامي مع هؤلاء الخريجين وتأييد غالبية عظمى من الكُتّاب والنقاد والصحفيين لمطالبهم في الترتيب قبل الأخير أو نجعله سبباً لعناد الوزارة وموقفها منهم.

ثمة معطيات تخص الوزارة نفسها كان من المفترض أن تجعلها تسعى إليهم وتحتضنهم وتمارس نحوهم أقصى درجات المرونة بدلاً من التشبث بحجة شرط البكالوريوس لتدريس صف واحد من المرحلة الابتدائية مبادىء الإنجليزية!!.

من هذه المعطيات فشل مشروع تدريس اللغة الإنجليزية فشلاً ذريعاً لفت انتباه الصغار والكبار بسبب مضي عدة أشهر على بدء الدراسة دون توفر معلمين ولا كتب بل مضى فصل كامل ولم يتحقق شيء غير تأجيل الامتحانات بسبب ذلك الفشل مما يدل على أن المكلفين بالإعداد لهذه الخطوة ليسوا بالمستوى المطلوب وفشلوا في مهمتهم وهذا الفشل أرادوا إعطاءه صبغة نقص المعلمين فقط ليكون حجة رغم توفر العنصر الوطني المتمثل في خريجي أكاديمية الفيصل.

ومن هذه المعطيات عدم تمكن الوزارة من التعاقد من خارج البلاد رغم إرسالها وفوداً كلفت الوزارة الكثير عادوا جميعاً بخفي حنين.

أمامي خطابان رسميان أحدهما فاكس عاجل جداً وهام برقم 541214 وتاريخ 27/7/1425هـ بتوقيع الوكيل المساعد لشؤون المعلمين موجه إلى مديري العموم بالمناطق ومديري التربية والتعليم بالمحافظات يحثهم على الإعلان في إداراتهم والمحافظات التابعة لها «للمتعاقدين» الذين هم محارم لزوجاتهم ممن يعملن بالقطاعات الحكومية وتخصصه (لغة إنجليزية) ولهم رغبة بالتعاقد مع وزارة التربية والتعليم وحصرهم وإرسال بياناتهم للإدارة العامة لشؤون المعلمين بالوزارة من أجل إكمال إجراءات التعاقد معهم في (ضوء الاحتياج) وفق نموذج مرفق.

والخطاب الثاني تعميم عاجل لجميع المدارس إشارة إلى خطاب مدير عام الإشراف التربوي بالوزارة رقم 168670 وتاريخ 22/2/1425هـ حول حصر أعداد ذوي القدرات في تدريس اللغة الإنجليزية بالمرحلة الابتدائية ممن تتوفر لديهم (أحد) الشروط التالية: درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أو سبق له دراسة اللغة الإنجليزية خارج المملكة (لاحظ عقدة الخارج مع أنه درس فقط ولم يحدد شهادة) أو خريج كلية علمية أو لديه دراسات أو برامج في تدريس اللغة الإنجليزية أو دورات باللغة الإنجليزية.

ونأمل ممن لديه الرغبة تقديم طلبه إلى قسم اللغة الإنجليزية في إدارة الإشراف التربوي مصطحباً معه ما لديه من شهادات أو وثائق خلال الفترة 24 – 28/2/1425هـ (أ. ه).

ويلاحظ أنه ليس من ضمن الشروط الخمسة التي يكفي توفر أحدها شرط البكالوريوس بل كلها تبدو وكأنها شروط مربية أطفال!! فكيف للوزارة أن ترفض دبلوم سنتين في جامعة سعودية معتبرة ويحمله مواطنون «سعوديون» يتوجه الوطن لإيجاد فرص العمل لهم وأعلن عن دورتهم والوزارة تقرأ وترى المغريات التي من ضمنها تأهيلهم لتدريس اللغة الإنجليزية في الوزارة.. الخ.

هذا التعنت من وزارة التربية والتعليم ألا يؤكد أنها تغرد خارج السرب بل وبعيداً جداً خلف تحليق الوطن بأكمله لحل مشاكل السعودة والبطالة. وأنها تمارس تصلباً في أرائها كالذي مارسته حين أصرت على إعادة الصغيرات الناجحات إلى الصف الأول ابتدائي بحجة عدم إكمال السن وهو القرار الذي أغضب المجتمع ولم ترجع عنه إلا بعد شكوى على ديوان المظالم.

هاهم خريجو الأكاديمية يرفعون شكوى حسب الخبر الذي نشرته جريدة المدينة يوم الإثنين الماضي 21 من ذي الحجة 1425هـ فتعود وزارة التربية والتعليم إلى دوامة إزعاج المؤسسات الأخرى وهو ما لم نكن نتمناه لوزارة تعلن شعارات رنانة حول الرأي الآخر والحوار!!.