قبطان الإدارة الغارقة

إذا غابت النظم والإجراءات والسياسات المفصلة تفصيلاً دقيقاً فإن سير العمل خاصة في المراكز الوظيفية القيادية يعتمد اعتمادا كليا على الحالة النفسية والسلوكية للمسؤول، وهذا جد خطير.
حسنا.. غياب تلك النظم أو الأطر التي تحكم عمل المسؤول (وزيرا أو وكيلا أو مديرا عاما تنفيذيا) إذا تزامن مع غياب للرقابة والمتابعة والمساءلة فإن المؤسسة برمتها تبحر في بحر من الظلم والظلمات وتصبح بكل من فيها من موظفين وكل من يعنيه أمرها من المستفيدين من خدماتها رهناً للحالة النفسية والسلوكية لذلك المسؤول (قبطان السفينة).

أن تغرق عبارة بحجم (السلام 98) لأن قبطانها استهتر بأرواح ركابها، فإن المتضرر هم ركاب السفينة ونفسيات أقاربهم ومصالح ملاك العبارة وشركات التأمين.

أما أن تبحر سفينة وزارة أو إدارة أو حتى منشأة حكومية بطريقة لا تحكمها إلا الحالة النفسية لربانها ورغباته ونظرته المحدودة وقراراته المرتجلة، فإن الضرر من جنوح تلك العبارة لا يقتصر على ركابها بل يشمل ملايين المواطنين والمقيمين التي أنشئت لخدمتهم والذين ترتبط حياتهم ومصالحهم وشؤونهم اليومية بها إضافة إلى أقاربهم والى مصلحة وطن هو المالك لتلك السفينة والى تأمين مستقبل أجيال يرتبط مستقبلهم بما يتخذه قبطانها من قرارات.

العبارة تلك إذا جنحت فإنها تسحق كل ما أمامها قبل أن تتحطم أو تغرق وتغرق معها جهود بنائها.

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا نترك سفن الوطن تبحر بناء على قرارات ونفسيات (قباطنة) لا تحكم توجهاتهم وسلوكياتهم أطر مرسومة رسمها الخبراء ولا نظم وقوانين إبحار دقيقة ومدروسة، خاصة وأن بعضهم حديث عهد بالإدارة والآخر جديد على المسؤولية أو ضعيف لا يملك مقومات القائد الإداري، وننتظر إلى أن تغرق السفينة أو تجنح عن الطريق ثم نبحث لها عن المنقذ الذي كان موجوداً أصلا.

ما نتحدث عنه ليس تنجيما ولا رجما بالغيب بل واقع نراه عيانا بيانا ونعيشه يوميا ونتألم له كل دقيقة.

البراعة في علم أو مهنة لا تعني القدرة على الإدارة، والخباز لا يصلح سباكا مثلما أن عالم الذرة لا يستطيع صنع خبزه!!، بل إن ثمة مجالات متشابهة جداً، لكن قدرات المبدعين فيها تختلف، فالرسام مثلا لا يصلح دهانا، والجراح مهما بلغت براعته لا يمكنه ذبح أضحيته ناهيك عن سلخها، واعرف طياراً عجز عن قيادة دراجة!!.

إذاً لماذا نظلم الإدارة ونجعلها مهنة من نجح في تخصص أخر أو فشل فيه ودون نظم ولا مراقب.

اترك رد