إدارة النطيحة والمتردية

لأن بعض القطاعات الصحية الحكومية – حالياً – يقوم عليها، إما قليلو خبرة إدارية، أو ضعيفو شخصية، أو هما معاً، فإنهم يعتقدون أنه مادام أن من سيتكفل بتكاليف انتداب الموظف، لحضور مؤتمر، أو معرض، هي شركة تجارية، أو مؤسسة داعمة، أو شركة راعية، وأن الجهة الحكومية لن تدفع ريالاً واحداً فإنها يجب ألا تدقق في أمر التزام المنتدب بالحضور والاستفادة، على أساس فكرة جد متواضعة؛ بل أقرب إلى السذاجة، ومفادها أن «البلاش ربحه بين».

هؤلاء المسؤولون بلغ بهم ضعف الخبرة، والمجاملة، وضعف الشخصية الإدارية، وغياب شمولية النظرة، أن نسوا أن ذلك المدير التنفيذي النائم في الفندق، يكلفهم أجره اليومي المدفوع له وهو نائم، ويكلفهم تراكم أعماله الإدارية التي تتعلق بمصالح مرضى ومراجعين وقطاع حكومي بأكمله، ويكلفهم ضياع فرصة استفادة موظف آخر من حضور تلك المناسبة، على حساب الشركة نفسها، ولكن بمشاركة فاعلة!!.

خذ على سبيل المثال الواضح تلك المناسبات المرغوبة من بعض المديرين التنفيذيين في الشأن الصحي؛ مثل معرض صحة العرب السنوي في دبي، الذي يسبب شللاً تاماً في بعض القطاعات الصحية والمستشفيات لدينا، في أثناء المؤتمر والمعرض، بسبب انتداب أغلبية المديرين التنفيذيين؛ لكي يناموا، أو يأكلوا و«يشربوا» في دبي، على حساب شركة؛ لأن صاحب القرار ضعيف مجامل، لا يقوى على الرفض، أو لا يدرك عواقب قرار الموافقة (حسب النظام)، أو يقصر نظره ليركز فقط على من يتحمل التكاليف المالية للانتداب، من دون باقي العواقب!!

ومن السلبيات الكبيرة جداً لانتداب مدير لا يحضر، تتمثل في خسارة عدد كبير من صغار الموظفين الطموحين، الذين يصيبهم الإحباط عندما ينتدب غير الجادين، بينما يتركون هم، محرومين من فرص التطوير، حتى المجانية منها !! التي تتكفل بها الشركات مع أنهم هم المعنيون حقاً، بتوفير الأجهزة والأدوات الطبية والأدوية، وإجراء المفاوضات، واختيار النوعيات.

إن المدير الضعيف الذي «يبصم» على مشاركة 80٪ من موظفيه التنفيذيين، في مثل ذلك المعرض أو غيره؛ لأنهم حصلوا على دعوات من شركات، أو رشحوا أنفسهم للسفر على حساب شركات، إنما يعرض المنشأة الحكومية لخطر الفساد الإداري، فالشركات تسمي من ينفعها، وكان يفترض به أن يرشح أسماء غير متوقعة ومستحقة ومضمونة الاستفادة .

طبيعة عمل الشؤون الصحية في جميع القطاعات، جعل الدولة تمنحها قدراً كبيراً من المرونة في اتخاذ القرارات، ولكن يكمن الشح في الفكر الإداري المتخصص، والخبير، ويبدو أننا نمر -حاليا – بسنوات عجاف إدارياً، في بعض منها، وأجزم أننا سوف نتخطاها قريباً – إن شاء الله – بإعطاء القوس باريها، والإدارة للمتخصص فيها، فأنا أستطيع تسمية السنوات القليلة الماضية والحالية – إدارياً – بسنوات النطيحة، والمتردية، والعوراء البين عورها، فلم نعد نرى المدير الحازم، الذكي، الخبير، المحايد، القادر على قيادة المنشأة إلى بر الأمان.

اترك رد