يجب أن لا يشغلنا النجاح الذي حققته وتحققه قناة (الإخبارية) السعودية عن الاعتراف بأن هذا النجاح يتعارض مع كل المعادلات ويتحدى المنطق الطبيعي ليس للعمل الإعلامي المعاصر وحسب بل لكل الأعمال المهنية الاحترافية التي تعتمد على التمويل الذاتي والاستقلالية الإدارية.
قناة الإخبارية الفضائية أنشئت بسرعة وبارتجالية بناء على حاجة ملحة لوجود قناة من هذا النوع لتحقيق توازن إعلامي، وإيجاد صوت وصورة سعودية صرفة تتقيد بأخلاقيات المواطن السعودي الوسط ولا تحكمها أهواء مالك ولا بيروقراطية حكومية!!.
كما أن من أهم مميزات هذه القناة أنها كفيلة بأن تجعل الهم السعودي يناقش في بيت إعلامي سعودي فيتحرر من وصاية قنوات عربية أخرى على الهم الوطني وتطفل قنوات تجارية لتقتات من نهم المواطن السعودي لمن يتحدث باسمه عن خصوصيات مجتمعه!!.
قناة الإخبارية نجحت وتنجح في تحقيق تلك الأهداف الوطنية النبيلة ولكن النجاح جاء مخالفا لكل المعادلات في علم الرياضيات والاقتصاد والإعلام لسبب واحد وهو اجتهاد وتضحية كل العاملين فيها وحبهم للنجاح وحبهم لوطنهم وحماسهم لقضاياه وغيرتهم عليه، لكن التضحية والحب والوطنية عوامل لا تكفي وحدها للمنافسة في عالم يعتمد على التمويل الذاتي والمرونة في التحرك والحركة وضرورة تواجد ميزانية ضخمة تتيح مجالا رحبا لمواجهة احتياجات(المكينة) الإعلامية التي أصبح زيتها الدولار ووقودها الاحتراف وجذب الكفاءات وإغراء الفنيين والفنانين والخبراء .
(الإخبارية) نجحت في إثبات قدرتها على جذب المشاهد، لكنها لا تستطيع جذب الكفاءات بل ولا الإبقاء عليهم فقد قدمت نماذج سعودية غاية في المهنية والتضحية من الرجال والنساء، لكن طبيعة العمل الإعلامي تشابه كثيرا العمل الرياضي (زمن قصير تعطي فيه ليعرفك الناس ثم فترة نضج ومهارة وإبداع تجعل الفرق الأخرى تغريك بالانتقال إليها لتستفيد من مهارة جاهزة ومدربة ومعروفة).
الاحتراف في الرياضة قادنا للوصول للعالمية أربع مرات على مستوى المنتخب(واحدة منها فقط قبل الاحتراف) ومرتين على مستوى الأندية عندما مثلنا النصر العالمي والاتحاد المونديالي وما كنا لنصل لذلك المستوى بدون لاعبين محترفين ودعم مالي.
(الإخبارية) في أمس الحاجة لتمويل ذاتي، وقرار إداري مستقل، بعيدا عن بيروقراطية الدائرة الحكومية لكي تتحرك بفريق عمل(سعودي) محترف يقودها للعالمية.
لندعم الإخبارية قبل أن تنزل لمصاف الدرجة الأولى!!.
أتوق دائما للإيضاح بالأمثلة ولا أنسى موقفا عندما كان مراسل الإخبارية يحاول القيام بتغطية حية متميزة لإحدى عمليات فصل التوأم السيامي إلا أن كون سيارة النقل مشتركة ومنشغلة بقيام مراسل القناة الأولى بدوره حال دون ذلك، وثار جدل كبير، تألمت وأنا أعايشه وأرى صحافيا يحاول إبراز عمل وطني مشرف ويحول دون ذلك عدم وجود إمكانية تقنية أو قل (عدة إعلامية) في وطن لا ينقصه إلا الوسيلة الإعلامية!!.