الشهر: نوفمبر 2006

مقاولة ابتزاز الوطن الداعم !!

عندما يستهدف الوطن بغير الحق فالدفاع عنه فرض عين، والإدلاء بشهادة الحق مطلب ديني (ولا تكتموا الشهادة).
صرح أحد مقاولي تشغيل المستشفيات أن وزارة الصحة استدعت الشركات العاملة في مجال تشغيل المستشفيات وأوضحت لهم أن عروضهم متدنية وطلبت منهم إعادة النظر في الأسعار، وأنهم (المقاولون) رفعوا الأسعار بواقع 50في المائة، ويردف قائلا بأن الوزارة بذلك عملت كميناً للمقاولين ليقوموا برفع أسعار السوق لتحصل على اعتمادات من وزارة المالية!!.

كلام المقاول مردود عليه فوزارة المالية لديها تجربة الشئون الصحية بالحرس الوطني الرائدة ولديها تقديرات دقيقة وعملية لكلفة التشغيل ولا يخدعها رفع أسعار المقاولين، ثم أنتم، أيها المقاولون، لو كنتم أمناء، فما الذي يجعلكم ترفعون أسعاركم 50في المئة لأن أحدا طلب منكم ذلك (إذا كان طلب كما تدعي)؟! ولماذا لم تكن ذكيا وأمينا وتضع سعرك الواقعي بالربح المعقول وتفوز بالعطاء؟!.

والقول بأن تكلفة التشغيل الذاتي تفوق التعاقدي محض افتراء وتجربة الحرس الوطني الناجحة بكل المقاييس، وعلى مدى عشر سنوات، منذ 1996م عندما قرر معالي الدكتور فهد العبد الجبار التحول للتشغيل الذاتي، تدحض هذا القول فقد تحقق توطين وظائف إدارية ومالية وصحية هامة وخفض تكاليف عقود وشراء أجهزة وأدوية ومستلزمات وتحقيق (الأمانة) والنزاهة في سير التعاقدات والجودة النوعية العالية فوفر مبالغ طائلة وسعءوَد آلاف الوظائف وأصبح الشباب السعودي المؤهل هو من يدير كل قسم في صحة الحرس وتخلص من مئات (العجزة) من أوروبا وكندا وأمريكا ممن تقاعدوا في بلادهم، وجلبتهم شركات التشغيل!!.

هذا إضافة إلى توفر عنصر تخطيط سليم مبني على نظرة شاملة، بدلا من تخبط الشركات التي تتغير خلال ثلاث سنوات وتفتقد للنظرة والتخطيط والتخصص.

ثم يعمد ذلك المقاول إلى الأسلوب الرخيص، الممل، الذي يتبعه بعض ضعاف النفوس ممن دعمهم هذا الوطن ليصبحوا تجارا من لا شيء، وهو أسلوب الابتزاز والتهديد بالنزوح إلى الاستثمار في الخارج، وهنا افتراء في افتراض، فهو يفترض أن شركات التشغيل هذه متخصصة وستجد فرصاً استثمارية في الخارج بينما الواقع أنها شركات غير متخصصة وغير مؤهلة لتشغيل مركز حجامة!!، فمن سيقبلها لتشغيل مستشفى في الخارج؟! وهل سيمنحها الصبر والتشجيع وتحمل الأخطاء مثل الوطن الذي احتضنها أول مرة؟!.

ثم هل نتوقع أن يقبل عاقل التصديق بأن الكفاءات التي تستقطبها شركات التشغيل أفضل من تلك التي تستقطبها الوزارة وبنصف الراتب !! كيف؟! وبأي معادلة منطقية يقبل الأكثر تأهيلا وكفاءة نصف راتب الأقل ؟!

أما عن المطالبة بمقارنة شفافة وواضحة تبين أيهما أفضل: التشغيل التعاقدي أم الذاتي فقد تمت هذه المقارنة عمليا وعلميا ومن خلال التجربة الرائدة للشئون الصحية بالحرس الوطني وقد عرضها معالي د. فهد العبد الجبار في مناسبات عدة، كما عرضها الأستاذ محمد بن زيد العريج المدير التنفيذي للشئون المالية في محاضراته وفي الإعلام، ولولا نجاحها الباهر وتوافقها مع المصلحة الوطنية والاحتياج الوطني وارتياح وزارة المالية لها لما استمرت وتم تعميمها رغم ما تعرضت له من قبل شركات التشغيل من حرب مشابهة لما تفعلونه مع وزارة الصحة الآن، لكن البقاء للأصلح، ونحن في مرحلة استمرار وتسارع عجلة الإصلاح.

مجتمع تعاميم

ما من مشكلة عرضت، ولا نقاش دار، ولا حوار، إلا ويكون الإجماع على أن أهم أسباب مشاكلنا هو غياب النظم والإجراءات، واعتماد سير مصالح الناس ومعاملاتهم على الإجتهادات، و”البركة”، ومزاج الموظف، ومدى توفر “الواسطة” والعلاقات، وفي كثير من الأحيان رغبات ذي مصلحة وأهدافه.
الاستمرار على هذا النهج خطير جداً، وليس أدل على خطورته من كونه سبب كل مشاكلنا لعشرات السنين، والعامل المشترك الأعظم لكل الفترات التي مرت على وزاراتنا الخدمية، مع تغير الوزراء والعهود.

إلى متى نستمر كمجتمع يسخّر أحدث التقنيات، ويطبق أكثر الآليات كلفة، ولكن بدون نظم ولا منظومات عمل مشتركة؟!، إلى متى نترك الحبل على الغارب لكل متمصلح، ومجتهد، ومتجاهل؟!.

غياب الخطوط العريضة الواضحة لكل إجراء ومعاملة مدعاة لهضم الحقوق، والظلم، واستغلال النفوذ، وانتشار الفساد الإداري بكافة صوره وأشكاله. وهو سبب رئيس لخسارة جهود كبيرة تبذل، وأموال تصرف لأن المحصلة الأساسية وهي رضى الإنسان لم تتحقق، بل إن كل جهود الدولة في هذا الصدد تتحطم على جبل من البيروقراطية والتوجهات الشخصية المتمثلة في رغبة مدير أو وزير في ترك الأمور عائمة ليحتاجه الناس، أو لتلبية احتياجاته!!.

وما دام الأمر كذلك، ولأن وطننا هو الأهم ومصلحتنا الوطنية هي الأولى فإنني أقترح منح كل وزارة ومؤسسة حكومية مهلة محددة غير طويلة لإعلان نظم وإجراءات سير كافة الأمور في الوزارة سواء ما يتعلق بمصالح الناس أو التوظيف أو المشاريع، نظم واضحة وشاملة ومفصلة وتعلن خطوطها العريضة في وسائل الإعلام على أن تكون خطوط عريضة غير مضللة أو عائمة ولا تقبل التفسيرات والاجتهادات ويمكن عن طريقها كشف التجاوزات للمراقب والمشتكي والإعلام.

كما أقترح أن يُطلب من كل وزير ومحافظ أن يشرح خططه ومشاريعه بعد مضي 120يوماً (أربعة أشهر) من تعيينه ليتم تقييم فترته على ذلك الأساس ويكون لدى مجلس الشورى عند دعوته للوزير أرضية للمقارنة وطرح الأسئلة حول ما أنجزته وزارته بناءً على خطته المعلنة.

إننا نعيش عهد شفافية وإصلاح، ومن أهم أولويات هذه المرحلة أن نطبق الشفافية في الإجراءات وسير المعاملات وسنجد أن الإصلاح في هذا المجال قد تحقق تلقائياً نتيجة لتلك الشفافية.

أما إذا استمر الشأن الاجتماعي، والشأن التعليمي، وكذلك الصحي، وغيرها من أساسيات الحياة، تسير بطريقة عشوائية تعتمد على تعاميم يومية، وخطابات سرية، وتعليمات آنية تعالج كل حالة على حدة أو تتأثر بحالة أو حادثة بعينها، فإننا سنجد أنفسنا كما نحن اليوم نغرق في أمواج من الورق ونثقل كاهلنا بأطنان من التعاميم المخبأة والتي لا تطبق إلا متى ما أراد الموظف وإذا شاء أخفاها.

المهنة والمصلحة

تتعالى صيحات الشكوى من الأخطاء الطبية وتتناولها كافة وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة بإيراد أمثلة “حية” مخيفة، وأخرى “ميتة” بحزن وغبن.
تعقد الندوات والمؤتمرات ويحاول البعض عبثاً التقليل من شأن الأخطاء الطبية، تارة بمقارنتها بإحصاءات أمريكا التي تسجل فيها الحالات وتوثق كاملة بينما لا يمثل ما يسجل لدينا ربع الحقيقة، وتارة أخرى يكون التقليل من أهميتها باتهام الإعلام بالمبالغة والتضخيم ليخرج وفي نفس القاعة رجل يحمل جمجمة ابنه في كيس بلاستيك لتجسد خليطاً من أشكال الخطأ الجراحي والطبي والتشخيصي والإهمال في التعامل مع حفظ جمجمة طفل حي وهو ما كشفه أطباء البلد التي نقارن إحصاءاتنا بها (أمريكا).

لذلك فإنني أكرر الاستشهاد بالمثل الإنجليزي الشهير عندما تقارن قارن برتقالة ببرتقالة وليس برتقالة بتفاحة وأضفت لأن المستفيد ال “يوسف افندي” لأنه بالفعل لا يستفيد من المقارنات المغلوطة إلا الأصغر، والأقل شأناً، والمغالط!!.

إعلامنا لم يكن يوماً من الأيام أداة مبالغة أو تضخيم بل ربما صبر واختصر، وساهم بسبب تحفظه في تفاقم المشاكل وخروجها عن السيطرة.

الدكتور غازي القصيبي، الإداري “المختص” الوحيد الذي تولى وزارة الصحة خرج لنا بتجربة ثرية وكشف ما كان مخفياً وعاد مخفياً، يقول الدكتور القصيبي في كتابه “حياة في الإدارة” ” وزارة الصحة هي الملاذ الوحيد، الخصم والحكم، بحكم غريزة البقاء، إضافة إلى روح النقابة ينزع جهاز الوزارة إلى الوقوف، صفاً واحداً، ضد شكاوي المواطنين. عندما أحس المواطنون أني أقف في صفهم لا في صف الجهاز كانت هذه ظاهرة جديدة ” انتهى ما ذكره الدكتور القصيبي.

وبطبيعة الحال ان هذا التحيز نحو الممتهن وليس المهنة يحدث في كل قطاع صحي يديره طبيب وجميعها الآن يديرها أطباء فوزارة الصحة مجرد مثال.

الآن وبعد مرور حوالي 23سنة أعاد الدكتور غازي ما كتبه في لقاء أجرته الزميلة ريما الشامخ “الإخبارية ” معه في رمضان وكرر أيضاً قوله ” تذمر عدد من الأطباء من موضوع نشر العقوبات وقالوا إن النشر يزعزع ثقة الناس في الأطباء مع أنني جئت وسمعة الأطباء في الحضيض، لأن الصحف كانت تنشر الكثير عن تجاوزات الأطباء ونشر العقوبات سيسهم في إعادة الثقة فعندما يشعر المواطن أن الطبيب المهمل سيحاسب سيتعامل باطمئنان مع الأطباء، فكنت أقول انه عندما تكف الصحف عن نشر التجاوزات سوف أكف عن نشر العقوبات، لم تكف الصحف ولم أكف أنا. التهاون لا النشر كان سبب انهيار الثقة”. (انتهى).

أما أنا فأقول إن الواضح أننا وبعد مضي ثلاثة وعشرين عاماً لم نستفد من تجربة الوزير الإداري المختص ولا من كتابه ولو حاول أحد الاستفادة فإنه سيجد أن التهاون لا النشر هو سبب تدهور سمعة مهنة الطب، هذا إذا كان الهدف روح نقابة حقيقية تعنى بالمهنة وليس الممتهن!! أو المصالح الخاصة!!.

مغازلة تلفزيونية

بعض الصور التلفزيونية توحي لك وبسرعة الضوء أننا كعرب مهما تطورنا لا بد وأن نحافظ على نمط سلوكي موروث يميزنا عن غيرنا، بعض جوانبه إيجابي كالكرم والفراسة والذكاء وسرعة البديهة وصفات أخرى تميز الإنسان العربي الأصيل ليس هذا محلها، وجوانب سلبية لا أجد أفضل من الاستشهاد بالأمثلة لتوضيحها .
قناة “الجزيرة” من قطر مهما حاولت ادعاء الحياد وتقليد المنابر الحرة وادعاء احترام المشاهد إلا أنها وما أن يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية فإنها تخرج عن طورها بل عن كل الأطوار والادعاءات وترجع مئات السنين للوراء لتتقمص شخصية الإنسان المتخلف الحقود الحريص على تصفية الحسابات، أحادي الرأي، بدليل أن هذه القناة المدعية للحياد لا يمكن أن تذكر اسم المملكة بخير أو أن تحترم آراء مشاهديها بإيراد خبر سياسي أو اقتصادي أو علمي أو حتى طبي عن المملكة طالما أنه إيجابي ويشكل مفخرة لأكبر وطن عربي رائد في السياسة والاقتصاد والإنجازات العلمية والصحية وهذا يذكرنا بأن هذه القناة مهما كررت غمس شعارها في ماء البحر عشرات المرات يومياً فإن ماء الخليج عجز عن غسل أحقادها !!.

الصورة الأخرى تلفزيونياً تتمثل في الإنسان العربي عندما يتصل لإجراء مداخلة في أحد البرامج ورغم ضيق الوقت وإلحاح المقدم على الاستعجال فإنك تجده يصر على عبارة “أمسي عليك وعلى ضيوفك”، ثم يكرر “أمسي على ضيفك فلان وضيفك علان” ويعرج بعد ذلك على الاطمئنان عن صحة الضيوف مع أنه يراهم في تمام الصحة “كيفك يا زيد، كيفك يا عبيد” ليجد نفسه وقد بدأ يسأل في الوقت الضائع ويستجدي الثواني من المقدم لإكمال سؤاله رغم أهمية السؤال ووجاهة المداخلة أو الاقتراح .

ومن الصور المؤلمة جداً عدم احترام التخصص ففي ثلاث حلقات رائعة من برنامج “دوائر” في الإخبارية نوقش موضوع الغزل ومضايقة الشباب للفتيات في الأسواق العامة وكان الأخصائي النفسي يتحدث ضمن حدود تخصصه في مجال السلوكيات النفسية وأسبابها وعلاقتها بالموضوع، وتواجد أستاذ في العلم الشرعي من جامعة الإمام وتحدث بكل رزانة وعقلانية عن موقف الشرع والنصوص التي تحث على تجنب مثل هذه السلوكيات وتصف الاحتياطات التي تحد منها من منظور شرعي.

أما في الكرسي الآخر فتواجد “طبيب” نفسي والطبيب النفسي تخصص في التعامل مع الحالات من وجهة نظر “إكلينيكية”، فهو يبدع في تشخيص الآلية أو الميكانيكية التي تحدث في الجسد لتنعكس في شكل صورة مرضية نفسية ثم كيف تعالج “دوائياً” أو بأي وسائل العلاج الجسدي للمسبب، لكن صاحبنا راح يفتي في العلم الشرعي ويحلل اجتماعياً ويحلل نفسياً ويستجوب المتصلين والمتصلات بطريقة توحي أنه “جوكر” زمانه في كل العلوم وبطريقة فجة، مثيرة للاستغراب خصوصاً وأن طروحاته لا تقوم على أساس تخصص أو علم وإنما فرض رأي شخصي .

ثمة فرق كبير بين أن تنتقد وضعاً اجتماعياً من وجهة نظرك كفرد وبين أن تدعي تشخيص الواقع وطرق علاجه وأنت أبعد ما تكون عنه في مجال علمك وتخصصك .

الإخلاص والحماية

استوقفني أحدهم في أحد الأسواق ولمدة تزيد على نصف ساعة بدأ خلالها مؤيداً لما كتبته عن سرقة المديرين لأفكار وإنجازات موظفيهم ونسبتها لأنفسهم، واستشهد بما تعرض له هو من أن إحدى الشركات الغذائية استفادت من أفكاره التطويرية والترويجية وأساليب جديدة ابتدعها، لكنه ومع أول مطالبة بحقوقه تم الاستغناء عن خدماته .
إلى هنا والوضع، وبمنتهى الأسف، يكاد أن يكون شائعاً لدى كثير من الشركات التي تتعامل مع الموظف بمنتهى الجحود تمتص رحيق أفكاره وبمجرد ما ترتفع مرتبته وتكلفته أو يطالب بتحسين وضعه، يزال هو، وتبقى أفكاره، بل إن بعض الجهات الحكومية التي يراها المدير ملكاً له ولحاشيته قد تمارس الشيء نفسه !!.

الأهم “وطنياً” في موقف صاحبنا أنه أخذ يسرد لي سيلاً من مخالفات تلك الشركة الغذائية من حيث عدم النظافة وترك منتجاتها مكشوفة للذباب والصراصير ليلاً، ثم طرد هذه الحشرات نهاراً وبيع المنتجات الملوثة، حتى انه قال حالفاً باليمين المغلظ انه لو أشرف على الموت جوعاً ما أكل من منتجات شركته تلك، ثم عرج على ما تمارسه الشركة من رشوات وخلافه .

وجدت نفسي مضطراً لسؤاله “لماذا لم تفضح ممارسات الشركة إلا بعد أن طردوك ؟! لماذا لم تحم الناس من خطر منتجاتها عندما كانت العلاقة معهم تمراً وعسلاً؟! ولماذا تتحدث الآن بمنتهى الحماس عندما مست حقوقك ؟! بينما كنت تشهد مس الذباب والصرصار لغذاء يباع بأغلى الأسعار وأرخص أنواع الادعاء بالنظافة والجودة وكنت صامتاً كل هذه المدة، بل كنت تبدع وترسم الأفكار لمزيد من الترويج كما ذكرت بنفسك”

وأنا في فورة حماس الأسئلة نظرت يمنة ويسرة فلم أجد إلا ابني سليمان وقد أعياه الانتظار ورأس صاحبنا وقد هوى سريعاً إلى الأرض تخفيه عتبات السلم الكهربائي !!.

نحتاج وبشكل ملح وخطير إلى تنمية ثقافة التبليغ عن الممارسات الخاطئة ونحن على رأس العمل وليس بعد أن نصبح خصوماً.. لكن هذا المطلب يحتاج إلى أرضية حماية أيضاً “حماية للمواطن المخلص تدفعه إلى مزيد من الإخلاص” حماية للموظف صغير المركز كبير الضمير عندما يغلب مصلحة الوطن على علاقته مع رئيسه ومن حوله ويضحي بكل شيء من أجل وطنه ويبلغ عن المخالفات والممارسات الخاطئة، لأنه في هذه الحالة بأمس الحاجة للحماية فقد “نكش” عش الدبابير . .

“المستقعدون” في الأرض

من الإنصاف وقول الحق والحديث بالنعمة {وأما بنعمة ربك فحدث} أن نعترف بأننا ولله الحمد نتميز عن كثيرين غيرنا بتوفر مساحة أوسع للتظلم، بمعنى أنه لا يمكن لمسؤول مهما بلغ نفوذه أن ينال من شخص أو كما يقال بالعامية “يستقعد” له مستغلاً نفوذه.. وذلك لأن طبيعة مجتمعنا وتوفر الأبواب المفتوحة للتظلم، خاصة على المستويات العليا تحد من شهية الظالم (كلما اتجهت إلى الأعلى زادت فرص إنصافك فإذا وصلت للملك، والملك قريب، فأنت حتماً ستجد العدل والإنسانية، لأن هذا الرجل كتلة أحاسيس ورمز إنصاف).
أقصد أننا لا نعاني، مثل مجتمعات كثيرة حولنا، من إمكانية أن ينغص مدير حياة موظف لسبب شخصي ولا أن يستقوي ضابط على شخص فينال منه لمجرد أنه أقوى نفوذاً، ولا أن يقطع شخص نافذ رزق غيره ويحول حياته إلى جحيم لمجرد تصفية حسابات، لذلك فإنك لا تجد حتى في أمثالنا الشعبية مفردات أو جملاً تشير إلى “الاستقعاد” مثل “خليك في أكل عيشك” أو “دبور زن على خراب عشه”!!.

بل على عكس ذلك تجد لدينا مثلاً شعبياً بليغاً يقول “العصفور يهزع الرشا” بمعنى أن العصفور على خفة وزنه وضآلة حجمه وضعفه قادر على إنزال حبل البئر (الرشا) وبالتالي إسقاط الدلو.

مشكلتنا في جزئية صغيرة لكنها خطيرة تتمثل في “الاستقعاد حسب النظام” بمعنى أن كثيراً ممن يشتكون للكاتب مثلاً أو للصحف يفضلون عدم ذكر أسمائهم، ويخافون كثيراً من أن يتخذ منهم الطرف المشتكى عليه موقفاً ينغص عيشتهم مستغلاً ضبابية بعض النظم الإدارية أو قدرته على تعطيل معاملة أو ترقية أو أي شأن إداري ترك أمر تقديره للمدير.

خذ على سبيل المثال لا الحصر، وأكرر لا الحصر، اشتكت لي معلمة رُفض تعيينها في إحدى المناطق (محو أمية) بحكم أن مدير التعليم في تلك المنطقة يجنح كثيراً للواسطة وأثبتت لي تأهيلها وتعيين معلمات تقدمن بعدها ودرجتهن أقل منها أي أنها اقنعتني تماماً بأن ما ينقصها هو الواسطة!! واقتنعت، لكنها كانت تكرر أخشى أن تذكر اسمي و”يتقعد” لي مدير المنطقة، قلت لها إنني سوف أخاطب المسؤول الأعلى منه وبطريقة ودية ودون نشر، لكنها كانت خائفة جداً وأنا حقيقة استكثرت خوفها، ومللت من ترديدها عبارة “بيستقعد لي، وهو قاس جداً”، فأقنعتها وكتبت خطاباً ودياً لقي تجاوباً جد مهذب وراق من المسؤول الأعلى ورداً نظرياً على بعض حججها لكنها لم تحصل على حقها في وظيفة موعودة حتى بنظام محو الأمية المؤقت، والواضح أن المسكينة كانت تبالغ في ظنون كثيرة إلا أن ظنها في أمر “استقعاد” مدير المنطقة كان مبرراً!!.

اللهم ارزقنا القناعة بأن كل قوي عليه من هوأقوى منه وأن القوي الوحيد هو الله.

في مائنا كهرب.. يا وزير العمل

اشتكى لي أحد الجيران الثقات أن جدته الطاعنة في السن دخلت لتستحم وهي في منتهى السعادة، وكأني بها تردد أنشودة “يا طفلة تحت المطر” لتستعيد أياماً جميلة خلت (لا أدري لماذا نحس دوماً أن الماضي أجمل!!).
يقول فوجئنا بجدتي تصرخ بأعلى الصوت فهرعنا نسمي عليها قلت: (ويحكم ما الذي سيجعل الجني يترك كل حسناوات دعاية الشامبو والصابون ويختار جدتكم).

ويواصل خرجت جدتي وهي في حالة فزع، (ولكن الفزع لدى الجدات لا يشغلهن عن الستر!!) فقد أعادت ملابسها وحلفت بأن لا تستحم، أما لماذا فلأنها تقول بأن الماء فيه كهرب!!.

شدتني القصة، خاصة عندما أكد لي صاحبي أنه لمس الكهرب في الماء بنفسه وفي كل صنبور في المنزل، فقلت له “آه إنه الدمج المشئوم”!!، منذ أن دمج الماء مع الكهرباء في وزارة واحدة وأنا أخشى على الماء!!، ومنذ أن لمح وزير المياه إلى الفاتورة الموحدة للماء والكهرباء وأنا أشفق على الفقراء، لكني لم أقرأ أبداً فنجاناً يشبه فنجانك!!، فلم أتوقع مطلقاً أن تصل خطورة الدمج إلى أن يتكهرب الماء!!، بل المقلق أكثر أن يبتل الكهرب “سترك يارب”.

المهم، استنفرت من أعرفهم من “الكهربائية” و “السباكين” وتوجهنا إلى منزل صاحبي فأشبعوه فحصاً ليجدوا أن صاحبنا كان قد استأجر عامل كهرباء، “مرخص”، “كهربائي”، فركب له عوامة “أتوماتيك” وصل أسلاكها بمصدر كهرباء الدينامو وسمح لنقطة الاتصال أن تنغمس في الماء وهي “عارية” (ليست الجدة بل الوصلة) وبذلك فكلما عمل دينامو الضغط تكهرب الماء، والماء موصل خطير ينقل الكهرباء معه لكل صنبور، ولولا أن ماء الاستحمام يندفع كرذاذ عن بعد من مصدر الماء “الشوَرء” لاحترقت العجوز وأصبحت “يا فحمة تحت الشوَرء”.

عندما عرفت السبب بطل عندي العجب، فوزير العمل الدكتور غازي القصيبي كان وزير مياه سابقا ولأنه لم يمكث طويلاً فإنه لم يدرك خطورة الدمج بين المياه والكهرباء، فعندما أصبح وزير عمل لم يهتم كثيراً بضمان حقوقنا في التأكيد على الكفاءة والتخصص والقدرة لدى العمالة من (كهربائية) و(سباكين)، وبسبب الدمج بين الماء والكهرباء، وجد السباك مبرراً نظامياً في أن يعمل كهربائي أيضاً على أساس (قال من سمح لك؟! قال من منعني؟!) والضحية هي حقوقنا كأرباب عمل والخطر الذي يحدق بنا من عمالة غير مؤهلة!! ومرخصة!!.

الأمر المثير للضحك أن وزارة العمل تعكف على إعداد عقد يكفل حق العاملة المنزلية والعامل “عقد لا يخر الماء ولا الكهرباء” بينما لم تلتفت بعد لحقوقنا نحن لا مع الخادمات ولا مع السباكين ولا مع الكهربائي (ويا أرض ادمجي ما عليك).