الشهر: أوت 2007

كيف ولماذا؟!

معظم الأخطاء التي ارتكبت في حق هذا الوطن جاء من سلوكيات أفراد أو بناء على بنات أفكار فرد واحد لم يجد من يقول له في البداية (كيف؟!) وفي النهاية (لماذا؟!).
غالبية القرارات والخطوات التي تتخذ على مستوى الوزارة أو الوكالة أو الهيئة أو الإدارة العامة، والتي لا ترفع إلى مقام مجلس الوزراء وتدرس في هيئة الخبراء ويستشار فيها مجلس الشورى، هي قرارات يتخذها رجل واحد وأحيانا يقررها فجأة بناء على مشورة مجتهد أو متربص أو بناء على بنات أفكار تأتي أثناء استرخاء أو قرب نوم وهذه القرارات غير المدروسة غالبا ما تكون كارثية ضارة أو غير مفيدة على أقل تقدير.

الخطورة لا تكمن فقط في ارتجال مدير لقرار وما ينجم عن القرارات غير المدروسة من نتائج سلبية ومحبطة فحسب، بل تكمن الخطورة في استمرارية ترك الحبل على الغارب كل هذه السنين رغم السلبيات التي تستدعي فرض قناة تمحيص ودراسة ولجان خبراء تتأكد من صواب القرار وتتنبأ بنتائجه وما سيؤول إليه وانعكاساته المستقبلية.

أتوق دائما إلى استخدام الأمثلة التي توضح ما أريد قوله، ولا تدع فرصة لمن يتهم بالتشاؤم أو روح النقد الشديدة دون أساس، لأن الواقع أن المشكلة (القرارات الفردية غير المدروسة ) قديمة جدا ولم يطرأ عليها تحسن يذكر ويبدو جليا أن هذا العصر هو الأنسب لنتحول إلى القرارات الوطنية التي تمر عبر (فلتر) المصلحة الوطنية والدراسة العقلانية والتخطيط السليم لتخرج جديرة بالتطبيق وقبل ذلك جديرة بالاحترام.

أذكر منذ حوالي عشرين سنة أنه ركب على أرصفة المدن الرئيسة أجهزة حساب دقائق لوقوف السيارات والتي تعمل بالعملة المعدنية، كما هو حاصل في معظم مدن العالم، وأجزم أن تكلفة تركيب مثل هذه الأجهزة ليست بالقليلة وأعلم يقينا أن أياً منها لم يستخدم بل لم يشغل أصلا لأنه لم تكن لدينا الآلية لتطبيقه لا من حيث متابعة ساعة الجهاز دوريا وتطبيق المخالفة ولا من حيث وضع نظام يحكم العمل به.

بعض هذه الأجهزة لا يزال موجودا ولا أدري هل أقول إنه يمثل تراثا أم شاهدا على ارتجالية القرار.

وأذكر أيضا أنه ومنذ حوالي 15سنة ركب على الخطوط السريعة والصحراوية أجهزة اتصال (يبدو) أنها للطوارئ، أما لماذا أقول (يبدو) فهو لأنها لم تعمل لنعلم الغرض منها ولم نعلم لنستفيد منها ولا تزال مثل سابقتها إما تراثاً أو شاهدا على عدم اكتراث!!

كانت تلك أمثلة لعشرات من السنين خلت أما الأمثلة المعاصرة فحدث ولا حرج فمشروع (وطني) لوزير التعليم السابق، وكليات طب الأربع سنوات التي يتباهى بها كل مسؤول صحي كنوع من التنافس، وقرارات حرمان المواطن المريض من العلاج إلا بمقابل مادي وقرارات الفصل التعسفي وقرارات التعامل مع محتاجي الضمان والفقراء الحقيقيين والتعامل مع المشردين في الشوارع كلها تتخذ بصورة ارتجالية تعتمد على مزاج ورغبات وأهواء مسؤول لم يجد من يقول له كيف ولماذا؟!

استجداء العلاج

كتبت في هذه الزاوية الأسبوع الماضي عن الضرورة الملحة التي تستدعي النظر في طلبات المواطنين لعلاج أبنائهم ووالديهم في المستشفيات الحكومية المتقدمة، وخصوصا ما يتعلق بعدم استجابة تلك المستشفيات للفاكسات الطبية الواردة من مستشفيات القرى ومستوصفات الهجر عن حالات حرجة وعاجلة تستدعي التدخل الطبي أو الجراحي في مستشفيات متقدمة، واقترحت أن تتولى هذه الطلبات هيئة عليا ترجع إلى (من قدم الكرسي لمواطن يشتكي له)، لأن القائمين على الإدارات الصحية في القطاعات المختلفة لم يدركوا بعد ولا أخالهم ينوون إدراك أهمية الرعاية الصحية في تعزيز الولاء لهذا الوطن الغالي ومشغولون بالولاء لشخوصهم.
قبل نشر الموضوع وبعده عايشنا حالات من الاستجداء عبر الصحف من مواطنين مستحقين للعلاج لم تكد تخلو منها صحيفة يومية: مواطنة تستجدي (المسؤولين) في المستشفى الفلاني قبول حالة ابنها التاسع قبل أن يموت، ومواطن يستجدي (المسؤول) في المستشفى العلاني قبول علاج والدته المصابة بجلطة قلبية، وثالث يتمنى من مدير مستشفى الموافقة على علاج والده الذي لاعلاج له إلا في ذلك المستشفى المختص بحالة والده.

على مستوى القيادة والوطن فقد قدم كل جهد ومال لنكون في مقدمة ركب الرعاية الصحية، لكننا نشهد يوميا كما ذكرت أن تلك الجهود المخلصة من القيادة الحانية تتحطم على صخرة أهواء مديري الصحة في القطاعات وعدم حماسهم لمهامهم بالوجه المطلوب.

إذا لا بد من هيئة عليا تتولى زمام القبول والنظر في عدالة تقديم الرعاية الصحية خصوصا وكما ذكرت أن وزارة الصحة لا تتحكم في ثلثي مقدمي الرعاية الصحية في الوطن بحكم المرجعية الإدارية لكل مستشفى حسب القطاع الذي ينتمي إليه، فوزارة الصحة تتحكم فقط في قبول مستشفياتها للحالات وتتحمل عبء كل المرضى بما فيهم مرضى تلك القطاعات الأخرى التي ترفض حتى منسوبيها!! ومجلس الخدمات الصحية لا يجد التعاون المطلوب ويتم إشغاله برسم استراتيجيات لا تطبق ووعود لا ينفذها ممثلو القطاعات الأخرى.

أتمنى أن ينزل باحث أكاديمي من برجه العاجي ويجري دراسة إحصائية عن الفاكسات العاجلة المرسلة من القرى والهجر لضحايا الحوادث والحالات الحرجة ونسبة قبولها من كل مستشفى متقدم، وسيجد أن النتائج مخيبة لآمال الوطن الذي تحدوه أمال عريضة تتصادم مع أهواء ضيقة الأفق لا تحسب حسابا لدور الرعاية الصحية في إلهاب شعلة جذوة الولاء التي لم ولن تنطفي لكنها قد تخبو نتيجة جهل مدير أو تجاهله، والدليل مقالات وأخبار ومطالبات الاستجداء عبر الصحف لمدير صحي أو مدير مستشفى.

الولاء بالصحة

أكرر القول بأن شؤون المرضى تحتاج إلى رقابة صارمة على مستوى رفيع وعن طريق هيئة عليا ترجع مباشرة إلى (من قرب الكرسي لمواطن يشتكي له) ومن قال للمسؤولين (لا عذر لكم بعد الآن).
أما لماذا هيئة عليا فلأن الرعاية الصحية لدينا كثيرة التشعب ومختلفة المراجع وغير واضحة المسؤوليات، فلدينا خمسة قطاعات إضافة إلى القطاع الخاص، لكل منها مرجعيته المنفصلة وطريقته في التعامل مع المواطن وأسلوبه في التعامل مع وزارة الصحة (المسؤول الأول فرضيا عن الرعاية الصحية)، ولكل قطاع درجة محدودة من الحماس نحو المواطن المريض، تحددها نفسية القائم على الإدارة الصحية ورغبته وأهواؤه ومصالحه ودرجة استعداده للبذل واحترام المسؤولية.

أقول هذا القول ليس جزافا ولا حماسا ولا نقدا متسرعا ولكن بناء على مشاهدة عن قرب ومعايشة لمشاكل الناس تحتم على كاتب عايش الخدمات الصحية أكثر من ربع قرن، ويتلقى يوميا عشرات رسائل المعاناة ومكالمات الألم أن ينقلها بصدق وأمانة ودون مجاملة.

قلتها ذات مرة وأكرر القول : أن ولاء المواطن وحبه لوطنه تلعب فيه رعاية صحته وصحة أبنائه ووالديه دورا كبيرا يجب أن لا يستهان به.

خذ على سبيل المثال (الذي يستدعي رقابة صارمة على مستوى رفيع مؤثر) موضوع عدم الرد على فاكسات الحالات الحرجة من كثير من المستشفيات المتقدمة ، حتى لو كان المريض المصاب في حادث أو عارض صحي يتبع لنفس القطاع التابع له المستشفى، رغم وجود الشواغر والإمكانيات لإنقاذ المريض لكن العنصر الوحيد الغائب هو واسطة نافذة يكسب عليها المسؤول الصحي جميلا ومعروفا ينفعه في قادم الأيام!!.

إذا تعرض مواطن لحادث في إحدى القرى أو الهجر وأصبح في حاجة ملحة لعناية مركزة أو رعاية متقدمة أو تدخل طبي أو جراحي متخصص، وبعث مستشفى القرية أو مستوصف الهجرة بتقرير طبي عاجل وملح إلى جميع المستشفيات المتقدمة فإن الاستجابة شبه مستحيلة بل مستحيلة دون واسطة نافذة، ودون موافقة سيادة المدير الصحي للقطاع شخصيا، في حين يفترض أنها من صلاحيات الطبيب الاستشاري المناوب (إن وجد ولم يكن مشغولا هو الآخر بجمع الأموال في مستشفى خاص).

أتمنى ممن يعتقد أن ثمة مبالغة في هذا التصوير لواقع مآسي المريض وأقاربه أن يجري دراسة إحصائية لعدد (الفاكسات) التي تم الاستجابة لها خلال ستة أشهر وسيجد أنها نذر يسير، ثم ليتقصى من أهل المريض الذي حظي بتلك الاستجابة وسيجد أنها لم تتم دون واسطة و (تقبيل رؤوس).

هذا فيما يخص التقارير الطبية العاجلة جدا التي تتعلق بضحايا حوادث وجلطات قلبية وعوارض صحية عاجلة، أما غيرها من الأمراض المزمنة ومن الأمراض السبعة التي أكدت الدولة حفظها الله على ضرورة قبولها فوريا في أي مستشفى حكومي، فإن الوضع أكثر مأساوية وقهرا.

لماذا تتحطم جهود الوطن في رعاية مواطنيه على صخرة عدم تقدير مدير إداري لحجم مسؤولياته وعدم إدراكه لخطورة آثار استهتاره على ولاء المواطن ورضاه ؟! بل لماذا نترك لكل من تولى مسؤولية أن يتعامل معها وكأنها جزء من أثاث بيته، يتحكم فيه كما يشاء، دون رقيب ولا حسيب ولا مرجعية عليا تحكمه، علما أن وزارة الصحة لا حول لها ولا قوة على ثلثي مقدمي الرعاية الصحية.

السياحة بروح خط البلدة

في كل شأن يتعلق بالانطباع الأول والسمعة فإنه خير لك أن لا تستعجل البداية من أن تبدأ بداية ناقصة متواضعة تترك أثرا سلبيا وانطباعا سيئا تصعب إزالته، بل قد لا يزول مطلقا .
هذه القاعدة تنطبق (في ظني) على أشياء كثيرة مثل إقامة المعارض الدعائية، والوطنية، التي تهدف إلى ترك انطباع لدى الزائر وكذا المشاركات المختلفة على مستوى وطني في كافة المجالات .

وبطبيعة الحال فإن السياحة من أهم تلك المجالات لأنها تشتمل على كل أنواع الانطباعات: الانطباع عن البلد، الانطباع عن السكان، الانطباع عن الحكومة والانطباع عن الخدمات.

صناعة السياحة في المملكة لا يكفيها حماس هيئة أو فرد أو مجموعة أشخاص فهي تحتاج إلى منظومة وطنية متكاملة تعمل جميعا كوحدة واحدة، بنفس الحماس وبنفس الحيوية وأهم من ذلك، نفس الإحساس الوطني الذي يستهدف السائح المواطن والسائح الأجنبي سواء بسواء ليخرجا معا ولدى كل منهما الرغبة في إعادة التجربة مجددا في الموسم القادم .

لا يمكن أن تقوم للسياحة لدينا قائمة وخطوطنا الجوية تتعامل مع الرحلات الداخلية بنفس أسلوب تعامل سائق أتوبيس (خط البلدة)، الذي يركز على تجميع الركاب على حساب المواعيد، وتجميع النقود دون اكتراث بالنفسيات واحترام الزبون .

نفس الشيء ينطبق على الفنادق ووكلاء السياحة والطيران والمكاتب السياحية (إن صحت التسمية)، وسيارات الأجرة، والشقق الفندقية وخدمات الهاتف والإنترنت وشرائح الجوال …الخ

نجاح السياحة في المملكة يتطلب أمرين هامين:

الأول توفر درجة عالية من الاستعداد للتضحية والمجازفة لدى الجهات التجارية والخدمية آنفة الذكر بحيث تترك هامشا كافيا لاحتمالات فقدان حفنة من الريالات كثمن للثقة بالسائح والتسهيل عليه وهو في الواقع ثمن مستحق للوطن للإسهام في النجاح، فأكثر الدول فشلا في السياحة هي تلك التي تقيد السائح بيروقراطيا لضمان حق مقدم الخدمة.

الأمر الثاني هو أن تفرض الدولة على الجهات المذكورة تطبيق قاعدة (الزبون دائما على حق) وأن تقف مع السائح المواطن والزائر ضد من تسول له نفسه تشويه سمعة الوطن واستغلال السائح لتحقيق مصالح تتعارض مع سمعة السياحة في الوطن .

بدون بداية قوية كهذه أعتقد أنه من الخير لنا أن لا نبدأ، ولعل أقوى دليل على صحة ما ذكر أننا، مثل غيرنا من الشعوب، لا نسافر إلا بعد أن نسأل من ذهبوا قبلنا ونتحرى حول الانطباع عن البلد المقصود، واليوم أصبح الإنترنت هو مجلس تبادل الآراء والتشجيع أو الترهيب من بلد دون آخر سياحيا.

ولايقل أهمية عن ماذكر، بل يزيد، أن نجاح السياحة مرهون أولاً باحترام البلد للسائح الداخلي (المواطن) وتحقيق رضاه فبلد لا يرضي السائح من الداخل غير مؤهل لجذب السائح من الخارج.

الهيئة ورقيقة البلوتوث

نجاح رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إعتاق عشرات النساء المتزوجات من رق ملك البلوتوث الذي دأب على تهديدهن بنشر صور التقطها لهن معه بحجة الزواج وقبض رجال فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحي الملك فهد بشمال الرياض على ذلك المجرم التسلسلي كما ورد في خبر الزميل خالد زيدان في الرياض السبت 1428/4/11ه نجاح يحمل ماركة مسجلة مشرفة لا يقدر عليها غير رجال الهيئة، وجميل جدا ان تكرر مثل هذا الانجاز مع عدد ممن دأبوا على استغلال رغبة المرأة في الستر وندمها وعودتها الى الحق مستغلين مقاطع بلوتوث سجلت لها في وقت ضعف او نزوة، وهذا من اخطر انواع الابتزاز .
لو أن كل من ينتسب لجهة رقابية عمل بنفس روح وإخلاص وتقوى وتفاني ومنعة رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما خشينا على أنفسنا من الغش في الغذاء ولا الدواء ولا رفع الأسعار ولا الغش التجاري ولا تقليد الماركات ولا فساد الأطعمة ولا قذارة المطاعم ولا ترويج اللحوم الفاسدة .

إن رجالاً تمكنوا رغم الحملات المعادية من أن يمنعوا فساد اللحوم البشرية سواءً منها الراغب أو المرغم، قادرون على منع كل أنواع الفساد .

ليس ثمة سر في قدرة رجال الهيئة على تحقيق النجاح تلو الاخر في حماية المجتمع من الرذيلة بل الأمر علن لا سر، إنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى واخلصوا عملهم لوجهه سبحانه وطمعوا في أجره قبل أي أجر دنيوي اخر، ولذا فإن إغراءهم مستحيل والواسطة لديهم عسيرة وتركهم متابعة قضية المجتمع التي يعتبرونها قضيتهم أمر ميؤوس منه .

وسبق أن ذكرت بكل فخر أن ألّد أعداء الهيئة عندما تضعه الظروف في موقف يحتاج فيه إلى عون فعال وموقف حازم فإنه لا محالة سيلجأ لرجال الهيئة .

نعم، لبعض المنتسبين إلى الهيئة أو من ينسبون أنفسهم لها شيء من اندفاع وحماس يؤدي إلى خطأ ولكن ثمة فرق شاسع بين خطأ المجتهد وقعود المتقاعس، ومن يعمل لا بد أن يخطئ مرة عندما يصيب ألف مرة ومرحباً ب 999نجاحا مقابل غلطة .

إن من أقبح الأعمال وأخطرها جر امرأة متزوجة لممارسة الرذيلة باستغلال رغبتها في الستر، والتهديد بسلاح الفضيحة لا يقل عن التهديد بأي سلاح، وإنقاذ مدينة واحدة من واحد من هؤلاء إنجاز لا يستهان به فما بالك إذا كان يتم بصفة شبه يومية وبجهود قوامها الصبر والمتابعة والتأكد والتثبت بالقبض بالجرم المشهود لتقوم الحجة بل ما بالك حين لا يكون الصنف الوحيد بين أشكال وأعداد من الإنجازات .

لقد أسعدني كثيراً انفتاح هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإعلام في عدة مناسبات كان اخرها ما تم برعاية هذه الجريدة الرائدة ضمن مشروع “شفاؤك أملنا” من زيارة رئيس هيئات الرياض ومعه 60طالباً حافظاً لكتاب الله وعدد من أبناء شهداء الواجب لجميع المرضى المنومين بمجمع الرياض الطبي كنوع من أعظم المعروف وأتمنى أن تستمر الهيئة في نشر أخبار إنجازاتها وترد على ما يوجه لرجالها من نقد، إن هادفاً بالاعتراف والإيضاح، وإن مستهدفاً بالتفنيد والدحض .

صورتان

المراجع في قطاع خدمي هو في الغالب موظف في قطاع آخر له علاقة بالناس ، وما يشتكي منه الشخص كمراجع يمارسه نفس الشخص وهو موظف، فتجد موظف المطار يشتكي من فضاضة وقسوة العاملين في المستشفيات وموظفي المستشفيات يستغربون من أسلوب تعامل موظف الخطوط ، وأساتذة الجامعات يمارسون التنظير في فن التعامل مع المراجعين ويتقززون من الواسطة وسوء المعاملة وتسرب الموظفين في الدوائر الحكومية وطلاب الجامعة يشتكون بحسرة من سوء تعامل أستاذ الجامعة وأن لا شيء يتم لدى الأستاذ بدون واسطة ، وأقرباء المرضى يشتكون من تسرب الأطباء نهاراً جهاراً في مستشفيات الجامعات (أساتذة طب) وفي المستشفيات (المتقدمة) الأخرى (علامة تخلف) ، والطبيب يشتكي من أن الصيدلي يصرف الأدوية بدون وصفة ويسبب العمى لمرضى العيون والمريض يؤكد أن الطبيب لا يكشف على مرضاه ويصف الدواء بدون فحص ولذا فهو يذهب للصيدلي ، والصيدلي يشتكي بحسرة من تحيز الأطباء مع شركات أدوية محددة يصفون أدويتها لأنها تتكفل بحضورهم المؤتمرات على حساب الشركة ، والصيدلي يبيع المريض الدواء الأكثر سعراً ويتعامل مع الوكلاء بسياسة (البونص) المجاني .
نائب المدير العام ينتقد تصرفات وسلوكيات المدير العام ، فإذا أصبح النائب مديراً عاماً مارس نفس ما كان ينتقد وربما بدرجة أكثر بجاحة وخطورة .

الموظف العادي ينتقد أصحاب المناصب ويتهمهم بالغطرسة والتملق والأنانية وربما الفساد ، فإذا نال منصباً أصبح شيخ المتغطرسين وشهبندر المتملقين ومحطم الأرقام القياسية في الأنانية والفساد .

لماذا هذا التناقض الواضح في شخصية نفس الشخص عندما يوضع في موضعين ، موضع المراجع وموضع الموظف ، موضع النائب وموضع المدير ، موضع الصغير وموضع المنصب الكبير؟!.

يجب أن لا نقول إنها طبيعة البشر ، لأن ثمة دولاً متقدمة بها الكثير من البشر ولا تعاني من هذه الازدواجية ، إنها خليط من قصور في التربية التي لا تقوم على أساس (أن تعامل الناس كما تريدهم أن يعاملوك) ، كما أن ثمة جانباً مهماً جداً ، وربما الأهم وهو غياب نظام دقيق يحكم التعاملات ، ويراقب السلوكيات الوظيفية ويطبق العقوبات ، الأمر الذي خلق وسطاً مناسباً لتكاثر نسخ عديدة من صور ما نفعل مع بقاء صورة ما نريد .

الأمر يحتاج إلى وقفة وطنية صادقة لأنه مرض اجتماعي يسبب العديد من الأمراض الاجتماعية الأخرى وأهمها الاكتئاب والعدوانية .