كيف ولماذا؟!

معظم الأخطاء التي ارتكبت في حق هذا الوطن جاء من سلوكيات أفراد أو بناء على بنات أفكار فرد واحد لم يجد من يقول له في البداية (كيف؟!) وفي النهاية (لماذا؟!).
غالبية القرارات والخطوات التي تتخذ على مستوى الوزارة أو الوكالة أو الهيئة أو الإدارة العامة، والتي لا ترفع إلى مقام مجلس الوزراء وتدرس في هيئة الخبراء ويستشار فيها مجلس الشورى، هي قرارات يتخذها رجل واحد وأحيانا يقررها فجأة بناء على مشورة مجتهد أو متربص أو بناء على بنات أفكار تأتي أثناء استرخاء أو قرب نوم وهذه القرارات غير المدروسة غالبا ما تكون كارثية ضارة أو غير مفيدة على أقل تقدير.

الخطورة لا تكمن فقط في ارتجال مدير لقرار وما ينجم عن القرارات غير المدروسة من نتائج سلبية ومحبطة فحسب، بل تكمن الخطورة في استمرارية ترك الحبل على الغارب كل هذه السنين رغم السلبيات التي تستدعي فرض قناة تمحيص ودراسة ولجان خبراء تتأكد من صواب القرار وتتنبأ بنتائجه وما سيؤول إليه وانعكاساته المستقبلية.

أتوق دائما إلى استخدام الأمثلة التي توضح ما أريد قوله، ولا تدع فرصة لمن يتهم بالتشاؤم أو روح النقد الشديدة دون أساس، لأن الواقع أن المشكلة (القرارات الفردية غير المدروسة ) قديمة جدا ولم يطرأ عليها تحسن يذكر ويبدو جليا أن هذا العصر هو الأنسب لنتحول إلى القرارات الوطنية التي تمر عبر (فلتر) المصلحة الوطنية والدراسة العقلانية والتخطيط السليم لتخرج جديرة بالتطبيق وقبل ذلك جديرة بالاحترام.

أذكر منذ حوالي عشرين سنة أنه ركب على أرصفة المدن الرئيسة أجهزة حساب دقائق لوقوف السيارات والتي تعمل بالعملة المعدنية، كما هو حاصل في معظم مدن العالم، وأجزم أن تكلفة تركيب مثل هذه الأجهزة ليست بالقليلة وأعلم يقينا أن أياً منها لم يستخدم بل لم يشغل أصلا لأنه لم تكن لدينا الآلية لتطبيقه لا من حيث متابعة ساعة الجهاز دوريا وتطبيق المخالفة ولا من حيث وضع نظام يحكم العمل به.

بعض هذه الأجهزة لا يزال موجودا ولا أدري هل أقول إنه يمثل تراثا أم شاهدا على ارتجالية القرار.

وأذكر أيضا أنه ومنذ حوالي 15سنة ركب على الخطوط السريعة والصحراوية أجهزة اتصال (يبدو) أنها للطوارئ، أما لماذا أقول (يبدو) فهو لأنها لم تعمل لنعلم الغرض منها ولم نعلم لنستفيد منها ولا تزال مثل سابقتها إما تراثاً أو شاهدا على عدم اكتراث!!

كانت تلك أمثلة لعشرات من السنين خلت أما الأمثلة المعاصرة فحدث ولا حرج فمشروع (وطني) لوزير التعليم السابق، وكليات طب الأربع سنوات التي يتباهى بها كل مسؤول صحي كنوع من التنافس، وقرارات حرمان المواطن المريض من العلاج إلا بمقابل مادي وقرارات الفصل التعسفي وقرارات التعامل مع محتاجي الضمان والفقراء الحقيقيين والتعامل مع المشردين في الشوارع كلها تتخذ بصورة ارتجالية تعتمد على مزاج ورغبات وأهواء مسؤول لم يجد من يقول له كيف ولماذا؟!

اترك رد