اليوم: 9 أكتوبر، 2010

لكيلا يصبح «ساهر» «زغبي» آخر

لست ضد نظام (ساهر)، ولست ضد تطبيق تقنية جديدة تساعد على فرض الرقابة، ومثلي مثل كثير من الإعلاميين تربطني برئيس مشروع (ساهر) العميد عبدالرحمن المقبل علاقة ود وتواصل.
أنا فقط ضد لي أعناق الأرقام لاستعجال النجاح وفرضه على الناس رغم قصر المدة وضعف المستند وتعارضه مع الواقع، فما أعلن من أن (ساهر) وبعد أربعة أشهر من تطبيقه خفض وفيات الحوادث 37 في المائة وعدد الحوادث 21 في المائة أمر فيه تحيز للنجاح على حساب الواقع لعدة أسباب تتعلق بأساسيات ومتطلبات الدراسة الإحصائية العلمية الدقيقة المحايدة، ومنها أن أربعة أشهر مدة غير كافية للحكم على متغير مثل الحوادث أو الوفيات فهذه المتغيرات تحتاج إلى عام كامل و(حول كامل) يدور عليها، لتتضح المقارنة مع العام السابق، ولا تكفي أربعة أشهر (هي مدة التطبيق) للحكم على التجربة، حتى وإن قيل إنها مقارنة بنفس الفترة من العام المنصرم، فنفس الفترة هذا العام لم يكن لها نفس الظروف العام الماضي، فمثلا وقوعها هذا العام في عطلة صيفية كاملة كانت الرياض فيها شبه خالية يلغي المقارنة، كما أن مرجعية الأرقام ليست جهة رصد بحثية محايدة، فهيئة الهلال الأحمر من حقها أن تنسب انخفاض الوفيات إلى نجاحها في سرعة وكفاءة الإسعاف، وليس بالضرورة عدم خطورة الحادث أو قلة الحوادث مقارنة بالسابق، كما أن انخفاض الحوادث 21 في المائة قد يعود لفارق التسجيل والمباشرة واختلاف حالة التأمين من الرخصة عامة إلى المركبة خاصة، والمقارنة العلمية هنا قد تطول، لكن الأهم هو الواقع المشاهد، وهو أن المخالفات على أرض الواقع مستمرة لم تتأثر بنظام ساهر، فلازلنا نشاهد في دائري الرياض التجاوز السريع على الكتف الأيسر للطريق ومن أقصى اليمين والانحراف السريع من مسار إلى آخر، وفي شوارع رئيسة مراقبة مثل طريق الملك عبدالله وطريق أبو بكر الصديق وطريق عثمان بن عفان لازلنا نرى سلوكيات ممنوعة كالتفحيط والتجديع واستعراضات الدراجات الرباعية الممنوعة بحركاتها الخطرة وأصواتها المفزعة، وهنا يطرح السؤال الملح بشدة (إذا كانت الرقابة لن تمنع مظاهر الاستهتار ومسببات الحوادث أو تحد منها فكيف لنا أن نحكم بنجاحها؟!).
إن أشد ما نخشاه أن يكون الاعتماد على تقنية التصوير (ساهر) قد زاد من رصد مخالفات التجاوز المحدود للسرعة، لكنه قلل من فرض النظام ومنع الاستهتار في مخالفات أخرى تحتاج إلى الرقابة التقليدية المتمثلة في تواجد الرقيب والضبط بالجرم المشهود، بمعنى أن الاعتماد على الكاميرات والركون لها غيب الرقيب المباشر والعقوبة المباشرة الرادعة، وهي الأساس في فرض هيبة رجل المرور ونظامه.
لا أدري لماذا تذكرني أرقام وإحصاءات الأشهر الأربعة لنجاح تجربة (ساهر) في الرياض بإحصائيات شركة (زغبي) في جماهيرية الأندية السعودية، التي أصبحت وصمة عار في تاريخ الإحصاء والدراسات والاستفتاءات، ربما لمحدودية عينة البحث (2000 شخص من مشتركي جوال ناد معين)، أو تحديد هدف مسبق لتحققه الدراسة وتتحيز لتحقيقه، أو عدم الإقناع بحكم التناقض مع الواقع، ولكنني لا أرجو لدراساتنا وأرقامنا ومقياس نجاحنا أن تكون (زغبي) آخر، لأننا نريد قياسا مقنعا غير عجول ولا مستعجل ولا منحاز.