اليوم: 27 أكتوبر، 2010

مرتبة القرف الأولى

كلما شاهدت محاولة لتحطيم الرقم القياسي لموسوعة غينيس في المطبوخات أو المعجنات أو أي نوع من أنواع الطعام رثيت لحال من يشاهد المحاولة من الفقراء، ولا تقل لي إن الفقراء ليس لديهم وسيلة المشاهدة والمتابعة فالمشكلة أن وسائل إغاضة الفقراء تزداد يوما بعد يوم وأن الفقراء العاجزين عن إيجاد قوت يومهم لم يعد وجودهم مقتصرا على الدول الفقيرة أو المناطق المنكوبة أو أن تواجدهم محصور في الأحياء الفقيرة، فهم موجودون في دول غنية ودول فاحشة الثراء ودول متقدمة ومناطق محظوظة (غير منكوبة) ويتواجدون في الأحياء الغنية بحثا عن دخل يشترون به قوت يومهم ويجوبون الشوارع الرئيسة والأسواق والمراكز التجارية جنبا إلى جنب مع الأغنياء وهذا معناه أنهم يشاهدون ما يشاهده الغني، لكنهم لا يملكونه ولا يمكنهم الحصول عليه.
هم يشاهدون محاولة تحطيم الرقم القياسي لموسوعة غينيس في الأطعمة عبر شاشة تلفاز ضخمة في ميدان راق في إحدى المدن، وهم يشاهدون تحطيم الرقم عبر الزجاج الخارجي لمطعم وجبات سريعة شاشات تلفزيوناته تغطي كل الاتجاهات ورائحة طعامه تشمها قلوبهم قبل أنوفهم فلا هم حصلوا على الطعام ولا سلموا من قهر مشاهدة تبذيره في محاولة تحطيم رقم الموسوعة.
وحتى لو بقي الفقراء في عششهم فإنهم سيشاهدون صور محاولة تحطيم الرقم في ورق الصحف التي تصلهم ليس لأنهم مشتركون ولكن تدخل بيوتهم حاملة بقايا طعام!!.
وكعادتنا نحن العرب في محاولة تحطيم الأرقام القياسية في الإسراف فإن جل المحاولات لتحطيم رقم الطهي محاولات عربية فمن رقم (غينيس) في عدد الفلافل إلى الحمص ثم أكثر كمية شوربة وأكبر كيكة ثم أضخم قدر أرز، ودائما ينجح العرب في تحطيم رقم الإسراف وقبله ينجحون وبامتياز ومرتبة القرف الأولى في تحطيم قلوب فقرائهم الذين يتابعون الحدث، والمشكلة أن أكثر الدول تباهيا بهذا السفه والتبذير سبق أن جربت الجوع أو الحروب أو الأزمات أو الحصار وعرفت يوما ما قيمة الغذاء والأمن الغذائي لكنها لم تعرف قط قيمة الإنسان، ناهيك عن قيمة مشاعره.