الشهر: أكتوبر 2011

بين وزارتين

بالأمس وبعد الحديث عن رفض وزارة الشؤون الاجتماعية العرض المجاني من شركة تأمين مساهمة للتأمين على اليتامى، وعدتكم بأن أعطيكم مزيدا من التفاصيل عن خلفية تاريخية لدور البيروقراطية في إعاقة أعمال الخير بسبب اجتهادات شخصية ممن لا يعيش ولم يعايش ذات المعاناة، فمنذ قرابة ثلاثين سنة أجريت تحقيقا صحفيا عن دار رعاية المسنين (دار العجزة) بالرياض أوضح من خلاله مدير الدار آنذاك الأستاذ عبدالرحمن التويجري وجود نواقص كثيرة من الأساسيات للعجزة بدءا بالأسرة والكراسي المتحركة وانتهاء بملاعق الطعام، عندها رغب الشيخ عبدالعزيز الشويعر (أحد كبار تجار العقار) بالتبرع العيني للدار بشراء كل احتياجاتها ويسلمها بنفسه للدار، وفرح المدير فرحا شديدا لكنه صدم برفض وكيل الوزارة آنذاك للتبرع، بحجة أن الوزارة لا تقبل التبرعات، فحرم نزلاء الدار وعلى مدى أكثر من عشرين سنة من التأثيث اللائق، وحادثة مقال الأمس عن التأمين الصحي على الأيتام تدل أننا رغم تغير الكثير من المفاهيم حول ضرورة إسهام القطاع الخاص وأدائه لمتطلبات المسؤولية الاجتماعية لا زلنا نعيش ذات العقد ولكن بصورة أحدث وربما أخطر تتمثل في أسلوب (يتم التبرع عبر دهاليزنا، ويقوم المتبرع بالمسؤولية كاملة، ويحمل الجمل بما حمل).
وزارة الصحة هي الأخرى لعبت دور الحرمان من التأمين الصحي وتطبيق النظام الجاهز المدروس المقوم والمفصل منذ عهد الوزارة السابق (نظام بلسم للتأمين الصحي)، ولكن لسبب آخر ونحن ندفع الثمن، بكل فئاتنا، يتيما ومن له عائل وفقيرا وغنيا!!.
ذات الخلل الإداري هو الذي يجعل الممرضة (أهم عناصر الرعاية الصحية وأكثرها شحا) لاتحصل على حقها في بدل عدوى إلا بحكم قضائي!! والحكم القضائي الصريح بعد المداولة يدل على أن حقها في البدل كان واضحا، وحرمت منه بسبب تعنت إداري سيحرمنا من التحاق بناتنا بهذه المهنة الهامة جدا المطلوبة، لأن انتشار خبر الحصول على البدل بعد مشقة ومحاكم سيطرد القلة التي تفكر في الالتحاق بالتمريض، مع أنه بدل قليل مقارنة بما يحصل عليه الإداريون من بدلات.
التأمين التطوعي المجاني، ونظام بلسم وبدل العدوى للممرضة جميعها حقوق منحها لنا الوطن بسخاء، لكن أحدا يحرمنا منها بشح فكر إداري.

البيروقراطية التي لا ترحم !!

معلوماتي المؤكدة كصحفي تؤكد أن شركة تأمين صحي مساهمة رغبت في التأمين الصحي مجانا وتطوعيا ودون مقابل على الدور التابعة لمكتب الإشراف الاجتماعي بالرياض وهي دار الحضانة التي تؤوي الصغيرات ودار التربية للبنات كمرحلة أولى، تتبعها مراحل تدريجية حسب جدول المؤسسة الدقيق والمدروس لتغطية كافة المناطق والفروع، لكن البيروقراطية أعاقت هذه الخطوة الإنسانية (اللقطة) التطوعية، بحجة أنها تريد من هذه الشركة التأمين على جميع الفروع دفعة واحدة وفي نفس اللحظة، حسنا أيها الأذكياء أقبلوا ما جاءكم تبرعا وحثوا شركات التأمين الأخرى أن تحذو حذوه أو أن تعطيكم سعرا رمزيا ريثما تستعد هذه الشركة لتغطية بقية الفروع حسب جدولها وإمكانياتها!!، لقد جاءكم خير فهل تقولون ليس لدينا له ماعون؟!!.
المعلومة الأخطر هي أن ذات الشركة سبق لها وأن أمنت صحيا على الدور التابعة لذات الوزارة في جدة وبسلاسة ودون أي معوقات!!، أتدرون لماذا وكيف؟؟، لأن مديرة مكتب الإشراف في جدة فرحت بالعرض المجاني واستخدمت ذكاءها وقدرتها على اتخاذ القرار ولم تطلب رأيا بيروقراطيا في خطوة إنسانية كهذه، بينما رأت مديرة مكتب الإشراف في الرياض أن (تستنير) برأي الوزارة فلم ترى الخطوة النور!!، تماما مثل كل خطوة تمر بتعقيدات!!.
هذه المعلومات الموثقة حصلت عليها على خلفية كتابتي عن الطفل (13 عاما) الذي مات في إحدى دور التوجيه التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية من أزمة ربو دون أن يسعف بإعطائه بخاخ توسيع الشعب أو طلب الإسعاف له، وذلك الطفل وغيره كثر لو أمن عليهم صحيا مجانا أو بمقابل لكان يعالج أصلا من الربو ويمنح الدواء والنصيحة وطريقة الاستعمال والرعاية الصحية الكاملة.
غدا أعطيكم مزيدا من التفاصيل عن خلفية تاريخية لدور البيروقراطية في إعاقة أعمال الخير وحرمان المستحقين بسبب اجتهادات شخصية ممن لا يعيش ولم يعايش ذات المعاناة.

امنعوا التصريحات

لو عمل كل مسؤول ربع عدد تصريحاته الصحفية ساعات إنجاز فعلية لصلحت حال وزارته خلال دقائق، فقديما كانت تصريحات الوزراء و الوكلاء لوسائل الإعلام عن المشاريع والمنجزات تقتصر على التعريف بمنجز قد ولد فعلا وظهر على أرض الواقع، وما التصريح عنه للصحف إلا لهدفين: إما لتبشير من لم يعلم بولادته أنه ولد حيا سليما معافى، وكاملا غير منقوص، أو للتعريف بطريقة الاستفادة من المنجز والتعامل معه، وكان الرد على من يطالب (أنذاك) بعدم إشغال ورق الصحف بأخبار المنجزات والمشاريع والتصريحات المرتبطة بها جاهزا ومقنعا وهو أنه لتعريف الناس بمنجزات الوطن وللحديث عن نعمة ( وأما بنعمة ربك فحدث).
اليوم الوضع اختلف أو قل انعكس تماما فنحن أمام سيل من التصريحات الوزارية عن أماني لم يبدأ العمل بها، ووعود مستقبلية لا تتوفر أدواتها، و جمل إنشائية يقولها من لايدرك أبعادها وربما لا يعرف معناها، خطط كاملة ومتكاملة، و استراتيجيات شاملة، ومنظومات عمل مؤسسي، وأحلام خيالية ووعود براقة و مشاريع كبيرة يعد بها المسؤول، ويمني بها المواطن وهو أعلم الناس باستحالة تحقيقها، لكنه يراها وسيلة للبقاء أو مواصلة البقاء و التجديد وحسب، ولا يحسب الحساب لنتائجها على مصداقية التصريح و نفسية المواطن وتأثيرها في خلق بيئة عمل متبلدة وبليدة عندما يقرأ كل موظف في مؤسسة ووزارة تصريحا لمسؤولها الأعلى يعد فيه بشيء يعلم الموظف أن لا أساس قائما لتحقيقه، وأن مصيره التندر به.
العيب الأكبر والأخطر لتصريحات الوعود الزائفة المستهلكة الكثيرة والمتكررة أنها تؤثر سلبا على التصديق بوعود حقيقية لها أساس من الصحة و تطمينات صادقة تتأثر مصداقيتها لدى المواطن سلبا بسبب السيل الجارف من التصريحات والوعود التي يمر عشرات أضعاف زمنها الموعود ولم تتحقق، ويحتفظ المواطن بقصاصات الصحف التي نشرت فيها وقد غير الزمن لون ورقها ولم تتغير الحال ولم يصدق الوعد.
لنجرب ونمنع منعا باتا التصريح بوعود أيا كانت ونقصر الحديث الصحفي على مؤتمرات صحفية لما تم إنجازه و أخبار تبشر بما تمت ولادته فعلا و سنجد أن الورق قد قل والأرق قد اضمحل و أن البقاء للأصلح.

لا خلوة في ستوديو بيروت!!

أصابت الدهشة الإعلامية المشهود لها بالقدرة على صنع حوار جذاب جيزال خوري، وبعد مرور نصف ساعة على حوار ساخن في برنامج ( ستوديو بيروت ) على العربية مع لؤي الزعبي أمين «حركة المؤمنون السورية» وهو من محافظة درعا، ومن أشد المناوئين لحكم بشار الأسد وأثمن المطلوبين لذا يلقب بـ (الصيد الثمين )، أما سر دهشة جيزال خوري فهو «أن لؤي لم ينظر إليها طوال مدة الحوار» فكان ينظر إلى أسفل متحاشيا النظر إلى المحاورة المندهشة فسألته سؤالها الذي أصبح (مشهورا) في وسائل التواصل الاجتماعي يوتوب وفيس بوك وتويتر فجاءها الجواب الذي أضحى (مشهودا) في قلوب من سمعوه. قالت له: (وافقت على إجراء الحوار معي، وأنا أشكرك لكنك لم تنظر إلي طيلة النصف ساعة لماذا؟!)، فرد على الفور ( هو هذا الجديد في الذي نطرحه، أنا سيدة جيزيل، لست موكلا في أن أحجبك، أنا موكل في أن أغض البصر، أنا أمرت شرعا أن أغض البصر لكنني لم أؤمر شرعا أن أضع الحجاب على رأسك!!، ولا أعتبره لا نوعا من الاحترام ولا سواه لذلك لم يكن الأمر بالنسبة لي محط نظر أصلا ) انتهي. ذلك الجواب الشافي أظنه ( والله أعلم ) إلهاما من الخالق سبحانه يلهم به عبده المؤمن؛ ليقول قولا يبقى صداه يتردد بين جدران القلوب فيمسح الصور المغلوطة، ويصفي الماء العكر الذي يحاول من في قلوبهم مرض الاصطياد فيه؛ للنيل من أخلاقيات الإسلام التي يتمسك بها المؤمن لنفسه، وبنفسه؛ فيصورونها على أنها اعتداء على خصوصيات الآخرين، وكأنهم حينما يقرأون أو يسمعون من يقرأ ( إنك لا تهدي من أحببت ) على أعينهم غشاوة وفي أذانهم وقر وران على قلوبهم. لؤي لم يأت بجديد، فهذه هي تعاليم الدين الحنيف، وأخلاقيات السواد الأعظم من المسلمين، لكنها تتجدد لأن البعض ممن لا تروق له ثوابت الدين، ولا رخصه، ولا ما تشابه فيه، يصر على وصم المسلمين بالمتشددين، والتدخل في شؤون الآخرين، ويحاول جاهدا ترسيخ هذه الصورة فإذا جاء موقف مثل هذا بدا وكأنه جديد؛ والواقع أنه أصل ومتأصل، والشيخ لؤي عندما قال: « هذا هو الجديد في الذي نطرحه» إنما كان يقصد طريقة الطرح، وليس التعاليم أو الخلق الأصل المتأصل. بقي أن نقول إن بعض المعلقين على ذلك المقطع ذهب إلى أنه إحراج للمذيعة؛ لكن الواقع أنه إحراج كبير لمن علق بالقول (مادام لا يريد أن ينظر إليها فلماذا يختلي بها والاختلاء أكبر) فهؤلاء عندما أحرجتهم حكمة الرد، وقبلها ثبات الموقف عادوا إلى ما كانوا يعارضونه وهو نبذ الخلوة (كلمة حق أريد بها باطل )وأنستهم قلة حكمتهم أن لا خلوة في ستديو بيروت الذي يعج بالمصورين.

رابط الفديو:

http://www.youtube.com/watch?v=GvYHAn19zts&feature=related