المجتمع السعودي أجمع بصحرائه وشواطئه، جباله وسهوله كان ولا زال منبعا لأطروحات غاية في الحكمة والفراسة والفطنة في غالبها وإن شذ منها زلات لها أسبابها التي نعرفها والتي لا نعرفها أو نعرفها ونتجاهلها ونربأ بأنفسنا عن ذكرها، ومما نعرفه حق المعرفة من السقطات شديدة الغرابة لشذوذها ما يتعلق بهوى النفس، فهذا الهوى عندما يسخر الفكر لاتباعه والقلم لتسطيره يخرج لنا العجب العجاب من الأفكار الشاذة الغريبة غير المدروسة ولا المتأنية، وليس أخطر من اجتماع هوى النفس مع الرغبة في الشهرة، فهذا الخليط ينتج لنا وجبة «خالف تعرف»، وهي وجبة كالشجرة المنهي عنها لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تكون نهاية أكلها أن تخرج سوءة من أكلها وطفق يخصف عليه من الورق ليستر سوأته.
دعونا من الشاذ قولا وعملا ورأيا وكتابة، ولنركز على العام الشائع من حكمة المجتمع السعودي ممن يسكن الصحراء أو السواحل أو الجبال أو السهول، فهم من قال مقولة «خالف تعرف»، وهم هنا ينعتون من يشذ بالقول ويشرحون هدفه من فعلته ولا يقصدون بها النصح أو الأمر «حاشا لله»، ولأن المجتمع السعودي بصحرائه وشواطئه وجباله وسهوله ينعم بحكمة وفراسة وذكاء فطري مشهود، فقد راهن على العقل قبل التعليم والحكمة قبل الشهادة، «في سورية يسمون الطبيب حكيما وهو ليس بالضرورة كذلك!!، فالطب علم والحكمة عقل وأعرف عدة أطباء نفسيين هم أكثر جنونا من مرضاهم»، والمجتمع السعودي يحكم على الأشخاص من مواقفهم لا من طريقة وقفتهم ومن عقولهم لا من أجسامهم، «هم من قال الطول طول النخلة والعقل عقل الصخلة»، والمجتمع السعودي شجع التعليم والتعلم، وهو الذي رغم عاطفته الشديدة وقوة أواصر علاقاته الأسرية ودع أبناءه ليهاجروا طلبا للعلم من الصحراء والشاطئ والجبال والسهول على حد سواء، لكنه في الوقت ذاته لم يعتمد على الشهادة فقط بل محصها بميزان عقل العائد وسلوكه وجعل داله إضافة وليست أساسا، وثبت صدق حدس ابن الصحراء والشاطئ والجبل والسهول فكانت أكبر أزمة عالمية هي أزمة الشهادات العلمية المزورة أو المباعة بثمن بخس.
حسنا إذا أردت خير مثال للفارق الهائل بين أن يكون الإنسان عاقلا حكيما، أو يصبح حاملا لشهادة وسقيما، فطالع صحيفة الجزيرة في عددها أمس الأحد، وتحديدا في صفحة «عزيزتي الجزيرة»، حيث كتب ع. حمد بن عبدالله القاضي، «وحرف العين هنا ليس خطأ مطبعيا بل هو بديل عن دال الطب، وعين العقل لا تباع ولا تزور»، ردا يقطر حكمة وعقلا وعلما ولطفا على من قال قولا مخالفا لا يستحق التكرار ولا الإشارة ليتحقق التعريف والإشهار.
اليوم: أكتوبر 3, 2011
