كنت دوماً أطالب بالفصل بين التخصص العلمي والوظيفة الإدارية، فكنت وما زلت من أكثر المطالبين بعدم تكليف الأطباء بمناصب إدارية، فإبداعهم في تخصصهم العلمي كأطباء لا يعني إطلاقاً قدرتهم على إجادة تخصص غيرهم وهو الإدارة!!.
الأخطر من القصور في عدم إجادة فن الإدارة لغير المتخصص بها هو تأثير نشوة وسطوة الإدارة دون تخصص على مبادئ وقيم التخصص.
المتخصص في علم ما يحمل أمانة ذلك العلم ويلتزم بها؛ لذا فإن الأصل فيه أن تجده قابعاً في مختبره أو مركز أبحاثه يسخر علمه لخدمة مجتمعه وربما العالم أجمع، ولا يمانع في استشارة أو نصيحة في مجال تخصصه العلمي، وإذا استفتي فهو مثل العالم الشرعي (أهل الذكر) لا يفتي إلا بما يعلم ويتحمل مسؤولية فتواه وتصريحه!!.
الملاحظ، في إحدى أخطر التحديات الصحية التي مرت علينا قياساً بحصدها للأرواح، وهي حادثة فيروس (كورونا)، التي تأتي بعد إنفلونزا الخنازير في عدد الوفيات المعلنة، أقول الملاحظ أن وكيل وزارة الصحة للطب الوقائي اختفى تماماً عن المشهد بعد أن استفحل الأمر بسبب تصريحاته الشهيرة المطمئنة جداً في المرضين!!.
تلك الطمأنة غير الصحيحة هي ما أقصده بتأثير نشوة وسطوة الإدارة على مبادئ وقيم التخصص، فما كان لعالم أو متخصص يحترم علمه وتخصصه الطبي أن (يفتي) بأنه لا قلق من فيروس ويهون من أمره، ثم تحدث المصيبة فيصمت ويختفي ولا يحاسب، فالعلم أمانة.
ثمة مفارقة في اختفاء وكيل الوزارة للطب الوقائي عن المشهد؛ لأن مهمة المتخصص في الأمراض المعدية هو إعطاء المعلومة والفتوى الحقيقية وتحذير الناس لا تخديرهم.