الشهر: فيفري 2016

الصحة وشح الصيادلة

رحم الله من أهدى إلي عيوبي، مقولة خالدة أكد عليها قائد هذه الأمة والأدرى والأحرص على هذا الوطن، وعلينا جميعا أن نتعامل بمفهومها ونطبقه في حياتنا، خاصة حياتنا العملية التي لا تخص المسؤول وحده، بل تعني الجميع.
وزير الصحة المهندس خالد الفالح مبعث تفاؤل بتطبيق نهج إداري حديث وقيادة إدارية محنكة، مثل تلك التي تعلمها في (أرامكو)، لكن ذلك لا يغني عن سماع آراء المتخصصين في المجالات الدقيقة، خاصة أولئك الذين يقبعون خارج الوزارة، سواء في الجامعات أو المستشفيات أو هيئة الغذاء والدواء، ذلك أن قدامى وزارة الصحة قد أعطوا كل ما لديهم ولم يتبق عندهم شيء، كما أن بعض من جاؤوا معه من (أرامكو) ليست لديهم الخبرة الكافية في العمل الحكومي بل ربما لم يمارسوه مطلقا، وبالتالي فإن العمل في قطاع حكومي مثل وزارة الصحة يستوجب محاولة تطبيق نظام (أرامكو) ولكن بأدوات لديها الخبرة في العمل الحكومي وأنظمة القطاعات الصحية الحكومية.
خذ على سبيل المثال لا الحصر، قرار وزير الصحة بفرض صيدلي سعودي على الصيدليات الأهلية يتولى عهدة الأدوية النفسية أو الأدوية المراقبة بصفة عامة، هذا قرار يستحيل تطبيقه كون الكوادر الصيدلانية الوطنية شحيحة جدا وتتحدث الإحصاءات عن نصف قرن من المخرجات الحالية ليكتفي الوطن من الصيادلة السعوديين في المواقع الحساسة جدا، ووزارة الصحة نفسها أكثر من يعاني من شح الصيادلة السعوديين، فكيف سيطبق هذا القرار؟! ومن سيلتزم به؟!.
الواقع يقول ألا أحد سيطبقه وما تم تطبيقه كنتيجة للقرار هو استغلال ملاك الصيدليات الأهلية لهذه الفرصة الذهبية للامتناع عن توفير الأدوية النفسية والأدوية المراقبة كونهم أصلا يتحينون الفرص لعدم توفير الأدوية الرخيصة وتلك التي تحتاج إلى جرد وصداع وليس فيها فرص عروض مجانية (بونص)، هذا التقصير كتبنا عنه كثيرا وفضحنا صوره دون مجيب.
أيضا كتبنا عن سلبيات القرار وما أدى إليه امتناع الصيدليات عن توفير الأدوية النفسية من انتكاسات للمرضى النفسيين، لذا آمل من معالي الوزير أن يلتفت إلى مثل هذا الأمر.

وزارة المياه تهدر الماء وتعاقبنا!

لا اعتراض على رفع تعرفة استهلاك المياه، بل تأييد لذلك الرفع، خصوصا أن النسبة قد تؤدي إلى ترشيد استهلاك الغني ولن تضر الفقير، هذا أمر لا خلاف عليه ونشكر لمعالي وزير المياه والكهرباء إيضاحاته المتعددة لكيفية الزيادة والشريحة التي ستؤثر فيها، وكان أحدث تلك الإيضاحات ما قاله في برنامج (الثامنة) أول أمس الأحد.
الاعتراض على تركيز الوزير على نسب استهلاك الفرد والمنزل للمياه وعرض شرائح وأرقام لوسائل الهدر المنزلي بدءا بـ(السيفون) ثم غسل الملابس إلى آخر صور الاستهلاك والهدر المنزلي للمياه، ثم التعريج على أرقام دقيقة لاستهلاك الفرد ومقارنته باستهلاك الفرد في دول العالم، وكيف أن المملكة تأتي في المرتبة الثالثة عالميا في استهلاك المياه، وأنها أكثر استهلاكا من كثير من دول أوروبا!، وكل هذا السرد والاستشهاد يأتي مقرونا بهدر الفرد والمنزل السعودي للمياه دون أدنى ذكر للهدر الناجم عن تسريبات الشبكة والعوامل الأخرى ذات العلاقة بالهدر الوطني للمياه، مثل الاستراحات والمزارع والمنتجعات والقصور.
عندما نتحدث بلغة الأرقام والإحصاءات فإن الدقة والأمانة العلمية تقتضي التحدث بشمولية وحياد، ونحن نعلم جيدا أن تسريب شبكات توصيل المياه يشكل رقما لا يستهان به بين أسباب وصور هدر المياه وطنيا، بل إن ما ينزف من الأمتار المكعبة من ماسورة مكسورة لم يتم إصلاحها لعدة أيام أو أسابيع كمية كبيرة لا يمكن مقارنتها بما يهدره (سيفون) من مليمترات مكعبة في المنزل لعدم وجود كيس إزاحة أو لكبر (السيفون)، ويجدر بنا عندما نتحدث عن هدر الماء من منطلق وطني أن نحيط بكل أسباب الهدر وبكل صراحة!.
كما أن المقارنة بدول أوروبية في نسب استهلاك الفرد يفترض أن تشتمل على المقارنة مع تلك الدول في نسب الهدر الناجم عن عدم إصلاح ماسورة مكسورة لعدة أيام أو تسريب شبكة لعدة سنوات، وهو ما لا يحدث في تلك الدول المذكورة بينما يتكرر حدوثه عندنا!.
إذن فإن اعتراضي هو على تحميل المواطن تبعات هدر مياه لا يتحمله وحده، بل إن من يحمله مسؤولية الهدر ويعاقبه عليه يتحمل النسبة الأكبر دون عقوبة.