صحافي في الجنة و صحافيان في النار

عد أن أوضح أهل العلم والحديث والتفسير المقصود بحديث (قاض في الجنة وقاضيان في النار) وأنه ليس كما يتوقع البعض بأنه نسبة وتناسب أو ثلث وثلثان ولا يشمل كل القضاة بل يختص بكل من يحكم في خلاف بين طرفين، مثل من يتولى إصلاح ذات بين أو حل مشكلات زوجية أو حتى تحديد نسب المسؤولية في حادث مروري.. إلخ، وحسب الشرح فهو مبني على ثلاثة احتمالات: أن يكون من حكم قد عرف الحق وحكم به، وهذا خير، أو أن يكون واحداً من اثنين، إما يعرف الحق ولا يحكم به، أو أن لا يعرف الحق ولم يسعَ لمعرفته ويحكم خطأ بباطل.

أصبح من حقي القول: إن مفهوم التفسير قد ينطبق على كل من تولى التقرير في أمر يفصل بين اثنين سواء كان تجارياً أو خدمياً أو قضايا اجتماعية كالطلاق والنفقة والتعليق أو قضايا رأي، فكلمة قاض لا تخص قضاة الشرع فقط، فحتى كتاب الرأي والصحافيين بصفة عامة يحكمون برأيهم في بعض القضايا، لذا قلت في تغريدة: (صحافي في الجنة وصحافيان في النار)؛ لأن الإعلامي سواء كان كاتباً أو صحافياً لا يقل موقفه أهمية عن موقف كل من يحكم في أمر خلاف، فهو يصدر حكماً غير قابل للاستئناف، قد يحرم شخصاً من حقه في الإنصاف، وقد يمنح شخصاً ما لا يستحق، وقد يظلم أو يساعد على الظلم، وقد يدين بريئاً وقد يبرئ مداناً.

الأصل في الإعلام أنه وسيلة إنصاف وسلطة رابعة تكشف عن القصور وتسلط الضوء على المقصر وتحيله لسلطة المحاسبة وتنتصر للمظلوم وتدفع الظلم عنه، لكن ذلك كله رهن الأمانة الصحفية والمهنية والتثبت الذي يحيل لمعرفة الحق، وبالتالي القول به فيكون صحافياً أميناً، ومثل هذا من ينتصر لمظلوم أو يطالب بحق لضعيف ويؤمل أن يكون ثوابه، برحمة ربه، الجنة، أو أن يتثبت الصحافي من الحق ولا يقول به، أو يقول بشيء دون تثبت فيظلم، ومثلهما من يدافع عن فاسد أو يلمع مقصراً أو يظلم بريئاً، وهذان صحافيان يخشى أن عقوبتهما النار.

اللهم اجعلنا ممن يتثبت من الحق ويحكم به فنكون – برحمة ربنا – من أهل الجنة الناجين من النار.

نشر في جريدة الرياض يوم الاحد 14 ربيع الثاني 1442هـ – 29 نوفمبر 2020م

اترك رد