اليوم: 18 ديسمبر، 2020

زراعة الكبد.. الإنجاز المخفي

صعقت عندما سألت أحد المرضى الذي أجريت له عملية زراعة كبد ناجحة منذ أيام عن اسم جراح زراعة الكبد الذي أجرى له العملية، فقال: إنه لا يعرف من أجرى العملية.

عمليات زراعة الكبد نجاح سعودي عظيم يستحق أن نفخر به ونفاخر به أمام الأمم، خاصة أنه إنجاز سعودي خالص يتم على يد جراح سعودي وفريق من الممارسين الصحيين السعوديين الذين يستحقون أن نفاخر بهم، وهم فعلاً فريق وطني متعدد التخصصات، بدءاً بالمنسقين للحصول على الكبد من متوفى أو “جزء من كبد متبرع حي”، ومروراً بفريق الزراعة متعدد التخصصات الصحية، وانتهاء بفريق المتابعة من الممارسين الصحيين كافة.

وبرنامج زراعة الكبد هو نتاج تخطيط وطني سعودي يدعو للفخر، وشخصياً عايشت مراحله منذ أن كان حلماً إلى أن أصبح حقيقة تدعو للفخر، ومعايشتي له جاءت كونه بدأ في المكان والزمان نفسه لتأسيس المركز الوطني لإنتاج الأمصال لسموم الثعابين والعقارب الذي شرفني وطني بتنفيذ تأسيسه وإدارته منذ التأسيس وحتى بلوغي سن التقاعد العام المنصرم، وذلك في منبع الإنجازات الوطنية الصحية والعلمية والثقافية والعسكرية “الحرس الوطني”.

وعندما يذكر تأسيس برنامج زراعة الكبد ومركز الأمصال فلابد للتأريخ من ذكر المرحوم مدير عام التطوير الطبي في الحرس الوطني الطبيب د. عبدالمحسن بن عبدالله التويجري -تغمده الله بواسع رحمته-، وهو من تبنى جهود التأسيس كافة بدعم وتشجيع من الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-، وكان آنذاك ولياً للعهد ورئيساً للحرس الوطني، ومن التخطيط الرائع أنه تم ابتعاث الطبيب محمد السبيل ليتخصص في زراعة الكبد في بيتسبرغ، وعاد لينفذ تأسيس البرنامج، وتحقق في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني نجاح غير مسبوق عالمياً في زراعة الكبد من متبرع متوفى، حيث تمت زراعة 88 كبداً بنسبة نجاح 100 % في زمن وجيز أنقذت 88 مريض فشل كبدي أغلبهم من كبار السن.

ثم انتقل الجراح الأشهر عالمياً في زراعة الكبد د. محمد السبيل إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي، ليستمر برنامج زراعة الكبد بنجاحات جديدة وبالزراعة من متبرع حي ولكنه لم يحظ بالتغطية الإعلامية التي يستحقها، وأذكر أنني كتبت في هذه الزاوية -آنذاك- أن هذا الوطن الغالي يتسع لأكثر من نجاح ومن حقه أن يفاخر بكل نجاحاته وما تزال النجاحات مستمرة، لكنني أستغرب ألا يتم إعطاء رواد زراعة الكبد حقهم من الضوء الإعلامي كغيرهم، فليس شرطاً أن يكون الجراح ذا منصب إداري ليحصل على الإشادة.

من الضروري التذكير أن هذا الوطن الغالي حقق نجاحات صحية أخرى غير مسبوقة بل ليس لها مثيل في الشرق الأوسط، قبل عملية فصل التوائم، بدأت بنجاح عدد من عمليات القلب المفتوح في مركز الأمير سلطان للقلب بقيادة جراح القلب الدكتور محمد الفقيه، ثم تلاها نجاح زراعة الكبد في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني، وتوالت النجاحات والتميز العالمي لجراح اليد محمد القطان، وتميز آخر لجراح القدم الدكتور عبدالعزيز القناص، وتميز فريد لجراح الأوعية الدموية الدكتور سعود التركي، وجراح العظام الدكتور صالح العزام، وقد أكون نسيت كثيراً من المتميزين، لكنني أكرر القول: إن وطننا يتسع لأكثر من نجاح وأكثر من ناجح، وعلينا أن نفاخر بكل نجاح.

  • نشر في جريدة الرياض الأحد 28 ربيع الثاني 1442هـ 13 ديسمبر 2020م