اليوم: 13 فبراير، 2023

ارتفاع تأمين السيارات.. ورسالة جوال حمقاء

أحدهم -هداه الله- جند نفسه وسخر معرفته برقم جوالي لتحويل رسائل (الواتساب) التي يرسلها له بعض من يتعارض ما أكتب مع مصالحهم أو يفضح ممارساتهم الخاطئة ولا يملكون الشجاعة والجرأة للمواجهة بأنفسهم فيطلبون منه إيصال ما يعجزون عن إيصاله من رسائل مسيئة قد تصل حد السب أو الشتم، وقد تكون أقل من ذلك، بعضها ممن يتصدرون (تويتر) بفتاوى طبية ليست من اختصاصهم أو غير مدعومة لا بدراسات ولا أرقام ولا أبحاث فيقول هذا مسرطن وهذا مفيد وذلك يسبب الجلطات ويفتي فيما لا يمت لتخصصه بصلة، ويغرد يوميا عن كل (ترند) من الأمور حتى لو كان في الأحوال الجوية أو الزوجية أو الكروية، المهم أن يذكر اسمه عاجلا غير أجل.

وحقيقة لا أكترث بما يحول لي ذلك الوسيط وإن كنت أشفق على حال الجبناء والإمعة الذي يسمح لهم باستغلاله ولا يصرح لي بمن المرسل، وأتمنى دوما الحوار العلمي والمواجهة، لذا لا أرد على ما يرسل ولا ما يحول، لكن من أعجب ما وردني هو صورة لجدول إحصائيات لتلفيات السيارات والحوادث الجسيمة والإصابات والوفيات بعثها أحدهم لصاحبنا هذا وطلب منه تحويلها لي، مع عبارة تفتقد لذوق والياقة والأدب، ردا على مقالي المنشور في هذه الجريدة الغراء يوم الأربعاء 3 رجب 1444هـ حول الرفع غير المبرر لأسعار وثائق التأمين وتبريره بزيادة أعداد الحوادث المرورية وكان بعنوان (تأمين السيارات والتلاعب بالأرقام و الإحصاءات)، ومصدر الغرابة أن المرسل ومن سياق عبارته البذيئة يعتبرها حجة علي وتؤيد ارتفاع نسب وأرقام الحوادث المرورية، مع أن الأرقام تقول عكس ذلك تماما، فالرقم الذي زاد في عام 2022م عن عامي 2019م و 2021م هو رقم التلفيات، أي تلفيات السيارات وهذه ليست بالضرورة مشمولة بالتأمين الشامل وغير مشمولة إطلاقا بالتأمين ضد الغير، فتلف السيارات قد يكون بسبب السيول وهذا ما حدث فعلا في أواخر عام 2022م ويمكن أن تكون التلفيات لحوادث انقلاب لا طرف ثان فيه أو حوادث جمال أو حريق لخلل ميكانيكي وجميعها لا علاقة للتأمين ضد الغير بها وقد تستثنى من التأمين الشامل حسب الشروط والأحكام.

الأرقام المرتبطة بالتأمين مباشرة هي أرقام الحوادث الجسيمة والإصابات والوفيات وهذه جميعها (وحسب الجدول الذي أرسله والصادر من اللجنة الوزارية للسلامة المرورية) شهدت انخفاضا كبيرا وتنازليا في عام 2021م مقارنة بعام 2019م وانخفضت أكثر في عام 2022م مقارنة بعامي 2019م و 2021م وهذا بفضل الله أولا وأخيرا ثم الحزم في المخالفات، ويفترض وفقا لذلك الانخفاض الكبير (22 ٪) أن تنخفض أسعار التأمين.

تلك الرسالة التي استطيع أن أصفها بالمغالطة والحمقاء تقودنا لسؤال عريض: لماذا رفعت شركات التأمين أسعارها؟! وعلى أي أساس؟! وأين دور الجامعات في دراسة بحثية صريحة لهذا الارتفاع الذي لا يتناسب مع ما نشهده من تطور ورقي ومنطق، دراسة تكشف حقيقة أرباح شركات التأمين.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأربعاء 17 رجب 1444هـ 8 فبراير 2023م

تأمين السيارات والتلاعب بالأرقام والإحصاءات

حوادث السيارات في انخفاض ملحوظ حسب تصريحات إدارة المرور في حسابها على (تويتر) فمنذ الربع الأول من عام 1439هـ سجلت الحوادث المرورية في المملكة انخفاضا بلغ 15.91 ٪ مقارنة بالربع الأول من عام 1438هـ، وطبيعي جدا أن يتواصل الانخفاض ويزداد وسبب ذلك فضل الله أولا ثم الحزم في رصد المخالفات ورفع قيمة الغرامات، خاصة ما يؤدي للحوادث كالسرعة.

وأكدت منظمة الصحة العالمية أمر انخفاض الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية عندما أقر تقريرها نهاية عام 2020م بانخفاض عدد الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية في المملكة.

مع ذلك خرج علينا متحدث باسم شركات التأمين يبرر الارتفاع الفاحش في أسعار وثائق التأمين والذي وصل إلى 300 ٪ قائلا إن الارتفاع جاء بسبب ارتفاع عدد الحوادث المرورية!!، وهذا حسب الواقع الذي أشرنا له أعلاه تبرير غير صحيح وينم عن مبالغة، بل إفراط في الانحياز لشركات التأمين التي يمثلها وتدفع راتبه، وهذه إحدى مشكلاتنا مع الفهم الخاطئ لدور موظف العلاقات العامة أو المتحدث الرسمي، على أنه مدافع (قشاش) حسب مفهوم كرة القدم، وأن مهمته (قش) الكرة عن مرمى الجهة التي يعمل لها، وسوف آتي لاحقا لذكر مبرر أكثر ذكاء وواقعية لو كان المتحدث موفقا.

وقبل أن أذكر المبرر الأقرب للمصداقية دعوني أذكر وطننا الغالي أن أمر التلاعب بالأرقام والإحصاءات، أو أمر التجني عليها وتوظيفها بلا سند من تقارير هيئة الإحصاء، يجب أن يتم التعامل معه بحزم وعقوبات صارمة، فأمر الأرقام والإحصاءات يتعرض حاليا لتعدٍّ واضح، فكل من هب ودب وأراد أن يبرر أمرا أو يدعو إلى آخر أو يمارس الترويج والدعاية والإعلان ذكر نسبا وأرقاما وإحصاءات غير صحيحة أو كاذبة تتعارض تماما مع الأرقام الصادرة من هيئة الإحصاء التي تبذل جهدا عظيما للوصول للأرقام الحقيقية التي تعين وطننا في التخطيط.

أما المبرر الذي أقترح على متحدث شركات التأمين ألا يجامل ويقوله هو رفع ورش التقدير لقيمة الإصلاح وبالتالي التعويض بمبالغ كبيرة جدا لحوادث بسيطة ودور وكالات السيارات في المبالغة في أسعار قطع الغيار بمبالغ خيالية ظالمة للمستهلك دون رقيب ولا حسيب ولا تدخل من حماية المستهلك، حتى أن بعض المتضررين أصبح يطلب قطع الغيار عن طريق الإنترنت من مصادر أخرى أو بلد آخر.

إن استمرار هذا الارتفاع الفاحش غير المبرر لأسعار تأمين السيارات سيؤدي إلى فشل مشروع التأمين الذي بدأ حضاريا وراقيا، وما امتناع ملاك السيارات عن التأمين حاليا والذي بلغ 50 ٪ (حسب المتحدث نفسه) إلا مؤشر لفشل هذا المشروع الحضاري وسنعود للمربع الأول (كل واحد يصلح سيارته أو إيقاف الطرف المخطئ حتى يدفع للطرف الثاني) فنبدو بشكل غير حضاري ونحن في قمة التحضر والرقي، وكل ذلك بسبب جشع شركات التأمين ووكالات السيارات ونوم جمعية حماية المستهلك.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأربعاء 3 رجب 1444هـ 25 يناير 2023م

العلاقات بين زملاء العمل في خطر

ليس من مصلحة الجهة الحكومية أو المؤسسة الخاصة تدني مستوى العلاقة بين الموظفين أو تعرضها للجمود أو الرسمية، ناهيك عن أن تنشأ بين الموظفين عداوة.

باختصار فإن سياسة فرق تسد إذا طبقها المدير فإن مصير المؤسسة الفشل الذريع، وإذا كان المدير لا يخشى فشل المؤسسة ويهمه بقاؤه فقط فهذه مصيبة كبرى على المؤسسة وعليه شخصيا، لأننا في عصر بات فيه البقاء مرهونا بنجاح الجهة في تحقيق أهدافها وليس مرهونا ببقاء المدير على قيد الحياة وإن فشلت المؤسسة.

يستطيع المتابع دون حاجة لعناء أو تركيز شديد أن يلحظ تدنيا شديدا في علاقات الموظفين ببعضهم البعض، وليس بالضرورة أن يكون عداء أو غيرة وحسدا، بل على أقل تقدير خمول في العلاقات وعدم معرفة بعضهم ببعض وعدم اهتمام بعضهم بالعلاقة مع الآخر، وقد تصل للعداوة أو الغيرة والحسد وهذا خطير جدا وسببه في ظني عدم قدرة المدير على خلق جو اجتماعي حميم في المؤسسة التي يديرها، وهذا مرده إلى أن المدير نفسه لم يكن مؤهلا للإدارة ولم يدرس مقررا واحدا عنها.

من المهم جدا أن تكون الوزارة أو الشركة أو المؤسسة هي الأسرة الثانية للفرد (الموظف) يأوي إليها وهو فرح شغوف بلقاء أحبة لا يقلون حبا وحميمية عن أفراد أسرته في المنزل، فيذهب لعمله وهو سعيد فرح مستبشر برؤية وجوه مشرقة مستبشرة تحبه ويحبهم ويثق بهم ويثقون به ويصدقهم القول ويصدقونه ويقف معهم ويقفون معه ولا يخشى منهم كيدا ولا مكيدة ولا يخشون منه.

لا أقول إن بعض المؤسسات تعاني بالضرورة من عداء وتناحر، ولكن أقول إن المتابع لا يصعب عليه ملاحظة أن العلاقات الاجتماعية في كثير من المجتمعات الوظيفية تعاني جمودا واضحا لعدم اهتمام المدير بخلق علاقة شبه أسرية بين الموظفين، ويكون ذلك بتكثيف اللقاءات خارج العمل (رحلات برية، حفلات تكريم وترقيات، معايدات لا تمييز فيها بين موظف كبير وصغير، دعوات لمناسبات اجتماعية أيضا لا تفرقة فيها بين صغير وكبير، زيارة من مرض، وتعزية من فقد،…الخ).

كنا نخرج معا لرحلات بر واستراحات وحفلات افتتاح داخل وخارج الرياض ونجتمع شهريا خارج حدود العمل نضحك كثيرا ونمرح كثيرا ونشارك بعضنا الفرح بزواج أو مولود ونساند بعضنا في المواقف العصيبة، نزوره إذا مرض ونعزيه إذا فقد ثم لاحظت في أحد مواقع العمل التي مررت بها (وهي كثيرة) جمودا في العلاقات، فقلت للمدير ما بالكم لا تخبروننا بمن مرض أو أصيب فنزوره ولا من فقد فنعزيه؟! فرد قائلا (تريدنا أن نترك عملنا ونتفرغ لمن مرض أو فقد؟!) قلت (هو عمل إدارة العلاقات العامة وهو مهم جدا لاستمرار أجواء عمل صحي منتج) قال (الإنتاج يكون في المكاتب وليس في العزاء أو زيارة المريض!) ضحكت وقلت (صح عليك!!).

نشر في صحيفة الرياض يوم الأربعاء 25 جمادى الآخرة 1444هـ 18 يناير 2023م

السعودية بين رونالدو وزراعة قلب وفصل توءم

جاء البرتغالي كرستيانو رونالدو إلى السعودية وهو شرف كبير له، مثلما أن حضوره قوة ناعمة من حقنا أن نستغلها رياضيا وسياحيا وإعلاميا إذا تخلى بعض (جهابذة) إعلامنا الرياضي عن شطحاتهم وزلاتهم وتعاملوا مع الحدث على أنه خطوة وطنية لا يجب أن نقلل منها تعصبا ولا أن نبالغ في الاحتفاء بها أكثر مما يجب لأن اللاعب العالمي جاء لبلد يقود العالم نحو التطور والسلام والتسامح دينيا أولا ثم سياسيا واقتصاديا وإنسانيا وبيئيا وفي مجال الطاقة التي تخدم الإنسان وليس الطاقة التي تهلكه.

فوزنا على منتخب الأرجنتين قوة ناعمة كان من حقنا أن نستغلها وفعلنا وكان بإمكاننا أن نذهب أبعد من ذلك لو أحسنا إعداد فريق أقوى بدنيا وجاهزية للمضي قدما وهو ما أجزم أننا سنفعله مستقبلا فالإنجازات الفنية تبدأ إدارية وفكرية.

تخيلوا أننا لعبنا بعد ذلك مع بولندا وأبلينا بلاء حسنا وهزمنا كرويا، لكن الهزيمة الحقة أن أحدا من المعلقين لناقل الرسمي لم يذكر أثناء المباراة أن السعودية التي تلعب أمام بولندا هي ذات السعودية التي نجحت في فصل التوءم البولندي في إنجاز لفريق طبي سعودي متعدد التخصصات، أتدرون لماذا؟ لأن الجهاز الإعلامي المرافق للمنتخب لم يرقَ للمستوى الذهني الذي يجعله يذكر معلق المباراة العماني أو المصري أو القطري أو الإنجليزي أو البولندي (البقية لا أراهن عليهم كثيرا في الحياد والإنصاف) بهذه المعلومة وذلك الحدث أي فصل التوءم البولندي، بل إن برامجنا الرياضية لم تتطرق له قبل المباراة ليتم تذكره.

قد يقول قائل: ما علاقة عملية فصل توءم بمباراة كرة قدم؟! وأقول إن العلاقة هي أولا ذكر إنجازات الوطن في كل محفل جماهيري ثم إنها بولندا والشيء بالشيء يذكر، والإنجازات الوطنية يجب أن تذكر دوما بما تستحق ويجير للوطن كقوة ناعمة وهذا لا يتحقق بأن يصور أحد أعضاء الفريق مع التوءم في مناسبة محدودة الحضور بل أن نذكر العالم بإنجازنا الوطني في محفل كبير يتابعه الملايين مثل كأس العالم.

ما زلنا لا نحسن استغلال الإنجازات إعلاميا فلدينا الآن في مستشفى الحرس الوطني وحده إنجازات عظيمة بنجاح خمس عشرة عملية زراعة قلب لأطفال خلال فترة وجيزة ولم يعلم عنها أحد! أتدرون لماذا؟! لأن أعضاء فريق الزراعة لا يبحثون عن الإعلام، والإعلام لا يجد إلا من يبحث عنه ويعرض نفسه ويحب الظهور وإبراز نفسه، فإلى متى يا وطني سنبقى رهن نقيضين: إما محب للظهور يجير النجاح لنفسه دون بقية الفريق، أو زاهد في الظهور والشهرة لا يريد الإعلام فيضيع على الوطن الفخر بإنجاز عظيم؟

لقد حاولت جاهدا أن أجمع بين فريق زراعة القلب في مستشفى الحرس الوطني وأحد أشهر مقدمي البرامج اليومية لإبراز هذا المنجز الوطني وعجزت فالأول (متحفظ) والثاني (متغلي)، لكنني لا أعرف اليأس.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأربعاء 11 جمادى الآخرة 1444هـ 4 يناير 2023م

حماية حقوق الممارس الصحي فكرياً ومهنياً

هل تلاحظون معي أن عمليات جراحة القلب هي العمليات الوحيدة التي ينسب الجهد فيها لكامل الفريق الصحي وليس لطبيب بعينه ويجير فيها النجاح للفريق وليس لشخص يتصدر المشهد، وتصاغ أخبارها بطريقة مهنية متجردة من الاستحواذ على الشهرة لشخص؟

أعيدوا قراءة الأخبار في الصحف أو مواقع التواصل الاجتماعي أو شاهدوها في القنوات الفضائية وستجدون أن أطباء القلب مثل مؤيد الزيبق أو محمد بلغيث البارقي لا ينسبون نجاحاتهم في التدخلات الجراحية في القلب أو زراعة القلب أو تركيب الصمامات أو توسيع الشرايين أو علاج مشكلات القلب المعقدة، لأنفسهم أو للأطباء فقط، بل لكافة الفريق الصحي والذي يتكون من عدد من الممارسين الصحيين في عدد من التخصصات المختلفة، فلا يستحوذ فرد أو ممارس بعينه على الشهرة أو التقدير.

هذا السلوك الإعلامي المهني لقادة طب وجراحة القلب لدينا مثل د. مؤيد الزيبق أو د. محمد بلغيث وغيرهم كثر لا يحضرني حصرهم، هو السلوك الصحيح السليم المهني المثالي والذي يجب أن يندرج على كل إنجاز لفريق عمل، وهو يقودنا لسؤال عريض (متى نشرع في حفظ الحقوق الفكرية والمهنية للممارسين الصحيين في كافة التخصصات ونحفظ لهم إنجازاتهم بعدالة وانصاف لأدوارهم جميعا في النجاح؟!).

تريدون الصراحة فإنه مثلما سرق حقوق فكرية لمفكرين ومبدعين ومخترعين فقد سرق حقوق مهنية وإبداعية لممارسين صحيين ونسبت لغيرهم ومنهم فنيو تخدير ومختبرات وفنيو تنفس وصيادلة، بل وحتى أطباء جراحة مخ وأعصاب وجراحة أوعية دموية وليمفاوية دقيقة وجراحة عظام وجراحة مسالك بولية نسب إبداعهم ونجاحهم لرئيس الفريق ولم يأتِ لهم ذكر وأحبطوا وذهب أصحاب حب الظهور بالأجور.

ونحن نعيش اليوم في عهد حزم وعزم ومهنية ونشهد توجها جادا لاستراتيجية وطنية لحماية الحقوق الفكرية أجدها مناسبة لاقتراح أن تقوم وزارة الصحة والقطاعات الصحية الأخرى بإعادة تقييم شامل للإنجازات الصحية عن طريق مختصين ثقات وإعطاء كل فرد من أفراد الفريق الصحي حقه وتميزه سواء كان طبيبا متخصصا في تخصص دقيق أو أي ممارس صحي كل في مجاله وفنه وإبداعه وعمل الفريق يجير للفريق وليس لفرد حتى لو كان رئيس فريق، ولعل أكبر دليل على أن لكل ممارس في الفريق الصحي أهميته أنه حينما أصبح التأمين عن الأخطاء الطبية مطلبا وشرطا للممارسة، شمل به بقية الممارسين وذكروا فيه سواء الصيادلة أو الاختصاصيين أو التمريض أو الفنيين بينما كان النجاح ينسب لممارس صحي واحد، فعجبا كيف ينسب النجاح لممارس واحد هو الطبيب ويؤمن عن الفشل للجميع؟! هذا لا يستقيم مع المنطق والعدل في توزيع الأدوار ودرجة أهمية كل فرد في الفريق.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأربعاء 4 جمادى الآخرة 1444هـ 28 ديسمبر 2022م

«مبشت.. غطيني وصيحي»

و(مبشت غطيني وصيحي) مثل شعبي سعودي عامي، والكلمات العامية إذا قُوست تُعفى من التصحيح، لذا أرجو من الزميل المصحح أن يتجاوزه كما هو ويعفيه من تصحيح يذهب المعنى، ولهذا المثل القديم معنى عميق سوف أربطه بالخطوة الرائعة التي طبقتها قطر في تتويج قائد منتخب الأرجنتين وأسطورة كرة القدم العالمي ميسي بحمل كأس العالم مرتديا (البشت) الخليجي أو العباءة العربية، وكيف أنها أخرجت أضغان وحقد بعض الإعلام الغربي على العرب وعنصريتهم، وهي حقيقة طالما حاول الغرب إخفاءها وصدقهم بعض الرعاع البسطاء، لكن كرة القدم لها قدرة عجيبة لإخراج سواد الحقد ولو أخفي، ووسخ العنصرية ولو دفن.

يُحكى أن امرأة أرادت أن تختبر ادعاء زوجها الشجاعة والإقدام والجسارة التي كان يدعيها دوما ويكرر امتداح نفسه بها، وأنه جهبذ زمانه الذي لا يخاف ولا يرتعد، فطلبت من شقيقها أن يتنكر ويتلثم ويلبس عباءة (بشتا) ويتسلل إلى منزلهم و(البشت) بالمناسبة يرمز للفروسية والشهامة والشجاعة مثلما يرمز للوقار.

ففعل شقيق الزوجة ما طلبت وتلثم ولبس (البشت) وتسلل إلى منزلهم ليلا وأحدث صوتا فقامت بإيقاظ زوجها مستنجدة، (يا زوجي الشجاع إن في منزلنا سارق فقم إليه)، فأخذ الرجل سيفه وتوجه إلى مصدر الصوت فلما رأى الأمر حقيقة ورأى لابس (البشت) رجع لزوجته مرتعدا ودخل في فراشه وهمس لها بصوت مرتجف قائلا (مبشت غطيني وصيحي)، أي إنه فارس يلبس عباءة فغطيني بلحافي واستنجدي بالجيران!، فعرفت حقيقة زوجها الجبان المرتعد المفتقد للحد الأدنى من الشجاعة.

وهذا ما كشفه تتويج مسي بكأس العالم وهو يرتدي (البشت) العربي، لقد أخرجت أقلام وصحف غربية ما أخفته من حقد وعنصرية في تغريدات ومقالات وعناوين مسيئة لهذه الخطوة الرائعة، هي امتداد لإساءات مارسوها ضد قطر لأنها رفضت كل ما يمس القيم الإسلامية والأخلاق والفطرة السليمة ونجحت نجاحا استثنائيا يحسب لكل العرب والمسلمين، ويجسد كرم العرب وشهامتهم وطهر المسلمين واستقامتهم.

نشرفي صحيفة الرياض يوم الأربعاء 27 جمادى الاولى 1444هـ 21 ديسمبر 2022م

كأس العالم الذي فزنا به

دعك من مشاركة منتخبنا في كأس العالم لكرة القدم بعد إبداع في مباراة واحدة؛ فالواضح أن رياضتنا تحتاج عملا أكثر يواكب ما نعيشه من تطور ويحمل نفس همة مواطن يشبه جبل طويق وإداري ذي حزم وعزم..

ما سوف أتحدث عنه بفخر أهم بكثير، فقد ذهبت إلى الشقيقة قطر بالسيارة مع عدد من أفراد أسرتي غير المرتبطين بدراسة أو وظيفة، ليس لمشاهدة مباريات كأس العالم ولكن لنعيش تجربة أجواء كأس العالم في بلد خليجي شقيق وقريب، فخرجت من التجربة مرفوع الرأس كما هو وضع السعودي في كل حال وفي كل زمان ومكان (ارفع رأسك أنت سعودي).

عشت تجربة ذكرتني بتميز وطني في التعاطي مع أزمة المحتجزين خارجيا خلال هجمة فيروس كورونا، باحترام ورعاية وتقدير الإنسان مواطنا أو مقيما فيه أو مارا عبر منفذه وسوف أرويها لكم بفخر، وأول ما لفت نظري على امتداد الطريق من الرياض إلى منفذ سلوى هو تواجد الدوريات الأمنية (911) بشكل يدعو للفخر والاطمئنان فمن دون أي مبالغة، بعد كل كيلومترين تجد دورية، وهي دوريات مستعدة للمساعدة في كل شأن وعلى أهبة الاستعداد.

وبسبب ظروف ازدحامات مرورية داخل قطر، أوقفت قطر دخول المركبات يوم السبت 10 ديسمبر إلى أجل غير مسمى حتى لمن يحمل تصريح دخول وتأمين مركبة، فبدأت السيارات العودة وبدأ توجيه جميع المركبات (عدا التي تحمل لوحات قطرية طبعا) بعدم المواصلة لأن الدخول بالمركبات ممنوع، وهنا حصل حرج كبير لمن قطعوا مسافات طويلة للوصول لقطر ولديهم حجوزات فنادق مسبقة الدفع ولدى بعضهم تذاكر مباريات وتكاليف أخرى وعدم رغبتهم بالعودة بعد قطع تلك المسافة ودفع تلك المبالغ وتمنية النفس بحضور مناسبة لا تتكرر إلا كل أربع سنوات، وقد لا تتكرر في بلد عربي قريب.

وكما هو وطننا دائما جاءت التوجيهات بفتح أماكن وقوف مجاني لجميع المركبات في منفذ سلوى سواء للمواطنين أو المقيمين أو غيرهم من الداخلين عبر منفذ سلوى وتأمين عشرات الحافلات لنقل المسافرين من مواقف منفذ سلوى إلى صالات إنهاء إجراءات المغادرة السعودية ثم نقلهم بنفس الحافلات إلى الجانب القطري لإنهاء إجراءات الدخول ثم التنسيق بأن تنقلهم حافلات قطرية إلى داخل الدوحة في تنسيق سعودي قطري سلس ومتناغم يدل على تقدير لمشاعر الإنسان مهما كانت الظروف والصعوبات.

وأجمل ما في ما رأيته من تعاون ولطف وبشاشة، هو أن القائمين عليه عدد من رجال الأمن السعودي ضباط وضباط صف وجنود وكانوا يساعدون كبار السن والنساء والأطفال بكل رحابة صدر وشهامة.

شخصيا أول ما تذكرت هو موقف قيادة وطني مع مواطنيه والمقيمين فيه وحتى المخالفين إبان أزمة كورونا حينما سكنتهم في الدول التي تواجدوا فيها في أفضل الفنادق والإعاشة لعدة أشهر ونقلتهم بالطائرات وكل ذلك دون مقابل ثم أعطتهم التطعيمات الثلاث مجانا، في وقت كانت بعض الدول تتبرأ من مواطنيها لا في الخارج ولا في الداخل ولا في التطعيم.

إن كان كأس العالم في كرة القدم تفوز به دولة كل أربع سنوات فوطني السعودية يفوز بكأس عالم في الإنسانية كل أربع ثوانٍ، فالحمد لله على نعمه.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأربعاء 20 جمادى الاولى 1444هـ 14 ديسمبر 2022م

بل نقل الأخطاء الطبية للقضاء قفزة نوعية

مخطئ من يعتقد أن الهيئات الصحية بوضعها السابق لا تختلف عن الهيئات الصحية الشرعية بعد نقلها للقضاء العام وهو ما تم مؤخرا في خطوة إنسانية وطنية مهمة جدا كنا ننتظرها منذ عقود طويلة وتحققت في هذا العصر الذي حققنا فيه الكثير الكثير والقادم أجمل بإذن الله وبحمده وشكره.

أقول مخطئ من يعتقد أن وضع التعامل مع الأخطاء الطبية لن يتغير، وأجد له العذر لأنه ربما لم يطلع عن قرب على واقع التعاطي مع الخطأ الطبي سابقا، مع كامل الاحترام والتقدير لعمل اللجان الطبية في الوضع السابق، لكن خطوة نقل الهيئات الصحية الشرعية للقضاء العام ستغير الكثير وتنصف ضحية الخطأ الطبي في موقفين أساسيين ومهمين جدا، وهما:

أولا: آلية تحديد نوع الخطأ الطبي وهل هو إهمال أم مضاعفة؟! وهذه الجزئية كانت قاصرة فقد كانت اللجان تتكون من قاضي فئة (أ) وعدد من الأطباء ثابتين قد لا يكون في إمكانهم (حسب التخصص والخبرة) تحديد نوع الخطأ ويستمعون فقط لمحامي المستشفى وما ينقله عن الفريق الطبي المرتكب للخطأ من دفاع مستميت والقاضي يسمع من هؤلاء الأطباء حول أمر طبي ليس من تخصصه، وفي الغالب كانت الأخطاء تعزى للمضاعفات أو يتم تصويرها كمضاعفة متوقعة، رغم وجود عنصر الإهمال من رئيس الفريق أو أحد الممارسين الصحيين، أما في الوضع الجديد فإن القضاء سوف يستعين بتقارير محايدة تصور حقيقة ما حدث بدقة بالغة وإثباتات، وربما تقارير تخص وجهة نظر المدعي (كما هي عادة القضاء العام في سماع جميع وجهات النظر وجميع الأطراف).

ثانيا: إن ضحية الخطأ الطبي سيكون له ممثل أو محامٍ مختص طبيا يرد على من يدافع عن الممارس الصحي ويفند ما يدعي أنه مضاعفة وهو إهمال أو ما يدعى أنه خطأ وارد وهو خطأ فادح لعدم التخصص أو نقص الخبرة أو غياب الاستشاري المشرف أو إهماله بإيكال الإجراء لمتدرب دون إشراف وعون، وما إلى ذلك من وجهات نظر كانت تطرح أحادية من المستشفى في غياب وجود محام مختص للمريض، وهو ما طالبنا به كثيرا عبر مقالات بهذه الجريدة الغراء أو عبر برامج متلفزة، كما أن شركة التأمين (إن وجدت) ستسعى جاهدة وعن طريق متخصصين في الدفاع أو تقليل قيمة التعويض، لكن للضحية الحق في الحصول على ما يحكم له به بيسر ودون منة وبحكم نافذ ينفذ عاجلا، وفي السابق كان المستشفى يماطل في الدفع ويضغط على المريض أو وليه ويشترط عليه شروطا للحصول على حقه وسبق أن تحدثت في برنامج (يا هلا) على مثال مؤلم.

كما أن من مميزات هذه النقلة النوعية، التي كنا نطالب بها من عقود وتحققت ولله الحمد، أن أي حكم يصدر عن الهيئة القضائية سيكون قابلا للاعتراض والاستئناف من كل الأطراف بطريقة أكثر مرونة وسرعة وقدرة للضحية ومحاميه على المتابعة في مجالس القضاء وجلساته المتخصصة.

نشر في صحيفة الرياض يوم الأربعاء 13 جمادى الاولى 1444هـ 7 ديسمبر 2022م