اليوم: 2 سبتمبر، 2002

الدجاج ‘المحجب’

عندما قام أحدهم بوضع مادة سامة في أحد مستحضرات خافضات الحرارة للأطفال، وبالرغم من أنه عمل إجرامي لاذنب للشركة الصانعة فيه، فإن إدارة الأغذية والدواء الامريكية لم تتردد في إشهار اسم المستحضر والتحذير منه مع سحب الدواء من كافة أنحاء العالم، بل إن الشركة الصانعة ساهمت في التحذير والسحب لعلمها أنها لو لم تفعل فسوف تقاضى حتى ولو كان دس السم تم بطريقة جنائية !!.

المهم في الأمر أن اسم المستحضر التجاري أعلن وتم تحذير الناس منه خلال زمن قصير بعد أول حالة تسمم.

وفي هذا الوقت الذي نسعد فيه بمزيد من الوعي الإداري والشفافية ونبذ التقاعس والمزيد من المصارحة نجد أن اسم شركة دجاج سام يحجب في حين تعلن تفاصيل التسمم نوعا وصنفا وعددا ويعلن أعداد المسحوب من الاسواق ومنع التصدير ودرجة خطورة ونوع البكتيريا السامة التي يحتويها ذلك الدجاج “المحجب”!!.

هل إصابة الإنسان بالتسمم وما سيعانيه من الآم وصراع مع المرض وتكاليف علاجه على نفسه أوعلى الدولة بل وفاته هل كل هذه الخسائر اقل أهمية من حفظ سمعة شركة دواجن أو خسارة تلك الشركة ؟!. لا أعتقد أن المصالح هي التي تحكم هذا الأمر لكن التحفظ الغريب الممعن في القدم ربما يكون هو السبب الأهم.

الحرص الزائد بل المفرط في عدم المساس بمصالح التجار هو مايجعل وزارة التجارة أقل حرصا “على صحة المستهلك وحقوقه !! ربما لأن مسمى الوزارة “التجارة ” يجعلها اكثر حرصا على التاجر تاركة أمر الصحة لوزارة الصحة وأمر الحقوق “أي حقوق ؟ ! وهل للمستهلك عندنا حقوق ؟!!”.

دعونا نجارِ الوزارة في مفهوم حماية التاجر ، ونوجه سؤالا بريئاً يتناسب مع سياق هذا المفهوم وهو “ماذنب بقية شركات الدواجن عندما نحذر من دجاج مجهول ؟!” ألا يؤدي هذا إلى الشك في كل دجاجة محلية ؟! ولماذا يترك تحديد اسم المنتج للشائعات ؟! كل دجاجنا اليوم في وضع شبهة ولا أقول “شك ” لأن هذا المصطلح يستخدم للدجاج الذي يستعد لوضع بيضه ودجاجنا جميعا حسب تصريح الوزارة المسئولة مستعد لوضع بكتيريا سلمونيلا في بطن المستهلك، لأن الدجاجة المسئولة عن حمل هذه البكتيريا مجهولة الهوية !!.

بالمناسبة أليس من المفارقات المؤلمة والخطيرة أن يُفضح مريض يحمل فيروس الإيدز وتنشر صورته بينما يتم التستر على “دجاجة” تحمل بكتيريا؟!! بالأمس القريب صدرت تصاريح مشابهة لحمى الدجاج ولكن تتعلق بالمياه المعبأة التي تسمى تجاوزا “المياه الصحية وكانت كالعادة تصاريح مبهمة، متسترة على اسم المنتج ولازال الشك يحوم حول كل أنواع هذه المياه تاركاً المستهلك في قلق وخوف تارة من وجود مواد مسرطنه في أحد الأنواع وتارة أخرى من وجود تلوث بمياه مجارٍ في نوع آخر وكل منهما مجهول، بل معلوم ولكن متستر عليه (!!) لماذا؟! لأن الشفافية لازالت مثل تظليل السيارات، يكون قاتما في النهار وشفافاً في الليل عندما يضاء المصباح من الداخل لكن المصباح لايضاء إلا لمعجب هيمان !!

ياجماعة ألا يحق لنا أن نعلم مانأكل ونشرب ؟! ألا يحق لنا أن نعرف ماءنا ودجاجنا؟! دجاجنا ياعالم !!دجاجنا!!