اليوم: 4 سبتمبر، 2002

القصيم للسعودة أحلى

هذا العام قررتُ أن تكون سياحتي داخلية كالعادة ولكن هذه المرة قريبة جداً، في المنطقة الوسطى وتحديداً بين سدير والقصيم.

قد تكون شهادتي في سدير وخاصة مدينة جلاجل مجروحة عند البعض لاعتبارات المنشأ أو مسقط رأس الأب والأجداد، لكن القصيم شأنها شأن كل شبر في هذا الوطن لا تبعد عن قلبي أكثر من جلاجل فالقصيم كانت ولازالت قادرة على كسب القلوب أرضاً ورجالاً.

على أي حال أيا كان الشاهد أنا أو غيري فلا خلاف على أن نظافة جلاجل ملفتة للنظر بمثل نقاء هوائها وهدوئها ولعل الجامع الجديد بمئذنته المتميزة التي تصور مئذنة الطين القديمة التي أصابنا الحزن كثيراً على هدمها كإجراء احترازي محزن، ذلك الجامع المتميز الجديد هو ثمرة جهود وتكاتف الأهالي ورئيس المركز وأهل الخير حيث تعمل اللجان بنشاط ملحوظ ينبئ بمستقبل زاهر وتطور سريع نرجو أن يجد الدعم المعتاد.

في الطريق إلى حوطة سدير تمر بالتويم وهو توأم لجلاجل تستشعر بمجرد المرور عليه صفات الجد والكرم والالتزام وفي الروضة تشعر أنك تدور داخل لوحة بالغة الجمال فالروضة فتاة تعرف كيف تتجمل وترتدي الحلل. حوطة سدير مدينة تعج بالنشاط والحيوية وتوفر الخدمات وهي قلب نابض قريب من كل جسد سدير وأستغرب كثيراً لماذا لا تكون حوطة سدير محافظة فهي أكبر من أن تبقى مركزاً؟!!

لنعد إلى صلب الموضوع أو صلب العنوان ألا وهو القصيم، في القصيم قضيت نصف الإجازة متنقلاً بين محافظات متقاربة لكل منها طابعه الخاص ولا أعتقد أن القصيم في حاجة إلى أن أصفه تفصيلياً لكن الملفت للنظر هم أهل القصيم، شباب القصيم وشيّابهم، انهم في نظري الأجدر بتوطين الوظائف. أقولها شهادة حق أن الوظائف يجب أن تذهب “للقصمان” في ديارهم لا أن يخرجوا هم بحثاً عنها!!

لأول مرة أرى سعودة حقيقية لكل فئات الوظائف، ليس لأن السعودة نشطة في القصيم ولكن لأن شباب القصيم جادون في الحصول على العمل “هذا تفسير شخصي”، في بعض المدن الرئيسية في كل أنحاء المملكة تبحث الصحف عن السعودي الذي يعمل في مطعم وجبات سريعة لتجري حواراً معه لندرته، بينما في القصيم يكاد أن يكون الآسيوي هو النادر في المطاعم!! لم أجد ألذّ من الأكل في مطعم يعمل به شباب سعوديون، حتى الطلب له نكهة خاصة ممتعة، كنت أقول: هامبرجر دجاج بالحبحر بدلاً من (سبايسي شيكن) من فرط الفرحة لأن شباباً يعمل في المطاعم سيقبل العمل في التمريض والمختبرات والورش والمصانع.

في ملاهي القصيم لا يكتفي الشباب بالعمل في الإشراف أو الإدارة مثلما يحدث في مناطق أخرى حيث يتسكع السعوديون إداريون فقط!! في القصيم يندر أن تجد لعبة يشغلها عامل آسيوي أو غير سعودي. دخلت ملاهي “دريم لاند” العائلية في عنيزة فوجدت أنها تجربة فريدة في المنطقة الوسطى جديرة بالتعميم ولا أدري لماذا لا تعمم؟!!

نحن مجتمع برز منا أطباء وصيادلة ومهندسون لكننا نبقى شغوفين دائماً بسماع اللهجة المحلية في الأعمال الأخرى لأننا نفتقدها رغم حاجة شبابنا لها وهذا الشغف الشديد أشبعته في القصيم حيث كانت كلمات “خلوه يلعب” أو “ركبوه بالقارب” تطربني كثيراً لأنها تعزف ألحان الجد والثقة بالنفس والوعي، كان ذلك في الملاهي أما في الورش والمطاعم والمصانع وأماكن البيع فإن الظاهرة الإيجابية الملفتة للنظر والمتمثلة في إقبال الشباب على العمل أعم وأشمل.

ان من الإجحاف ألا يكون في القصيم سوى شركة صناعية كبرى واحدة هي الدوائية ولا أجد عذراً لهذه الشركة وغيرها إن لم تسعود جميع فئات الوظائف.

قد يقول قائل إنك رأيت من يعملون في العطلة الصيفية فقط وهذا قول في صالح ما أدعو إليه فشباب يقضي الاجازة في مثل هذه الأعمال جدير بأن ترحل له الوظائف الدائمة فنحن هنا يهمنا الوعي والقبول بأداء نوعية من الأعمال وليس توقيت الوظيفة كما أن معظم من قابلتهم يعملون بصفة دائمة أو ليس لديهم الممانعة في الانخراط في هذه الأعمال.

إن القصيم وقياساً بالكثافة السكانية والوعي والجدية والرغبة في العمل مع الحرص الشديد على البقاء في المنطقة جدير بأن يكون المكان الأمثل للسعودة وان يحتضن المصانع والشركات الكبرى ويجب أن تخضع الشركات والمصانع المقامة فيه برقابة أكبر على التجاوب مع السعودة لأن عذر عدم الاقبال على الوظائف مرفوض جملة وتفصيلاً في منطقة أهلها بمثل وعي وحماس وجدية أهل القصيم وقد تتوفر هذه الخصائص في منطقة لم أتشرف بالبقاء فيها بنفس المدة. أرجو أن تكون كل مناطقنا قصيم.