اليوم: 30 ديسمبر، 2002

دراسة يا معالي الوزير

تمنيت منذ أكثر من شهرين على معالي وزير الصحة الأستاذ الدكتور أسامة عبدالمجيد شبكشي، وهو الرجل المشهور بإنسانيته وخلقه الرفيع وبعد نظره، تمنيت منه أن يقتطع جزءاً يسيراً من وقته الثمين ويجمع نفراً من الأطباء الممارسين من ذوي الميول الأكاديمية ويطلب منهم إعداد دراسة عادلة على أثر الغش في تاريخ صلاحية الأدوية على الحالة الصحية لآلاف المرضى ممن تعتمد صحتهم على تناول هذه الأدوية مثل مرضى السكر والقلب وأمراض ضغط الدم والتهابات الكبد وزراعة الأعضاء وغيرهم من المرضى المزمنين ومرضى الحالات الحادة التي يفترض من دواء صالح للاستعمال أن ينقذ حياتهم بإذن الله.

والأضرار والأخطار الصحية الناجمة عن تناول دواء غير فعال حقائق معروفة لكنها لا تحرك ساكناً نحو تطبيق عقوبة صارمة بحق ممارسي جريمة تغيير تاريخ انتهاء الأدوية والحليب والتي أصبحت ظاهرة لا يمر يوم إلا وطالعنا تحقيق صحفي عن كشف أحد أوكارها ولكن بدون أسماء، وكأن قرار التشهير لم يفعل بشكل يوازي عدد الاكتشافات أو أنه يمارس بتردد واستحياء ومجاملة للهوامير أو أن التستر على هؤلاء المجرمين بات أهم من حياة أبرياء يفقدونها رغم دفعهم لقيمة الدواء الداء!!.

واقترحت على معاليه أن يكشف عن تأثير هذا الغش على الاقتصاد الصحي وأقصد هنا تكلفة تنويم وعلاج وإعادة تأهيل مريض انتكست حالته الصحية وتدهورت لأنه انقطع عن الدواء الفعال بتناول دواء منتهي الصلاحية ناهيك عن تأثير تحول الدواء الى سم زعاف بعد تحول مركباته بفعل الزمن.

اشرح لهم يا معالي الوزير كم يكلف هذا الغش ميزانية الصحة بقطاعاتها المختلفة وهل يتناسب حجم الخسارة الاقتصادية مع حجم الغرامة التي لا تشكل سوى “قرصة أذن لذلك المجرم”.

وبيّن لهم يا معالي وزير الصحة إذا كانت عبارة “عيب يا شقي” تكفي في حق من يتعمد خداع الناس في صحتهم، في راحتهم، في استقرارهم، في أمنهم الصحي.

لا أقصد الغش عبر المنافذ الجمركية وحسب إنما أقصد أولئك الذين يمارسون جرائم تغيير تاريخ الصلاحية والتزييف في الداخل وقد فضحت تحقيقات جريدة الرياض وحدها وفي مدينة الرياض فقط العشرات من الوقائع المثبتة لكن عدد إعلانات التشهير لا يصل إلى واحد من مائة من الوقائع بل على العكس تكرر كلمة وافد وهذا الوافد لابد أن خلفه ضميراً محلياً راقداً ألا نوقظه بفضح أمره؟!.

يؤسفني أعزائي القراء أن نلجأ إلى التأثير الاقتصادي للجريمة لنطالب بأقصى العقوبة فجدير بنا أن نفكر أولاً وأخيراً بأثرها على الإنسان ولكن لا بأس إذا كانت لغة الاقتصاد مؤثرة فلماذا لا نستخدمها؟!.

لذا فإنني لا أرى غضاضة من الإلحاح في المطالبة بإجراء تلك الدراسة وذلك الربط بين البعد الصحي والبعد الاقتصادي لهذه الجرائم، ولأن الطموح والأمل والثقة في المسؤول لا تقف عند حد فإنني أتمنى عندما يتحقق حلم إجراء مثل هذه الدراسة وتتضح النتائج الخطيرة صحياً واقتصادياً للدواء غير الفعال أن نكتب تحت النتائج عبارة “صورة لمن يدعو إلى منح تراخيص لمختبرات تحليل أدوية أهلية للاطلاع على نتائج ما سيحدث من تلاعب في شهادات الجودة والمطابقة”.