اليوم: 7 مايو، 2003

العقوبة أساس التوعية

أكثر ما يوحي بالإهمال والتقاعس هي المخالفات المرئية التي تعلن عن نفسها ولا تجد من يمنعها او يقضي عليها ويطمس صورة غير حضارية تعكس تخاذلاً او سلبية او ضعف رقابة تسيء لجهود اكبر تبذل في مجالات اخرى.
إحقاقاً للحق فاننا بلد يفتقر للنظم الدقيقة في مجالات عدة بعضها تفصيلي ويحظى بإجراءات محددة وضوابط مشددة، لكننا لا نسن النظم والتشريعات ونحدد الاجراءات الا فيما يتعلق بأعمال ثابتة يسهل التفتيش عليها ومراقبتها واجبار المخالف على الحضور الى الجهة الرقابية ودفع الغرامة، وهذه الاعمال الثابتة هي في الغالب غير ظاهرة او تقبع في مكانها فلا تسيء للمظهر العام اوتخدش المشاعر او تثير الاشمئزاز واعني انها لا تعكس تخلف المجتمع او سوء سلوكه وبالتالي تخلق انطباعاً سيئاً عنه لدى كل من يراه وبذلك فان تلك المخالفات تعتبر نسبياً اقل اهمية من مخالفات اخرى ظاهرة للعيان تسيء للمجتمع وتستفز المشاعر بل قد تضر بالناس ولاتحضى بادنى اهتمام او مراقبة، بل لايعرف حتى الآن من هي الجهة المعنية بمحاربتها.

اعمال البناء او افتتاح المحلات التجارية او الخدمية هي اعمال ثابتة تسهل مراقبتها وإحضار اصحابها لذلك فان نظمها واجراءاتها وقوانينها متوفرة وتحظى بالتحديث واحياناً التعقيد وتتنافس الوزارات في تحمل المسئولية عنها وتتجاذب صاحب العمل وتتفنن في فرض تعليماتها عليه.

في الوقت ذاته فان المخالفات المتحركة مثل رمي المخلفات من نافذة السيارة المسرعة او التدخين في مكان يمنع فيه التدخين او البصق في الشارع سلوكيات لاتجد من يردعها ولانستطيع تسميتها “مخالفة” لانه لايوجد نظام تنسب اليه ولا يعرف حتى الآن اي الجهات الرقابية او التنفيذية مسئولة عن هذه السلوكيات التي تعتبر هي الاساءة الحقيقية لسمعة البلد ومشاعر الناس والمظهر العام وصحة المجتمع.

الى متى سنبقى بلداً يبذل الغالي والنفيس في سبيل الشكل الجمالي للبناء ثم نسمح بالبصق فيه؟! ونصرف المبالغ الطائلة على نظافة المدن ولانبدي اي معارضة لرمي المخلفات من نافذة السيارة!! بل لانعرف جهة يمكن تبليغها بهذا السلوك للمعاقبة عليه.

إن من الخطأ الفادح ان نعتقد ان التوعية وحدها كفيلة بتسيد الاسلوب الحضاري للتعامل فالعقوبة عنصر من عناصر التوعية “يعتقد كثيرون ان اشارة المرور الحمراء لاتستدعي الوقوف اذا خلا الطريق لكن مقدار الغرامة جعلهم يقتنعون بأن الأمر خطير ويستدعي احترام اشارة المرور” ونفس الشيء حدث مع حزام الامان ليس بسبب التوعية فقط ولكن تكثيف التفتيش.

لو شك من يرمي القاذورات من نافذة السيارة بأن رقم اللوحة قد يسجل وان الحاسب الآلي قد يحتسب مخالفة سوء سلوك على بطاقة الاحوال فان ذلك اولاً سينبه شعوره النائم “يوعيه” بأن مايفعله سلوك مشين بدليل وصوله الى حد المخالفات التي يعاقب عليها النظام وثانياً سوف يرتدع مع اول عقوبة عن تلك الممارسة غير المبررة والتي لايبررها الا امن العقوبة.

اعتقد ان ما وصلنا اليه من ذوق وتذوق وعناية بالشكل العام يجعل من حقنا ان نطالب بحماية الشعور العام مما يخدشه ويشوه جمال اخلاقياتنا ويشكك في مقدار وعينا واستغرب ان نستصعب الامر ونستكثره ولدينا تجارب دول سبقتنا في هذا الصدد.

في سنغافورة مثلاً قد يجرؤ شخص على تهريب المخدرات لكنه يخاف الف مرة قبل ان يرمي علبتها الفارغة في الارض.