اليوم: 17 مايو، 2004

البعد الاجتماعي للقرار

بعض القرارات التي نتخذها وإن كانت تتخذ بعد دراسة مستفيضة إلا أن الدراسة تقتصر على الإيجابيات والسلبيات المرتبطة بنوعية القرار لكنها لا تشمل في الغالب تأثير الخطوة على جوانب أخرى كالجوانب الاجتماعية مثلاً.
وعندما نقول نوعية القرار فانما نقصد فئته، أي أن القرار إذا كان ذا طابع اقتصادي فإننا نركز في دراسته على مردوده الاقتصادي ومحصلة ايجابياته وسلبياته من هذا الجانب فقط ولا ننظر بشمولية في تأثيره على النواحي الاجتماعية والصحية وخلافه.

هذا يحدث غالباً في الخطوات والقرارات التي تتخذها وزارة أو مؤسسة بعينها ضمن صلاحيتها دون الرجوع إلى مجلس الشورى مثلاً، بل حتى فيما يخص المجلس فإن تعدد اللجان وإحالة كل موضوع إلى اللجنة المختصة قد يجعل تلك اللجنة تنظر إليه من منظور تخصصها دون الأخذ في الاعتبار الأبعاد الأخرى على مجالات مختلفة.

خذ على سبيل المثال لا الحصر القرار الذي اتخذ بشأن منح قنوات فضائية تجارية الحق الحصري لنقل مباريات كرة القدم خاصة في المسابقات المحلية.

هذا القرار نظر فقط إلى الايجابيات والسلبيات من منظور الاقتصاد الرياضي أو استثمار الأنشطة الرياضية، لم يأخذ في الاعتبار الآثار الاجتماعية والصحية لهذا القرار بل ربما لم تخطر له على بال.

اسمحوا لي أن أذكر ببعض السلبيات التي نجمت وسوف تنجم عن عدم نقل تلك المباريات عبر القناة الرياضية في التلفزيون السعودي، حيث يتابعها الأبناء وربما البنات مع والديهم وفي محيط أسري جميل ومترابط ومحكوم بأخلاقيات الأسرة الواحدة.

النسبة العظمى من الشباب هم من ذوي الدخل المتوسط أو المحدود أو ربما المعدوم وهؤلاء جميعاً لا تتوفر لديهم القناة التجارية التي تنقل المباراة حصرياً لذا فإن الطريق الوحيد المتاح لهم لمتابعة المباراة هو اللجوء إلى المقاهي (نسبة قليلة جداً من سكان المدينة التي تقام بها المباراة سيذهبون للملعب مباشرة).

تلك الاعداد الكبيرة التي ستتابع المباراة في المقاهي ستدخل وربما للمرة الاولى في أجواء التدخين والشيشة وربما ما هو أخطر.

غني عن القول إن أجواء الشد العصبي الناجم عن متابعة مباراة في كرة القدم هي أنسب الظروف لاضافة مدخن جديد وانضمام عضو حديث العضوية لعالم المعسل والشيشة.

أي أن أعداداً كبيرة جداً من أولئك الشباب الصالح الذين كان من الممكن أن يشاهدوا المباراة تحت أنظار والديهم وبين أفراد أسرتهم المحافظة تم تحويلهم إجبارياً إلى حيث يمكن أن يمارسوا التدخين والعادات السيئة الأخرى.

حسناً.. كم هو حجم الخسارة المادية التي سوف تتكبدها وزارة الصحة أو أي من القطاعات الصحية في علاج الأضرار الناجمة عن تدخين شاب واحد ناهيك عن آلاف الشباب من جمهور كرة القدم؟! (اقرأوا إن شئتم دعوى المستشفى التخصصي ضد شركات التبغ لتعرفوا الكلفة الحقيقية!!).

كم هي الخسارة المعنوية للمجتمع في تحول سلوك عدد من الشباب من شباب “بيتوتي” يعيش تحت رقابة والديه إلى شباب مقاهي شيشة؟!

أجزم أن ما نتكبده من خسائر مادية في شكل علاج لمضاعفات التدخين وأمراضه وعلاج للادمان على التدخين في عيادات مكافحة التدخين وما سندفع ثمنه من خسائر لا يمكن أن نعوضها.

أعتقد انه مثال واضح ومباشر للقرارات الاقتصادية التي لا تأخذ في الحسبان تأثيرها على النواحي الاجتماعية والصحية وهو مثال واحد لكنه ليس وحيداً ولك أن تقيس عليه غيره،وغيره كثير.