لم يكن يدر بخلد أي مواطن أمريكي أو بريطاني أو عربي مخدوع بحقوق الإنسان الغربية أن قوات الاحتلال في العراق وهي ترافق الصحفيين والكاميرات في جولة داخل سجن أبوغريب في أول أيام سقوط النظام العراقي السابق وتطلعهم على وسائل وآليات التعذيب وكيف صممت زنزانات خاصة للذل وأخرى للإيذاء الجسدي والنفسي، أقول لم يكن يدر بخلد أي من المخدوعين أن القوات الأمريكية والبريطانية كانت تنظر بعين الإعجاب بتوفر الإمكانات اللازمة للتعذيب جاهزة لتستخدمها قوات ما سمي بالتحرير بأسلوب لا يختلف عما كان معدّا له في مفهوم الإذلال والاعتداء والتعذيب إلا من حيث ماهية منفذ التعذيب والتي تحولت من ذئب في جلد حمل.
إن ما أمكن إجازة نشره من صور التعذيب والإذلال لسجناء أبوغريب يعكس حقيقة الوحشية والبطش التي جاء بها الاحتلال منذ إطلاق أول صاروخ كروز أو أطنان القنابل على مجمعات سكنية إلى قتل الصحفيين العرب عنوة وقتل الغربيين المتعاطفين معهم مع سبق الإصرار والترصد ومروراً بقتل الأطفال وإعاقتهم مثلما حدث مع علي عباس وعلي حسين وهما من أشهر ضحايا الحرب الأحياء من الأطفال أحدهم بُتِر ذراعاه والآخر اقتلعت عينه وأنفه وشوّه وجهه.
الغريب جداً أنه رغم كل ما تعرضنا له نحن العرب والمسلمين من بطش العسكر من ذلك الجنس البشري، إن صحت نسبتهم للبشر ورغم أن تاريخنا موثق بالطابع الوحشي لهذا الجنس إلا أن كثيراً ممن يدعون أنهم مثقفون عرب وقراء تاريخ انخدعوا بحركات تمثيلية “هوليودية” للجنود الأمريكيين والبريطانيين وهم يلاعبون أطفال العراق ويقدمون لهم الهدايا ويتقاذفون معهم كرة القدم ولسان حال أولئك المنخدعين يقول بسعادة “هؤلاء هم العسكر وهكذا يكون الجيش الحنون!!” ولم يستفد أي منهم من ذاكرته العربية في توقع ما تخفيه تلك الحركات التمثيلية خلفها من ممارسات اغتصاب وإذلال وتبول على الكائن العربي بعد تجريده من إنسانيته.
حتى الأطفال علي وعلي استغل ما تعرضا له من إيذاء جسدي ووظف في شكل خطوة إعلامية سخيفة وغبية تصور ما حصل كل منهما عليه من رعاية طبية من قبل المتسبب وكأنه أعاد لعلي ذراعيه ولعلي الآخر عينه وجماله وحاول التقرير عبثاً وبغباء بالغ أن يصوّر لنا بضع ألعاب وهدايا واحتفالات وموسيقى عوّضت علياً وعلياً عمّا فقداه.
بنفس الغباء يتحدث بوش اليوم عن ضرورة “توبيخ” الجنود المسؤولين عن تعذيب السجناء العراقيين، لا بل يتحدث الناطق العسكري كارول وبعربية فصيحة عن بشرى جديدة للعرب والعراقيين تحديداً ألا وهي أن الإدارة الأمريكية تفكر في صرف تعويضات لمن تم تعذيبهم!! وكم هو إذلال أن تتحدث عن تعويض مهان من ماله!! حبذا لو حدد من أي برميل نفط عراقي سيتم تعويض من عذبه علج أمريكي أو بال عليه قذر بريطاني؟!.
هم حاربوا من أجل المادة ولذا فهم يعتقدون أن المادة تعوض كل شيء وتغني عن كل شيء حتى الكرامة.
لو كان لدينا كعرب ومسلمين القوة والقدرة لفرض إرادتنا فإن أقل ما يمكن أن نطالب به هو أن يتبول ذلك السجين العراقي علناً على الجندي الذي تبوّل عليه ونرفض أي تعويض آخر.
ولأن القوة والقدرة غير متوفرة حالياً فهل لنا أن نثير هذه الفكرة كمطالبة عربية مثلما نفعل دائماً على مستوى إعلامي؟! لنطالب بها فقط لنذكر بأننا لا نبيع كرامتنا بالمادة كما يفعلون ويعتقدون!!.