الشهر: أفريل 2006

من طرائف المياه

    روى لي أحد سكان شمال الرياض قصة لا تخلو من الطرافة ذكرتني بموقف لسرحان عبدالبصير وهي الشخصية المسالمة بل الساذجة التي مثلها عادل إمام في مسرحيته الشهيرة «شاهد ماشفش حاجة» عندما طالبت إدارة الهاتف سرحان عبدالبصير بدفع فاتورة الهاتف وهو لا يملك هاتفاً وهددوه انه إذا لم يسدد فإنهم سوف يسحبون «العدة» وهو ليس لديه عدة هاتف فما كان من سرحان الضعيف المغلوب على أمره إلا أن يسدد الفاتورة قائلاً «خفت يأخذوا العدة.. مع انه مافيش عدة»!!.أما صاحبنا في شمال الرياض فيروي أنه عندما انقطع الماء عن الحي الذي يسكنه لمدة زادت عن عشرة أيام اضطر الى شراء صهريج ماء سعة 17 متراً مكعباً. 

يقول المواطن اشتريت «الوايت» بمبلغ 170 ريالاً وعند صب الماء في الخزان لابد من حدوث تسريب من خرطوم الصهريج خاصة بعد الانتهاء وسحب الخرطوم وتدفق المياه، يقول لم تمر سويعات على سعادتنا بعودة المياه إلى مجاريها حتى صدمنا بوريقة حمراء على العداد تشير إلى مخالفة تسرب مياه وضعها مراقب البلدية بمبلغ 200 ريال «مع انه مافيش مياه» أ.ه.

لدي عدة أسئلة لوزارة المياه والكهرباء التي لم نلمس منها بعد غير حملة أدوات الترشيد والتلميح لرفع تعرفة الماء.

السؤال الأول: لماذا ترك تحديد سعر صهريج الماء لصاحب الشيب؟! مع أنهم يستخرجون الماء من جوف الأرض ولا يستوردونه!! أي أنه ثروة وطنية؟! ولماذا يدفع المواطن 10 ريالات للمتر المكعب.

السؤال الثاني: ما هو دور قسم وهاتف التظلم من المخالفات غير المستحقة إذا كان مثل هذا الظلم للمشترك لن يرد له ماله ويمنع مراقب المياه من ظلمه؟!.

ومن يعوض المشترك عن فترة حرمانه من نعمة الماء وما يترتب عليها من أضرار خاصة إذا علمنا أن انقطاع الماء يربك كل أعمال المنزل والتجار والمؤسسات وخلافها.

الأمر يحتاج الى تفعيل قنوات تظلم سريعة لا ترتبط بوزارة المياه والكهرباء وما يقال عن الماء يقال عن كل أمر حيوي غيره.

الشهرة على حساب رهف ومثيلاتها

سوف يستمر مسلسل العنف الأسري بشخصيات جديدة من الضحايا غير رهف وأحلام وغصون، وذلك مادمنا نتعامل مع كل حالة عنف على حدة، ودون أن نضع (إستراتيجية) وأؤكد «استراتيجية» وليس لجنة أو حتى هيئة، لأن رسم الاستراتيجيات وتنفيذها بما يحقق الحماية والوقاية وإيقاف الخطر قبل استفحاله بل منع الكارثة قبل حدوثها هو السبيل الصحيح للتعامل مع الأخطار التي تحدق بالمجتمع .ما عسى «لجنة الأسرة» في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أو لجنة معنية بالعنف الأسري أو غيرهما من اللجان والهيئات أن تفعل غير جهد يسير مشكور في التعامل مع كل حالة على انفراد، وهذا بالضبط ما حدث مع حادثة العنف ضد رهف وحادثة العنف ضد أحلام، لكن تلك اللجان لم تفعل شيئاً لمنع قتل غصون لسبب بسيط هو أن غصون كانت أضعف جسداً، أو أن قاتلها أسرع فتكاً من أن ينتظر إلى أن تكتشف حالتها وتكتب عنها الصحف !! فتهب تلك اللجان للتدخل ونشر الخبر تلو الأخر عن التعامل مع الحالة بعد أن حدث ما حدث .

غصون أرادت ان تقول لنا قبل أن تصعد روحها إلى جنات الفردوس في النعيم المقيم، أرادت أن تقول إن كل لجانكم وهيئاتكم وشخوصكم وشخصياتكم لا تستطيع حماية طفل قبل أن يموت، لكنها تستطيع أن تشتهر على حسابه إذا أوشك على الموت .

نعم أنا أعتقد أن عدداً من أعضاء وعضوات رؤساء ورئيسات تلك اللجان اشتهروا على حساب رهف وأحلام، لكن غصون أرادت أن ترحل كريمة دون منّة أحد ودون أن يشتهر على حسابها أحد .

إن من يريدون أن يعملوا خيراً في أطفالنا ونسائنا وهم جادون ولوجه ربهم ولمصلحة وطنهم فإن عليهم أن يسهموا في رسم استراتيجية تساعد على منع الأذى قبل وقوعه، حتى نصل إلى ما وصل إليه غيرنا من التبليغ السريع عن حالة العنف من أول صرخة، وإذا حدث التبليغ أن يسبق التجاوب سرعة الصوت وإذا حدث التجاوب أن تغلظ العقوبة وتفعل الحماية، والحماية تستوجب العمل بصمت وستر مع قرار نافذ في حق المعتدي، لا أن يكون الأطفال مادة صحفية دسمة ووسائل جذب لقراءة خبر عن رئيسة لجنة أو رئيس هيئة . فلهذا الطفلة مستقبل وحياة قادمة وثمة عيون وآذان وألسن تراقب اليوم وأخرى تتحدث غداً فاتقوا الله في سمعة نساء المستقبل.

انني على ثقة ان كثيراً من العاملين والعاملات يحدوهم نفس الأمل، وان في المسألة امر صلاحيات وعقبات ولكن ذلك لا يجب ان يثني العامل الجاد، ولا يمنع من القول ان الدور الحقيقي والمهم لتلك الهيئات واللجان هو عمل ما من شأنه الوقاية والحد من تلك الحوادث لامجرد التفاعل مع ما ينشر منها.

الفاسد المسنود

كمّ هائل من ردود الفعل الهاتفية وعن طريق البريد الإلكتروني تلقيتها ولازلت أتلقاها بعد بث حلقتين من برنامج «من الإخبارية» تحدثنا فيها (إبراهيم آل معيقل وأنا في وجود عادل أبو حيمد في الأولى وخالد مدخلي في الثانية كمديري حوار رائعين) حديثاً لا تنقصه الشفافية عن الأمراض البيروقراطية في الوزارات والدوائر الحكومية.عدد كبير من المهضومين لم أكن أتوقعه، ولا أعتقد أن أكثر الناس تشاؤماً يمكن أن يتوقعه، جميعهم يتحدثون عن ضياع حقوقهم ليس بسبب البيروقراطية كنظام إداري كثير التعرجات والمتطلبات واستنزاف الوقت فمعظمهم مضى عليه أكثر من عشر سنوات وهو يسبح ضد التيار بنفس طويل، وطالما أن الأمر يتعلق بتيار معاكس لأصحاب الحقوق فإن البيروقراطية منه براء والأمر أقرب إلى فساد الأهواء.

أخطر ما سمعت ورأيت كان أكثر الشكاوى وهو أن الخصم شخص له ظهر!! وكلنا ولله الحمد من الفقاريات ولنا «ظهور» لكنها ظهور تسند قاماتنا للوقوف لنصرة الحق أو تحنيها للركوع للخالق وليس غيره.

أكثر من اشتكوا كانوا يصفون معاناتهم مع مدير مسنود أو موظف له ظهر كما ذكروا، والسند أو الظهر هنا ليس إلا مجرد مدير عام أو من في حكمه تربطه بالمدير أو الموظف الظالم علاقة مصاهرة أو قرابة أو صداقة أو مصالح مشتركة!!

الأمر لا يحتمل أكثر من هذا المستوى من الدعم المحدود في محيط الإدارات الوسطى، لكن هذه الإدارات هي التي تتحكم في مصائر مئات الموظفين وآلاف المراجعين وتمارس الاضطهاد وسلب الحقوق والكيل بمكيالين وتقديم غير المستحق على صاحب الحق والتعامل مع الناس بعين جريئة واستغلال للسلطة وادعاء وجود سند قوي وترويجه كشائعة أو الاستناد فعلياً على «ظهر» لا يتذكر إلا قوته وينسى أن الله هو القوي فوق عباده، وفي كل الأحوال فإن الخوف من مدعي السند أو المسنود حقاً يؤدي إلى عزوف الكثيرين عن مواصلة المطالبة بحقوقهم عبر التسلسل الوظيفي لأنه يؤدي إلى طريق مسدود بخصم مسنود!!، ومن ثم تتراكم أعداد المحبطين اليائسين الذين لا سبيل لهم إلا الشكوى في وسيلة إعلامية أو شبكة عنكبوتية وتكون النتيجة شيوع صورة مشوهة قد تكون لها السيادة وتتسبب في خلق انطباع انهزامي يتيح الفرصة للفاسدين إدارياً في ممارسة استغلال السلطة.

هذا الأمر يحتاج الى وقفة جادة، تبدأ بطمأنة الموظفين والمواطنين بأن خصمهم لن يكون الحكم، ثم فتح قنوات محايدة وسريعة الإجراءات لاستقبال شكاوى هذا النوع من الضحايا وتحديد خصومهم واستجوابهم بجدية ثم إصدار أحكام سريعة ونافذة بالحد من الصلاحيات والنقل والتحييد وحتى الإعفاء إذا ثبت الجور والظلم.

لتكن مصلحة الوطن هي دافعنا وسندنا وما عدا ذلك فإن الظهر لا يعدو عظماً هشاً يسهل كسره وينتهي بفقرة العجز بين الوركين!!

الحق والرجال

هَمَّ شاب مجتهد أن يلقي قصيدة مدح أمام فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، رحمه الله رحمة واسعة، ظن الشيخ أنها قصيدة اعتزاز بالدين أو نصيحة أو وعظ. وعندما بدأ الشاب في الثناء على الشيخ أوقفه مباشرة وبمنتهى اللطف، مردداً رحمه الله «أنا لا أوافق، لأنني لا أريد أن يربط الحق بالأشخاص فكل شخص زائل.. إلى آخر ما قال» .وعندما أراد الشاب أن يسترسل في مديحه رحمة الله عليه أوقفه مردداً «أبداً لا أوافق» ثم قال «أنا أنصحكم من الآن وبعد الآن، لا تجعلوا الحق مربوطاً بالرجال فالرجال يضلون» ثم استشهد بابن مسعود قائلاً حتى ابن مسعود قال «من كان مستناً فليستن بمن مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أ.ه.» ثم واصل الشيخ قائلاً: إذا جعلتم الحق مربوطاً بالرجال فيمكن أن يغتر الإنسان بنفسه نعوذ بالله من ذلك ويسلك طرقاً غير صحيحة ولذلك فإنني أنصحكم أن لا تجعلوا الحق مقيداً بالرجال، الرجل لا يأمن من الزلل والفتنة وابن آدم بشر قد يغتر بالمديح فيدعي العصمة لنفسه. ويظن أنه معصوم ويظن أن ما يفعله الحق وكل طريق يسلكه مشروع فيحصل بذلك الهلاك ثم إن الإنسان سيموت ولن يخلد.. انتهى حديث الشيخ رحمه الله.

تمعنت فيما سمعت بصوت الشيخ فوجدته الحكمة التي نحن بأمس الحاجة لها اليوم وكل يوم بأن يُعرف الرجال بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال، فالإنسان فعلاً كائن متغير بل إنه ربما كان أسهل الكائنات في التغير والتكيف مع ما حوله سواء بالسلب أو بالإيجاب، والأهواء تؤدي إلى تغيرات هي إلى السلبية أقرب منها للإيجابية، وإلى الباطل أقرب منه إلى الحق .. ولعلنا شهدنا أمثلة كثيرة من البشر لم نكن نتصور أن يتحول معدنهم أو يصدأ بفعل مال أو مركز أو شهرة.

نعم لنجعل حكمنا على الرجال من حيث اتبعوا الحق وأن لا نحكم على الحق من واقع أفعال الرجال وعندئذ سنمارس العدل في أحكامنا.

رحم الله شيوخاً ومشايخ لا يخشون في الحق لومة لائم.

صوت لم يصل

الخبر الذي كتبه الزميل خالد النصار بمهنية وشمولية يوم الخميس الماضي، والذي استنجد من خلاله أبٌ وأمْ لمدمن مخدرات، طالبين نجدتهما في «الحصول على قبول» لدى إدارة مكافحة المخدرات أو مستشفى الأمل لمساعدتهما وإيواء ابنهما المدمن الذي أصبح مصدر تهديد لأسرته في المنزل ولمجتمعه في الشارع ولنفسه أثناء العزلة.هذا الخبر (بتفاصيله التي وردت بشمولية كما ذكرت) يثير تساؤلاً مؤلماً وحزيناً مفاده: هل لدينا استراتيجية حقيقية شاملة للتعامل مع المخدرات كمشكلة اجتماعية بالغة القدم، حديثة من حيث الاعتراف، شهدت أوج تفشيها عندما أنكرناها أو تجاهلناها، ونجحنا نسبياً بالحد من إضافة أرقام جديدة لضحاياها عندما اعترفنا بها وكثفنا التوعية بأخطارها وغلظنا العقوبة لمهربها ومروجها؟؟

حسناً، ماذا عن العدد الكبير من المدمنين القدامى والجدد ومن هم في طور الالتحاق بوكر الهلاك هل قدمنا لهم شيئاً يستحق الذكر أو يدعو للاطمئنان أو يوصف بالتعامل الحضاري؟!

الجواب بطبيعة الحال هو لا والشاهد تلك الصرخة والمناشدة التي نشرتها هذه الجريدة الرائدة وآلاف الصرخات التي لم تتجاوز أسوار منزل صغير أو شقة أو حتى فيلا.

تلك الصرخة بلغت فؤاد سلمان بن عبدالعزيز قبل عينه وأذنه فبادر كعادته وهب لنجدة تلك الأسرة بتوجيهاته السريعة، التي تعودنا منه حرصه في متابعتها وعدم انشغاله عنها، ففرج كرب الصوت الذي وصل.

أجزم أن نفس الموظفين ونفس المسؤولين الذين أهملوا توسلات ذلك المواطن وزوجته وبالتأكيد لم يسجلوا أرقامه وبياناته، هم أنفسهم أصبحوا يبحثون عنه ويستجدونه أن يرد على الهاتف، أقول ذلك لأنني أعرف حزم ولاة الأمر، إذا بلغهم الأمر بمثل معرفتي بتقاعس الجهات المعنية إذا لم يصلهم أمر.

ماذا عن الأصوات التي لم تصل؟! وهل من الحكمة أو المنطق أن تمضي كل هذه السنوات الطويلة منذ الاعتراف بالمخدرات كمشكلة وإعلان الحرب عليها ونحن لم نرسم بعد استراتيجية أمنية صحية اجتماعية شاملة للتعامل مع النتائج المتوقعة لغزو المخدرات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر استيعاب الأعداد الكبيرة من المدمنين الذين يرغبون أو ترغب أسرهم في علاجهم وإنهاء معاناتهم ومعاناة أسرهم، وثانياً إيجاد قنوات ميسرة غير بيروقراطية تلجأ لها أسرة المدمن الذي يشكل خطراً على أسرته ومجتمعه، وثالثاً الحليولة دون عودة المدمن المعالج التائب للتعاطي جراء خروجه المبكر من المستشفى وعدم المتابعة.. واختصاراً للموضوع لماذا نتعامل مع المشاكل وكأننا أول من تعرض لها؟! لماذا لا نستفيد من تجارب الدول المتقدمة في هذا الصدد والتي أجزم أن الأسرة فيها لا تحتاج إلى الاستنجاد بالصحافة لإنقاذها من ابن مدمن.

من ضحايا التأمينات

نظرياً فإن نظام التأمينات الاجتماعية نوقش كثيراً ولمع أكثر، لكن المرآة الحقيقية لكل نظام هي مشاكل ما بعد التطبيق.أمامي قضية أستطيع أن اسميها «ارحموا عزيز قوم أذلته التأمينات»، كان مديراً إقليمياً يستلم ما يزيد عن عشرة آلاف ريال، أصيب (أثناء عمله) و(بسبب ضغوط العمل كما يقول طبيبه) ولكن هذا لا يهم هنا لأنه يسهل نفيه ويصعب إثباته لمن همه النفي، المهم أنه أصيب بجلطة قلبية وأجريت له قسطرة قلب وأصبح لا يتحمل أدنى مجهود بدني أو ذهني فتقاعد تقاعداً مبكراً، وبناءً على تقارير طبية صريحة لكنه تعرض لما يلي:

أولاً: مر ثلاث سنوات بين تاريخ ثبوت العجز المهني وتاريخ فحصه من قبل لجنة طبية للبت في أمر العجز وخلال هذه السنوات الثلاث لم يصرف له ريالاً واحداً من التأمينات بالرغم من أن تأخر فحصه كان عيباً بيروقراطياً لا ذنب له فيه، والرجل دفع جزءاً من راتبه للتأمينات على مدى عشرين سنة، فبأي حق يمنع من راتب التأمين (على ذمة التحقيق) ثلاث سنوات لا لذنب اقترفه ولكن لأن النظام بيروقراطي بطيء؟! وكيف سيصرف على أبنائه وبناته وعددهم تسعة وكيف سيواجه متطلبات الحياة التي دفع جزءاً من راتبه لكي يأمن غدرها؟!.

ثانياً: كان يعالج في مستشفيات خاصة ضمن بند التأمين على موظفي الشركات وبطبيعة النظام والحال فقد أصبح المستشفى يرفضه بعد التقاعد مما نجم عنه تدهور حالته وعدم قدرته على شراء دواء الضغط فارتفع الضغط في إحدى عينيه وفقدت البصر!! فهل هذا نظام التأمينات الذي طالما صفق له مسؤولوا المؤسسة ولمعوه صحفياً وهل يمكن القول أن نظاماً يتسبب في العمى قد أسس على بصيرة؟!.

ثالثاً: وحسب ما أمامي من إثباتات وتقارير طبية فإنه عرض على لجنتين من عدد من الأطباء، اللجنة الأولى فحصته جيداً وقررت أن عجزه مهني وانه يستحق استمرار راتبه التقاعدي. أما اللجنة الثانية فلم تفحصه مطلقاً بل طلبه أحدهم في غرفة منعزلة وسأل كيف حالك (وكان الطبيب يحمل سيجارة!!) ثم طلب منه الانصراف (لا أدري أي فحص هذا إلا إذا كان ينوي سؤاله عن ولاعة!!) وهذه اللجنة هي التي قررت عدم استحقاقه. أي أن الأمر فيه قولان أخذ بالقول المضر بالمؤمن عليه فهل هذا هدف النظام؟!.

رابعاً: أياً كانت نصوص النظام وبنوده وفقراته فإننا نتحدث عن واقع موظف كان دخله الشهري جيداً وتحول بسبب جلطة سريعة إلى فقير يتصدق عليه الناس مع أنه دائن للتأمينات الاجتماعية ومن المؤكد فإن ذلك النظام الموضوع ليس قرآناً (أعز الله كتابه) ولا بد والحال هذه أن النظام ولد غير كامل ولا شامل.

عدلُ ملك وجورُ مدير

عندما تحدث المليك المفدى في خطابه أمام مجلس الشورى رسخ مفهوماً لا أظنه غاب لحظة عن ذهن أي مواطن سعودي وهو أن القائد أكثر ملامسة لأحاسيس المواطن العادي، سواء المستهلك، أو المراجع أو الموظف الصغير أو العاطل عن العمل. ليس هذا فقط بل إن الوصول إلى الملك بات أسهل كثيراً من الوصول إلى مدير في إدارته .الوصول هنا لا يقتصر فقط على الدخول فهذا أمر مفروغ منه ومعروف، فرب مدير أغلق أبوابه وكثف (السكرتارية) والحجاب والجنود لمنع الناس من الوصول إليه وهو منشغل بمتابعة أمور بيته أو مصالحه الخاصة أو ما كتبت الصحافة عنه في وقت كان فيه خادم الحرمين الشريفين يقرب الكرسي لمواطن يشتكي له .

الوصول الذي نقصده يشمل الوصول للأحاسيس والقلب والمشاعر ومدارك الاهتمام في النفس الإنسانية وهو ما جعل أفعال وانفعالات الملك قبل خطاباته تلامس همّاً يعيشه المواطن والمقيم إما فقراً أو بطالة أو نقص رعاية صحية أو خسارة أسهم أو تضرراً من فساد إداري أو ظلم مدير أو تقصير مسؤول أو أي صورة أخرى من صور سوء التعامل مع نفس بشرية .

عندما أعلن خادم الحرمين الشريفين ميزانية خير ورخاء قال للوزراء «لا عذر لكم اليوم» .

وعندما أعلن في خطابه أمام مجلس الشورى جملة من الحزم الضوئية التي ستخترق دواليس الظلام وتكشف بؤر الفساد بكافة أشكاله، ومنه الفساد الإداري، أصبح علينا أن نقول لكل مواطن ومقيم لا عذر لكم اليوم، فساهموا مع ملك الإصلاح في إصلاح كل عضو فاسد أو بتره.

إذا كان مديرك فاسداً فاكشفه، وأعن على تنظيف إدارته، وإذا كان مديرك ظالماً أو شللياً أو مستغلاً لنفوذ أو معطلاً لمصالح أو سارق أفكار أو مهملاً لمراجعين فعليك مواجهته أكثر من أي وقت مضى وكشف أمره ومنع ظلمه وإنصاف الناس منه.

لا عذر اليوم لموظف جبان ولا لمواطن سلبي ولا لرقيب حيران فالمليك القائد أعلن الحرب على أنواع الفساد وكلنا جنود في هذه الحرب .

أكثر ما يستفزني هو أن أرى موظفاً يرى الباطل فيستنكره في قلبه وهو قادر على تغييره بلسانه بالنصح أولاً والشكوى بعد ذلك أو شاهداً يعرف الحق ويسكت عنه ليصبح شيطاناً أخرس .

إذا ظُلمت فاشتك وعليك من الأبواب بأوسعها ومن الرجال بالرحيم ومن الشهود بالعدل، ولن تجد باباً أوسع من باب الملك ولا رجلاً أرحم ممن زار الفقراء في بيوتهم ولا أعدل من ذي دين وذمة، وطالب فما ضاع حق وراءه مطالب .

أتمنى اليوم الذي نرى فيه ديواناً للمظالم الوظيفية يشتكي له موظف مظلوم وما أكثرهم وإنني أرى ذلك قريباً في عهد ملك عادل رحيم.

قنوات الرحمة

دعونا نعقد مقارنة بسيطة وسريعة بين مجموعتين من القرارات لا يفصل بينهما إلا حوالي شهر أو يزيد.المجموعة الأولى قرارات اتخذتها هيئة سوق المال السعودية وطبقتها فوراً وعلى حين غرة من صغار المساهمين أدت إلى انهيار السوق وحدوث ما حدث ولعل أخطر تلك القرارات تحديد نسبة التذبذب بمقدار خمسة في المائة.

المجموعة الثانية التوجيهات الملكية المنقذة للسوق والتي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز «ملك الإنسانية» والتي أعلنت في حينها ووجه يحفظه الله بسرعة دراسة حلول أخرى كالتجزئة والسماح للأجانب بالدخول للسوق مباشرة وليس فقط عبر صناديق الاستثمار وهذه الأفكار المنقذة صدرت بقرارات من مجلس الوزراء في جلسته يوم الاثنين الماضي 27 صفر 1427ه. وأدت إلى انتعاش السوق وانتعاش الشارع وهو الأهم.

عندما نقارن بين الحالتين أو المجموعتين نجد أن قرارات هيئة سوق المال جاءت مرتجلة، غير مدروسة وغير شفافة بدليل المباغتة. بينما جاءت المجموعة الثانية بعد أن تمت دراستها من قبل عدة لجان ثم أيدها وصادق عليها مجلس الشورى وأصدرها مجلس الوزراء.

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تمر القرارات «السلبية» المخيفة التي اتخذتها هيئة السوق عبر قنوات الدراسة تلك وخاصة مجلس الشورى ليتسنى دراسة كافة أبعادها ونتائجها قبل الموافقة على تطبيقها بينما القرارات الإيجابية «المبشرة» مرت عبر تلك القنوات وهذا جيد.

أنا أعلم جيداً أن مجلس الشورى يدرس ما يحال له من مجلس الوزراء، وأعرف أن أي هيئة يمكنها اتخاذ قرارات تنظيمية على مستوى الهيئة ولا تُحال إلى مجلس الشورى، ولكن كان بالإمكان وحسب المعتاد وبناء على ما تقتضيه حساسية القرار وتأثيره على شريحة كبرى من المواطنين بل جميعهم أن ترفع الهيئة مقترحاتها لمجلس الوزراء ليحيلها لهيئة الخبراء أو اللجان المختصة ثم مجلس الشورى.

وأجزم أن هذا لو حدث فإن تلك القرارات وخاصة خفض نسبة التذبذب لا يمكن أن تصدر أو تقر من أي من اللجان المختصة أو هيئة الخبراء أو مجلس الشورى لأنها ببساطة قرارات ذات هدف سطحي وتأثير عميق الخطورة.

أتمنى أن لا يسمح مستقبلاً لأي مؤسسة أو وزارة أو هيئة أن تتخذ قراراً يمس غالبية الناس في شؤون تعليمهم أو صحتهم أو أموالهم وأرزاقهم ما لم يمر عبر (قنوات الرحمة) مجلس الشورى ومجلس الوزراء.