مجتمع تعاميم

ما من مشكلة عرضت، ولا نقاش دار، ولا حوار، إلا ويكون الإجماع على أن أهم أسباب مشاكلنا هو غياب النظم والإجراءات، واعتماد سير مصالح الناس ومعاملاتهم على الإجتهادات، و”البركة”، ومزاج الموظف، ومدى توفر “الواسطة” والعلاقات، وفي كثير من الأحيان رغبات ذي مصلحة وأهدافه.
الاستمرار على هذا النهج خطير جداً، وليس أدل على خطورته من كونه سبب كل مشاكلنا لعشرات السنين، والعامل المشترك الأعظم لكل الفترات التي مرت على وزاراتنا الخدمية، مع تغير الوزراء والعهود.

إلى متى نستمر كمجتمع يسخّر أحدث التقنيات، ويطبق أكثر الآليات كلفة، ولكن بدون نظم ولا منظومات عمل مشتركة؟!، إلى متى نترك الحبل على الغارب لكل متمصلح، ومجتهد، ومتجاهل؟!.

غياب الخطوط العريضة الواضحة لكل إجراء ومعاملة مدعاة لهضم الحقوق، والظلم، واستغلال النفوذ، وانتشار الفساد الإداري بكافة صوره وأشكاله. وهو سبب رئيس لخسارة جهود كبيرة تبذل، وأموال تصرف لأن المحصلة الأساسية وهي رضى الإنسان لم تتحقق، بل إن كل جهود الدولة في هذا الصدد تتحطم على جبل من البيروقراطية والتوجهات الشخصية المتمثلة في رغبة مدير أو وزير في ترك الأمور عائمة ليحتاجه الناس، أو لتلبية احتياجاته!!.

وما دام الأمر كذلك، ولأن وطننا هو الأهم ومصلحتنا الوطنية هي الأولى فإنني أقترح منح كل وزارة ومؤسسة حكومية مهلة محددة غير طويلة لإعلان نظم وإجراءات سير كافة الأمور في الوزارة سواء ما يتعلق بمصالح الناس أو التوظيف أو المشاريع، نظم واضحة وشاملة ومفصلة وتعلن خطوطها العريضة في وسائل الإعلام على أن تكون خطوط عريضة غير مضللة أو عائمة ولا تقبل التفسيرات والاجتهادات ويمكن عن طريقها كشف التجاوزات للمراقب والمشتكي والإعلام.

كما أقترح أن يُطلب من كل وزير ومحافظ أن يشرح خططه ومشاريعه بعد مضي 120يوماً (أربعة أشهر) من تعيينه ليتم تقييم فترته على ذلك الأساس ويكون لدى مجلس الشورى عند دعوته للوزير أرضية للمقارنة وطرح الأسئلة حول ما أنجزته وزارته بناءً على خطته المعلنة.

إننا نعيش عهد شفافية وإصلاح، ومن أهم أولويات هذه المرحلة أن نطبق الشفافية في الإجراءات وسير المعاملات وسنجد أن الإصلاح في هذا المجال قد تحقق تلقائياً نتيجة لتلك الشفافية.

أما إذا استمر الشأن الاجتماعي، والشأن التعليمي، وكذلك الصحي، وغيرها من أساسيات الحياة، تسير بطريقة عشوائية تعتمد على تعاميم يومية، وخطابات سرية، وتعليمات آنية تعالج كل حالة على حدة أو تتأثر بحالة أو حادثة بعينها، فإننا سنجد أنفسنا كما نحن اليوم نغرق في أمواج من الورق ونثقل كاهلنا بأطنان من التعاميم المخبأة والتي لا تطبق إلا متى ما أراد الموظف وإذا شاء أخفاها.

اترك رد