المهنة والمصلحة

تتعالى صيحات الشكوى من الأخطاء الطبية وتتناولها كافة وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة بإيراد أمثلة “حية” مخيفة، وأخرى “ميتة” بحزن وغبن.
تعقد الندوات والمؤتمرات ويحاول البعض عبثاً التقليل من شأن الأخطاء الطبية، تارة بمقارنتها بإحصاءات أمريكا التي تسجل فيها الحالات وتوثق كاملة بينما لا يمثل ما يسجل لدينا ربع الحقيقة، وتارة أخرى يكون التقليل من أهميتها باتهام الإعلام بالمبالغة والتضخيم ليخرج وفي نفس القاعة رجل يحمل جمجمة ابنه في كيس بلاستيك لتجسد خليطاً من أشكال الخطأ الجراحي والطبي والتشخيصي والإهمال في التعامل مع حفظ جمجمة طفل حي وهو ما كشفه أطباء البلد التي نقارن إحصاءاتنا بها (أمريكا).

لذلك فإنني أكرر الاستشهاد بالمثل الإنجليزي الشهير عندما تقارن قارن برتقالة ببرتقالة وليس برتقالة بتفاحة وأضفت لأن المستفيد ال “يوسف افندي” لأنه بالفعل لا يستفيد من المقارنات المغلوطة إلا الأصغر، والأقل شأناً، والمغالط!!.

إعلامنا لم يكن يوماً من الأيام أداة مبالغة أو تضخيم بل ربما صبر واختصر، وساهم بسبب تحفظه في تفاقم المشاكل وخروجها عن السيطرة.

الدكتور غازي القصيبي، الإداري “المختص” الوحيد الذي تولى وزارة الصحة خرج لنا بتجربة ثرية وكشف ما كان مخفياً وعاد مخفياً، يقول الدكتور القصيبي في كتابه “حياة في الإدارة” ” وزارة الصحة هي الملاذ الوحيد، الخصم والحكم، بحكم غريزة البقاء، إضافة إلى روح النقابة ينزع جهاز الوزارة إلى الوقوف، صفاً واحداً، ضد شكاوي المواطنين. عندما أحس المواطنون أني أقف في صفهم لا في صف الجهاز كانت هذه ظاهرة جديدة ” انتهى ما ذكره الدكتور القصيبي.

وبطبيعة الحال ان هذا التحيز نحو الممتهن وليس المهنة يحدث في كل قطاع صحي يديره طبيب وجميعها الآن يديرها أطباء فوزارة الصحة مجرد مثال.

الآن وبعد مرور حوالي 23سنة أعاد الدكتور غازي ما كتبه في لقاء أجرته الزميلة ريما الشامخ “الإخبارية ” معه في رمضان وكرر أيضاً قوله ” تذمر عدد من الأطباء من موضوع نشر العقوبات وقالوا إن النشر يزعزع ثقة الناس في الأطباء مع أنني جئت وسمعة الأطباء في الحضيض، لأن الصحف كانت تنشر الكثير عن تجاوزات الأطباء ونشر العقوبات سيسهم في إعادة الثقة فعندما يشعر المواطن أن الطبيب المهمل سيحاسب سيتعامل باطمئنان مع الأطباء، فكنت أقول انه عندما تكف الصحف عن نشر التجاوزات سوف أكف عن نشر العقوبات، لم تكف الصحف ولم أكف أنا. التهاون لا النشر كان سبب انهيار الثقة”. (انتهى).

أما أنا فأقول إن الواضح أننا وبعد مضي ثلاثة وعشرين عاماً لم نستفد من تجربة الوزير الإداري المختص ولا من كتابه ولو حاول أحد الاستفادة فإنه سيجد أن التهاون لا النشر هو سبب تدهور سمعة مهنة الطب، هذا إذا كان الهدف روح نقابة حقيقية تعنى بالمهنة وليس الممتهن!! أو المصالح الخاصة!!.

اترك رد