ضمير منفصل

التناقضات تشير دائما إلى وجود خلل في التوازن، أو ما أسميه عرجاً في التعامل مع الأشياء ذات العلاقة بالتناقض أو الازدواجية .
لمزيد من الإيضاح دعنا نستعرض تعامل أجيالنا مع (تحليل) الراتب، أي التأكد من جعله حلالاً خالصا نقيا لا شوائب فيه وسنجد أن ثمة تشددا في جانب واحد فقط هو التأكد من عدم الحصول على الراتب من جهة تتعامل بالفوائد الربوية كبعض البنوك أو عدم شراء أسهم الشركات المشكوك في تعاملها بالفوائد والربا.

التأكد من نقاء الدخل ومشروعيته أمر جيد، والالتزام بالقيم والأخلاق مجتمعة شي عظيم، لكن ثمة أمثلة أخرى كثيرة ومواقف متعددة يغيب فيها الالتزام بالقيم في هذا الصدد من نفس الشخص أو الأشخاص الحريصين على نقاء مصدر راتب الوظيفة، مثل عدم إعطاء الأداء الوظيفي حقه وتعطيل مصالح الناس، أو استخدام الوظيفة في حرمان شخص من حقه و إعطائه لآخر، أو الكذب على مراجع للتخلص منه، أو منعه من الحصول على ما يخول له النظام الحصول عليه، وسبق أن تطرقت لمخالفة مشابهة تتعلق بحرمان مستهلك أو عميل من استخدام حقه في الضمان لجهاز بادعاء الموظف أن سبب الخلل سوء استخدام وهو ليس كذلك .

هذا التناقض المتمثل في الحرص على (تحليل) الراتب، وعدم الحرص على (تحليل) السلوك الوظيفي سببه، في نظري، يعود إلى التركيز في التربية والتوجيه والنصح والوعظ في كافة المنابر سواء في المدرسة أو المنزل أو المجتمع أو المسجد على شأن واحد فقط هو نقاء الراتب من التعاملات الربوية، وذلك التركيز جاء على حساب قيم أخرى لا تقل أهمية كالتي ذكرناها آنفا، إضافة إلى سلوكيات أخرى تجمع بين عدم الاهتمام بمشروعية دخل الوظيفة وقدر كبير من القسوة والغلظة وعدم الرحمة، مثل المدير الذي يفصل موظفا فصلا تعسفيا لأسباب شخصية وتصفية حسابات، أو لتغطية فساد مالي أو إداري، فهذا جمع بين عدم نقاء الراتب وعدم نقاء الضمير وغياب الإنسانية .

ونفس الشيء ينطبق على الموظف الذي يجرؤ على حرمان مريض من حق العلاج أو الحصول على سرير، أو تفضيل مريض على آخر أو على حساب حق مريض آخر في سرير أو علاج .

وذات التناقض ينطبق على من يحرم إنسانا من الحصول على حق شرعي أو مقاضاة شخص أساء إليه أو أصابه بضرر أو حرمه حقا .

ما الذي يجعل نقاء الراتب أهم من نقاء المرتبة أو الوظيفة؟! أعتقد أنه خلل في توازن التربية والوعظ فثمة تركيز على جانب دون الآخر مما جعلنا نسير بعرج واضح ونتعامل بضمير منفصل يركز على تحليل المصدر المالي ولا يأبه بتحليل السلوكيات في العمل.

اترك رد