قبل إنشاء مؤسسات المجتمع المدني والهيئات والجمعيات المهنية كنا نحلم بإنشاء تلك المؤسسات والهيئات والجمعيات بل نلمح (دون تصريح) للمطالبة بالموافقة على تأسيسها على أساس أنها باتت ضرورة مجتمع ولكي نساير المجتمعات الأخرى ولو بعض المسايرة.
بعد أن تمت الموافقة وتحقق بالفعل إنشاء جمعية وهيئة لحقوق الإنسان وجمعية لحماية المستهلك وقبل ذلك عدد كبير من الهيئات والجمعيات المهنية مثل جمعية الصيادلة وجمعية أطباء العيون وهيئة المحاسبين وهيئة المهندسين.. إلخ اتضح أننا ــ ويا للأسف ــ أشبه بطفل يصرخ مطالبا بالحصول على لعبة شاهد مثلها مع ابن الجيران وما إن حصل عليها حتى تركها (مركونة) في سلة الألعاب.
هيئة وجمعية حقوق الإنسان اشتغلتا بجوانب نادرة أو غير مؤكدة أو سلوكيات شاذة ما بين عاملة منزلية ادعت أنها عذبت ولم يثبت صحة ادعائها، بل ثبت لاحقا براءة المتهمة بتعذيبها، واحتجاج على طول خطبة يوم عرفة بحجة إطالة انتظار الحجاج مع أن يوم عرفة وقفة كله حتى غروب شمسها!!، وباختصار فإن كل من هيئة وجمعية حقوق الإنسان تبحث عن القضايا المشهورة المنشورة التي نالت الاهتمام المطلوب وتمت معالجتها، لتشتهر بها (وتصور معها) وتهمل القضايا الجوهرية الشائعة في المجتمع.
الجمعيات والهيئات المهنية بقيت بين عاطلة تماما ونائمة وسلبية لا دور لها إلا عقد ندوة كل خمس سنوات أو ارتداء المشالح للسلام على الرئيس الفخري ونشر خبر بذلك يتلوه سبات عميق، فهذه جمعية أطباء الأسنان ترى يوميا وعلى كل الفضائيات طبيب أسنان يقدم إعلانا تجاريا لمعجون أسنان ويدعي تحقيقه العجائب، فلا هي عاقبته ومنعته من تشويه المهنة ولا هي تبرأت من كونه طبيب أسنان، وجمعية الصيادلة تقف موقف المتفرج من أخبار يومية عن صيادلة يبيعون أدوية مغشوشة أو يصرفون الدواء دون وصفة أو يخالفون أخلاقيات المهنة ولا تتحرك، وهذه جمعية الأطباء ترى المجتمع بأسره يشكو من إهمال الأطباء لمرضاهم وعمل الأطباء الحكوميين في مستشفيات خاصة أثناء دوامهم الرسمي مسيئين للشرفين (شرف المهنة وشرف الوظيفة الحكومية) ولا تحرك ساكنا، وترى الأطباء يتاجرون بصحة الناس ويوجهونهم لشراء أدوية غالية أو أجهزة لهم منها نسبة ولا تردعهم، وحدها هيئة المحاسبين التي تعمل من أجل شرف المهنة وتشريفها، وعلى النقيض لا نسمع عن هيئة الصحفيين السعوديين وقوفها مع صحفي سعودي قط و إذا تعرض صحفي في نيكاراجوا للإساءة أعلنت عن شجبها واستنكارها.
لقد أثبتنا أن المشكلة ليست في (السماح) بإنشاء الجمعيات والهيئات المهنية إنما في (الحماس) لمن يتولاها (الحروف في الكلمتين واحدة والمعنى عكسي). فمثل هذه الجمعيات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني في المجتمعات التي حاولنا تقليدها تدار رحاها بفعل حماس أعضائها والإيمان القاطع بدورها والعمل من أجل هدف سام نبيل لإصلاح الممتهن ثم خدمته.
اليوم: أفريل 9, 2011
