لعل تسارع الأحداث وتلاحقها بما يخدم المزيد من الشفافية وتساقط الحواجز والأقنعة يجعلنا نقتنع أن الناس أصبحت تعي كل شيء ويزيدنا احتراما لعقلية البشر وفكرهم وتفكيرهم، فندرك أنهم يعلمون ويعون وينتقدون لكنهم لا يبدون ذلك بالضرورة إلا إذا طفح بهم الكيل، فالناس (العالمين) أي يعلمون كثيرا مما نعتقد أنه يخفى عليهم ويعلمون أن ما خفي كان أعظم.
الناس يدركون جيدا من يعمل؟ ومن يتحدث؟، ويدركون جيدا أن للعمل نتائج وللحديث مجرد رجع صدى ليس إلا، وهم يعلمون أن العمل الناجح هو نتاج عمل جماعي ونتاج عمل فريق متكامل، ويدركون بما أوتوا من نعمة الفراسة والذكاء أن القصيدة لا ينظمها إلا شاعر، واللوحة لا يرسمها إلا رسام والعمل الإداري لا ينجزه إلا المتخصص في الإدارة، والمحاسبي لا يبدع فيه إلا محاسب والهندسي لا يتقنه إلا المهندس والطبي يبدع فيه الطبيب كل حسب تخصصه الدقيق، الجراح العام لعمليات البطن وجراح الأعصاب للرأس والعصب وجراح العظام للعظم وأن رسم الخطط للمتخصص في التخطيط وأن الإبداع الأدبي للأديب، فما بال البعض يريد أن يبدو وكأنه الكل في الكل والظاهر الوحيد في الصورة على حساب كل هؤلاء؟!!، وكيف له أن يتوقع (وأمر وعي المجتمعات قد بلغ هذا المبلغ) أنه يقنع الناس بأنه الطبيب والأديب والمهندس والشاعر وجراح كل الأعضاء ورسام اللوحة والقانوني والمحاسب؟!!.
نجحت المجتمعات المتقدمة لأنها تؤمن بالتخصص وإعطاء كل ذي إنجاز حقه من البروز وعدم استغفال الناس بوهم الرجل الواحد، وبذلك شجعت الجميع على العمل والإبداع وجيرت النجاحات للفريق وليس لرئيس الفريق وتكاثرت فيها صور المبدعين في إنجاز واحد وأصبحت اللوحة تحمل عشرات الصور وعشرات الأسماء.
ما بال مجتمعنا لا يزال الوزير أو المحافظ أو المدير فيه يبرز نفسه وكأنه العامل الوحيد على حساب فريق العمل؟!، حتى أصبحت الوزارة لدينا أشبه بالساعة لا يرى منها إلا (عقرب) الدقائق وكأنه يتحرك بمفرده بينما الحقيقة أنه يخفي تحته كما كبيرا من (التروس) تدور لكي يتحرك وتختفي ليظهر هو.
إن من الصالح الوطني أن نبرز كل متخصص في مجال تخصصه ونشجع كل مبدع، ونكشف الغطاء الذي تفرضه شخصنة الرجل الواحد على المبدعين في دوائرنا، فمن حق الوطن أن يفخر بالكم الهائل من الكفاءات، ومن حق الوطن أن يفرح بجيل قادم يحاول البعض إخفاءه، ومن حق هذا الجيل أن تبرز إمكاناته ويستعرض قدراته فنحن سنكون في أمس الحاجة للتعرف عليهم ليحملوا عصا سباق التتابع، وما يحدث من حجب للمبدعين لمصلحة الرجل الواحد لا يصب في الصالح العام ولا يتناسب مع روح العصر وإن كان الناس يعلمون.
اليوم: أفريل 12, 2011
