بعد أن طارت الطيور بأرزاقها تذكر المهندسون أنه يفترض أن يكون لهم كادر خاص مثلهم مثل الأطباء والصيادلة والقضاة، مع أنني سبق أن ذكرتهم بذلك كثيرا مثلما ذكرت وأذكر المتخصصين في علم الإدارة الصحية أنهم أهملوا المطالبة بحقهم في ممارسة تخصصهم في إدارة المؤسسات الصحية وتركوه للأطباء ليتعلموا (الحلاقة الإدارية) في رأس الصحة، وقد نام المهندسون والإداريون عن إيضاح موقفهم والمطالبة بحقوقهم عبر المنابر الهامة ومنها لعبة الإعلام فذهب أهل (البالطوات) بالأجور مستغلين علاقاتهم المباشرة كأطباء فحولوا العيادات إلى غرف وشوشة وتوسل وتقديم معاريض.
نام المهندسون دهرا لم يطالبوا بكادر خاص مع أن لهم هيئة مهنية قديمة وعندما شاهدوا تجمع النساء (معلمات محو الأمية) أمام مكتب وزير الخدمة المدنية تذكروا حقوقهم فذهبوا إلى مكتب المسؤول الخطأ (وزير الخدمة المدنية) ظنا منهم أنه المسؤول عن تأسيس كادر لهم.
أريد أن أهمس في أذن كل مهندس واع (وهم كثر) بهمسة تاريخية، أنا غير مقتنع بمهنيتها ولا مؤيد لأسلوبها الخاطئ الذي هو أقرب للفساد والفوضى لكنها حدثت، ونجحت لأن ظروف مجتمعنا هيأت نجاحها، ألا وهي أن الأطباء عندما أرادوا صدور (كادر) أرادوه خاصا بهم فقط!! واستغلوا كون أكثرهم تعصبا لمهنة الطب كان وكيلا لوزارة الصحة آنذاك ففصلوا الكادر ليناسب الأطباء فقط دون بقية أعضاء الفريق الصحي، (يفترض بوكيل الوزارة والوزير أن يتعصب للصحة وكل الفريق وليس مهنته فقط)، فصدر الكادر ليمنح الطبيب كل شيء دون غيره، لكن رحمة ربي جعلت الصيادلة يشرحون وضعهم للدكتور عبدالرحمن السدحان نائب رئيس ديوان الخدمة آنذاك فوقف موقفا وطنيا مشكورا مع الصيادلة ثم الممرضين وأخصائيي المختبر والأشعة إلى أن تحول الكادر الذي خطط له سراً إلى لائحة تشمل الجميع.
لم يتجمع الأطباء أمام مكتب أحد بل استغلوا عياداتهم وعلاقاتهم، ليس هذا وحسب بل أن بعضهم اليوم ذهب إلى أبعد من ذلك وأخطر فعمل على إيجاد تصنيف جديد باسم التخصص المتميز النادر ليحصل هو على راتب مميز دون تعريف للتخصص الطبي النادر (تركوها عائمة) مقياسها الظهور الإعلامي والبهرجة فرغم قلة الأطباء النفسيين و أطباء الطب الشرعي، مثلا، فلم يصنفوا كتخصص نادر مميز وكأن النار جرت إلى قرص واحد بعينه!!، هكذا تدار الأمور أيها المهندسون الأفذاذ فكان يفترض بكم منذ عشرات السنين أن (تهندسوا) كادركم بالطريقة ذاتها التي لا أؤيدها ولا أحترمها لكنها تناسب ظروفنا، وأسلوب جربه الأطباء ونجحوا.
الشهر: أفريل 2011
«حيلة وزارية» ترهق الشورى
الجديد الذي جاء به حوار صحيفة الوطن مع رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد آل الشيخ هو التأكيد رسميا على ما كنا نردده ونشكو منه وهو أن الوزراء لا يعيرون مجلس الشورى الاهتمام المطلوب، وهذا التأكيد الرسمي والاعتراف الصريح الشفاف من رئيس المجلس يحسب له ولمن حاوره من جهة، أما من جهة أخرى فإنه يؤكد على مصداقية كتاب الرأي وصحة شكواهم وعدم مبالغتهم أو تجنيهم، عندما كانوا يشتكون من تضييع الوزراء لوقت جلسات المجلس التي تسمى (دعوة) أو استضافة في إلقاء محاضرة تستعرض ذات المنجزات غير المرئية وذات الأحلام التي تهدف للتمديد ثم محاولة الإطالة ما أمكن على حساب وقت أسئلة الأعضاء لكي يتلافى الوزير أكبر قدر ممكن من الأسئلة عن طريق إطالة كلمته من جهة، ثم إطالة الإجابة من جهة أخرى ليصبح الوقت الضائع أطول من كل زمن المباراة، فالجديد في هذا الصدد هو الاعتراف وهذا بحد ذاته (إنجاز) إذا تلاه علاج سريع كما وعد رئيس مجلس الشورى، وإلا فإنه ليس أسوأ من حدوث الخطأ إلا الاعتراف به دون المبادرة إلى سرعة معالجته.
الأمر الثاني الهام جدا والذي أوضح رئيس الشورى بمنتهى الشفافية أنه مشكلة لم يجد لها الحل، فهو أمر التقارير السنوية للوزارات التي يفترض أن ترفع لمجلس الوزراء ثم مجلس الشورى بصفة سنوية، لكن بعض الوزراء يتعمدون تأخير رفع التقرير حتى يصبح قديما ويحل موعد تقرير سنة جديدة مما يضطر مجلس الشورى لدمج تقرير السنتين عله يصبح تقريرا (طازجا) قابلا للمناقشة المفيدة ذات الجدوى، لأن التقرير إذا تقادم وأصبح في حكم الماضي لا جدوى من دراسته والتعليق عليه، وهذه (الحيلة الوزارية) يجب الوقوف منها موقفا حازما من قبل كل من يقتنع بدور الشورى ويرى في المجلس عونا للإصلاح ومكافحة الفساد وتصحيح الأخطاء.
إن الحل في تقوية مجلس الشورى للحيلولة دون الالتفاف على المجلس أو التهرب من أسئلة أعضائه وتفويت فرصة الاستفادة من أهل الاختصاص والخبرة، الذين يزخر بهم المجلس ويفخر الوطن بوجودهم تحت قبته، في مراجعة تلك التقارير، وتحية لصراحة رئيس مجلس الشورى، وإلى مزيد من الشفافية فدخول الشمس هو أساس الصحة!!.
تحقيق أحرج خصوم الهيئة
أمر هام لا بد لي من التوقف عنده، ولا أرى لأحد حق في (تفويته) ونحن نرى التحقيق الرائع والموسع المنشور في عكاظ أمس الأول الخميس والذي أجراه الزميل السباق نعيم تميم الحكيم عن الابتزاز وأرقامه المخيفة في مجتمعنا والتي وصلت 18808 حالات خلال عام واحد حسب الحالات المسجلة والرقم الأخطر الذي أعلنته المسؤولة عن مشروع الحماية من الابتزاز بمركز آسيا للاستشارات والتي أكدت رصد 20 ألف فتاة تعرضن للابتزاز خلال ستة أشهر.
الأمر الهام الذي يجب عدم تفويته هو أن هذه الأرقام الخطيرة ترد على كل من اتهم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بافتعال حالات الابتزاز التي كانت ولا تزال تنقذ ضحاياه من الفتيات بكل ستر ومهنية وقدرات عالية وإخلاص في العمل والنوايا، فقد حاولوا التشكيك في صحة الحالات والأرقام في وقت ظنوا فيه واهمين أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعاني من ضعف موقفها (الهيئة لا يمكن أن تضعف في ظل هذه الدولة التي تأسست على الالتزام بشرع الله واتخذت القرآن دستورا) لكن البعض تصور حاجتها إلى ادعاء تلك النجاحات، ومنهم من كتب مستغربا أن لا يمر أسبوع إلا ونشر خبر عن إنهاء الهيئة لمعاناة فتاة من الابتزاز، وتهكم قائلا هل يعقل أن تبتز فتاة كل أسبوع؟!!. والآن جاءت هيئة التحقيق والادعاء العام لتؤكد أنها تحقق في ثلاث حالات ابتزاز كل أسبوع أي أكثر مما كانت تصرح به هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للإعلام بثلاثة أضعاف وهو ما يؤكد أن هيئة الأمر بالمعروف كانت إنما تورد أمثلة وبتحفظ شديد وليس مبالغة كما يدعون، وأعتقد أن من لديه شعرة من المهنية يفترض أن يعتذر من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد هذه الأرقام التي جاءت من هيئة التحقيق والادعاء العام وكلتاهما هيئتان حكوميتان محترمتان تتحدثان عن حالات مسجلة ويتم التحقيق مع شخوصها.
الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية هو ضرورة ممارسة الجدية في دراسة أسباب شيوع جرائم ابتزاز الفتيات بهذه الأرقام المخيفة، والتركيز على دور الفتاة في إتاحة الفرصة لمن يتربص بها لابتزازها وهو ما لم يكن يحدث في السابق قبل الإنترنت ورسائل الإيميل والتصوير بالجوال وإرسال الصور عبر الوسائط وبطرق جد ميسرة وبعيدة عن إمكانية الرقابة وتفترض الثقة الكاملة في الفتاة وبالتالي لابد من توعية تمنحها المناعة ضد الإقناع واستغلال الطيبة، ليس هذا وحسب بل لابد من تذكيرها بأن دينها الإسلامي يحرم إطلاع غير المحرم على صورها إلا للضرورة ويحرم إطلاع كائن من كان على مفاتنها التي هي في الواقع أداة مساومة وابتزاز وتوعيتها بأن كل خروج عن آداب الأسرة يمكن أن يستخدم للتهديد حتى لو كانت مكالمة هاتفية وتبادل عبارات لا ترضى بأن يطلع عليها الأهل أو الناس على أساس أن الإثم ما حاك في نفسك وخشيت أن يطلع عليه الناس.
قالوا وقلنا
** قال طبيب العظام: لا ننصح بالتدخل الجراحي لعلاج آلام العصعص إلا في حالات نادرة.
– قلنا: (بس المرضى مندهشين يقولون نراجع الطبيب في المستشفى الحكومي يقول ما يحتاج عملية ونراجعه في المستشفى الأهلي يقول لازم عملية، مع أن الطبيب نفس الطبيب والعصعص نفس العصعص!!).
** قال تقرير هيئة الرقابة إن 454 مشروعا حكوميا متعثرا في عام 1430-1431هـ
– قلنا: ومتى يخرج الكرت الأحمر لمن أعثرها؟!
** قال ذات التقرير من هيئة الرقابة إن خزانات المياه في عدد من المدارس لا تصلح للاستخدام البشري!!.
– قلنا: لا مشكلة فهي تصب في دورات مياه لا تصلح للاستخدام البشري أيضا.
** قال نفس التقرير إن مسؤولين يصرفون لأبنائهم سيارات حكومية.
-قلنا: (وأنا أقول ليش التفحيط زايد؟!!).
** قال عضو مجلس الشورى الأستاذ حمد القاضي: أقترح دراسة إنشاء قسم نسائي لإفتاء المرأة في الرئاسة العامة للإفتاء ومرتبط باللجنة الدائمة للإفتاء.
– قلنا: أبا بدر من الحكماء الذين يسعون لصيانة الحقوق الجوهرية للمرأة شرعا وشعورا بينما يرى غيرهم حقها شعرا وسفورا.
** قالوا: واحد من كل ثلاثة مرضى عرضة للأخطاء الطبية في المستشفيات الأمريكية والتي تتراوح بين العدوى وترك أدوات في جوف المريض!!.
– قلنا وثلاثة من كل ثلاثة من هؤلاء المرضى يحصلون على تعويض بالملايين وعقوبات رادعة للأطباء.
** قالوا: امرأة بريطانية تنفق 20 ألف جنيه لتزويج كلبتها لأقبح كلب في بريطانيا.
– قلنا: الحمد الله.. تلاقي أم المرأة ووالدها يعيشان أقبح الظروف في دار مسنين دون زيارة.
** قالوا: مداهمة غباغبو رئيس ساحل العاج المنتهية ولايته في غرفة بفندق واعتقاله.
– قلنا: (ولايته انتهت بس عرقه ما بغى ينتهي).
** قالوا: وزارة التجارة تتصدى لمحاولات أصحاب أكشاك القهوة لرفع سعر كوب القهوة 11 %.
– قلنا: (شاطرين على سعر الكوب أما سعر الكيس فيرتفع 111 % دون تصدي).
** قال مدير عام الخطوط السعودية أن تقادم بعض طائراتنا وانسحاب (سما) و(ناس) من النقل الداخلي وتواضع مرافق المطارات أربك خدماتنا.
– قلنا: (نفهم من هذا أن ارتباككم إداريا طلع براءة؟!)
** قال وزير الصحة: التمريض أهم من الطب!!
– قلنا: قصدك في المحاسبة على الالتزام بالدوام.
** قال رئيس مجلس الشورى إن جلسات الوزراء في المجلس غير مفيدة وتشبه المؤتمرات الصحفية والوزير يضيع جزء كبير من وقتها في استعراض منجزاته وطموحاته.
– قلنا: هذا عيب (الجلسة) لا صوت فيها إلا للفنان والعود ولو كانت (مساءلة) لكان صوت الجمهور هو الأعلى؟!.
** قالوا: مستشفى الملك فهد بجدة يستقبل 5 حالات لأزواج قامت زوجاتهم ببتر أعضائهم الذكورية لشعورهن بـ (الخداع العاطفي).
– قلنا: (سياسة علي وعلى أعدائي).
«بلسم» أبو متعب أولى يا وزير الصحة
أمور كثيرة تعنى برعاية المواطن أولاها الملك عبد الله بن عبدالعزيز جل اهتمامه وتركيزه منذ توليه أمر رعيته أمد الله في عمره، وكان من ضمن أولوياته حفظه الله إيجاد نظام رعاية صحية فاعل وفعال يحقق حصول كل مواطن على حقه في العلاج المجاني والرعاية الصحية الشاملة والعادلة، فكان أن أعلن وزير الصحة السابق الدكتور حمد المانع عن نظام تأمين صحي شامل ومتكامل أشبع بحثا ودراسة وتبناه مجلس الخدمات الصحية ووافق عليه وأطلق عليه اسم (بلسم) وكان هذا النظام المدروس المتفق على تكامله بشرى كبيرة بثها معالي الوزير حمد المانع في مطلع عام 2007م على أساس أن يتم تطبيقه في نهاية عام 2009.م. ليصبح بالفعل نقلة نوعية في مجال الرعاية الصحية تضاهي ما يحدث في فرنسا وأستراليا وهما أكثر نظم الرعاية الصحية نجاحا في العالم.
مثل هذه المشاريع الوطنية المدروسة دراسة متأنية ووافية يفترض أن لا تختفي لمجرد تولي وزير بدل آخر خصوصا أنها من المشاريع المؤيدة من أطراف عدة قل أن يجمعوا على رأي واحد ومع ذلك اتخذ القرار في مجلس الخدمات الصحية على أن (بلسم) هو الأنسب لظروف المملكة العربية السعودية وقدراتها وإمكاناتها ووضعها الاجتماعي وتبنى المجلس هذا النظام.
وفي يوم الأحد الماضي تحدثت وزارة الصحة على هامش مؤتمر (الضمان الصحي خيارات وآفاق) بتصريحات بأن نظام التأمين الصحي الذي سيطبق لن يحمل المواطن أي تكاليف، وخلاف ذلك من التصريحات التي تشير إلى (بلسم) هو نفس البلسم ولكن بعد وضع اسم جديد وتوقيع آخر، وكمواطن ومتخصص درس نظام (بلسم) جيدا وناقش بعض من راجعوه من الأكاديميين وأثنوا عليه، واستغربوا (ركنه) في الأدراج كل هذه المدة، أجزم مفاخراً أن نظام التأمين الصحي (بلسم) هو إحدى هدايا هذا القائد العظيم والملك المحب عبد الله بن عبد العزيز لأبناء شعبه وهذا هو الأهم والأجدر بالاهتمام والتركيز، ولن يأتي مؤتمر اليوم الواحد أو اليومين ولا حفظ الملف لسنة أو سنتين بأي جديد غير تجديد التواريخ والأسماء والتواقيع وبالتالي فإن (بلسم) هو البلسم فأخرجوه سريعا من ذات الورق الجميل المعطر الذي لفه به الملك المحب وأهداه لشعبه فهو بلسم أبو متعب وذلك هو الأهم يا معالي الوزير.
أي مكان يضيق بأميرة ؟
لا أدري إلى متى يستمر تعاملنا مع الحالات الإنسانية المؤلمة مؤلما وجارحا للفؤاد ومخجلا للوطن إلى أن يتم عرض الحالة في وسائل الإعلام، ليخرج لنا المسؤول مؤكدا أن الحالة ستجد الاهتمام اللائق، ومرددا دون خجل (هذا واجبنا!!).
لماذا لا تسترون على الوطن وتسترون أنفسكم وتجد الحالات الاهتمام اللائق قبل النشر؟!، وطالما لديكم كل هذا الذكاء لمعرفة أنه واجبكم فلماذا لا تؤدون هذا الواجب دون أن تستفزوا مشاعرنا، وتحرجوا وطنا أعطاكم كل شيء ولم تقدموا له غير الوعود؟!.
التقرير الذي بثته قناة (العربية) عن أم عبد الكريم العجوز السعودية التي ترعى ابنتها أميرة والتي تبلغ من العمر 28 سنة، وابنها طارق وعمره 30 سنة، المعوقين ذهنيا وجسديا إعاقة شديدة وترعاهما معا لأن إدارة التأهيل الخاصة بالمعوقين والتابعة لمنطقة مكة المكرمة رفضتهما بحجة عدم وجود مكان!!.
الذي لم يشاهد التقرير، ولم يشاهد أميرة وهي تتدحرج على الأرض وتأكل ما يسقط فيها وتدخل أصابع يدها الأربع في فمها وتعض أصابعها وكأني بها تعض أصابع الندم على ضمائر ماتت ولم تدفن الأجساد التي تحتويها بعد!! يجب أن يشاهده ليعرف حقيقة وزارة الشؤون الاجتماعية.
طارق تحمله أمه وقد تخشب جسده النحيل وتيبست أطرافه وتضعه على الأرض وهي مجهدة، وتجمع قواها مرة أخرى لثني ساقيه وتثبيت ظهره الذي لم يجد في تلك الوزارة من يشد به الظهر.
أي مكان يضيق بأميرة الشابة (28 سنة) وهي في هذا الوضع من الإعاقة الشديدة جسديا والإعاقة الذهنية التي تصفها أمها بقول مختصر (إذا غفلت عنها أكلت حفائظها!!).
أي مركز تأهيل هذا الذي لا يقبل شابا عمره 30 سنة تتجسد في جسده المتيبس كل صور الحاجة إلى رعاية متخصصة.
بل أي جاهل هذا الذي يفرض على أم أن تتولى رعاية رجل (30 سنة) وامرأة (28 سنة) بالقول (خليهم عندك في البيت)!! (تخليهم في البيت ليش؟!) هؤلاء منذ طفولتهم مسؤوليتكم التي تستلمون رواتبكم بناء عليها، وبعد بلوغهم أصبحوا مواطنين بالغين مكانهم الطبيعي في مؤسسات أنتم مسؤولون عنها، فإذا كنتم دون هذه المسؤولية فأنتم من يجب أن (نخليه في البيت).
منذ 28 سنة والدار لم تتسع لأميرة وطارق فماذا قدمتم غير التصريحات؟!
ألم يقل لكم خادم الحرمين الشريفين منذ سنوات أن لا عذر لكم؟! فلماذا لم توسع الدار، بل لماذا لم تعمر الدار التي تقولون إنها ستتسع لـ 1500 معوق؟!
ألم يقل لكم ملك الإنسانية إن المسؤولية من رقبتي إلى رقابكم ومنحكم أعلى ميزانيتين مرتا على هذا الوطن الكريم فلماذا بخلتم بها على أم عبد الكريم؟.
الوزير كل شيء
لعل تسارع الأحداث وتلاحقها بما يخدم المزيد من الشفافية وتساقط الحواجز والأقنعة يجعلنا نقتنع أن الناس أصبحت تعي كل شيء ويزيدنا احتراما لعقلية البشر وفكرهم وتفكيرهم، فندرك أنهم يعلمون ويعون وينتقدون لكنهم لا يبدون ذلك بالضرورة إلا إذا طفح بهم الكيل، فالناس (العالمين) أي يعلمون كثيرا مما نعتقد أنه يخفى عليهم ويعلمون أن ما خفي كان أعظم.
الناس يدركون جيدا من يعمل؟ ومن يتحدث؟، ويدركون جيدا أن للعمل نتائج وللحديث مجرد رجع صدى ليس إلا، وهم يعلمون أن العمل الناجح هو نتاج عمل جماعي ونتاج عمل فريق متكامل، ويدركون بما أوتوا من نعمة الفراسة والذكاء أن القصيدة لا ينظمها إلا شاعر، واللوحة لا يرسمها إلا رسام والعمل الإداري لا ينجزه إلا المتخصص في الإدارة، والمحاسبي لا يبدع فيه إلا محاسب والهندسي لا يتقنه إلا المهندس والطبي يبدع فيه الطبيب كل حسب تخصصه الدقيق، الجراح العام لعمليات البطن وجراح الأعصاب للرأس والعصب وجراح العظام للعظم وأن رسم الخطط للمتخصص في التخطيط وأن الإبداع الأدبي للأديب، فما بال البعض يريد أن يبدو وكأنه الكل في الكل والظاهر الوحيد في الصورة على حساب كل هؤلاء؟!!، وكيف له أن يتوقع (وأمر وعي المجتمعات قد بلغ هذا المبلغ) أنه يقنع الناس بأنه الطبيب والأديب والمهندس والشاعر وجراح كل الأعضاء ورسام اللوحة والقانوني والمحاسب؟!!.
نجحت المجتمعات المتقدمة لأنها تؤمن بالتخصص وإعطاء كل ذي إنجاز حقه من البروز وعدم استغفال الناس بوهم الرجل الواحد، وبذلك شجعت الجميع على العمل والإبداع وجيرت النجاحات للفريق وليس لرئيس الفريق وتكاثرت فيها صور المبدعين في إنجاز واحد وأصبحت اللوحة تحمل عشرات الصور وعشرات الأسماء.
ما بال مجتمعنا لا يزال الوزير أو المحافظ أو المدير فيه يبرز نفسه وكأنه العامل الوحيد على حساب فريق العمل؟!، حتى أصبحت الوزارة لدينا أشبه بالساعة لا يرى منها إلا (عقرب) الدقائق وكأنه يتحرك بمفرده بينما الحقيقة أنه يخفي تحته كما كبيرا من (التروس) تدور لكي يتحرك وتختفي ليظهر هو.
إن من الصالح الوطني أن نبرز كل متخصص في مجال تخصصه ونشجع كل مبدع، ونكشف الغطاء الذي تفرضه شخصنة الرجل الواحد على المبدعين في دوائرنا، فمن حق الوطن أن يفخر بالكم الهائل من الكفاءات، ومن حق الوطن أن يفرح بجيل قادم يحاول البعض إخفاءه، ومن حق هذا الجيل أن تبرز إمكاناته ويستعرض قدراته فنحن سنكون في أمس الحاجة للتعرف عليهم ليحملوا عصا سباق التتابع، وما يحدث من حجب للمبدعين لمصلحة الرجل الواحد لا يصب في الصالح العام ولا يتناسب مع روح العصر وإن كان الناس يعلمون.
هيئة مرجعية للأوامر الملكية
تفاعل إنسان وملك مثل عبدالله بن عبدالعزيز مع أبنائه هو مزيج خاص نادر يجمع بين مشاعر الأب الحاني التي لا يعادلها شعور ومشاعر الرجل الشهم المملوء بالعواطف الجياشة وحكمة القائد الذي أوتي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، وهذا المزيج الخاص النادر لا يجدر بنا افتراض تواجده في غير الملك القائد، وبالتالي فإنه من غير المستغرب ولا الغريب أن تصدر الأوامر الملكية واضحة جلية مفصلة ثم يأتي مسؤول يتردد في استيعاب شموليتها أو ينظر لها بعين الاستثناء قبل العموم وعين الحرمان قبل الشمول، فهذا المسؤول أو الموظف لا يملك ذات المزيج الخاص النادر.
الأصل في الأوامر الملكية السامية التعميم ما لم يذكر الاستثناء والشمول ما لم يحدد المشمول وبالرغم من أن الـ 21 أمرا التي أصدرها الملك ــ حفظه الله ــ وقبلها كثير كانت واضحة ومفصلة ومجددة، إلا أن كثيرا من الكتاب ومنهم الفقير إلى عفو ربه توقع أن يأتي من يتردد في الفهم ومن يضيق الواسع وحددنا ذلك سلفا وحدث فعلا، لأننا ندرك من واقع تجارب وخبرة أن المسؤول المعني بالتنفيذ إما أن يكون ألمعيا جريئا مدركا لأبعاد الأمر ومتفاعلا معه وهذا لا مشكلة منه، أو أن يكون بيروقراطيا تلبست البيروقراطية السلبية أداءه وسمعه وبصره فهو جامد لا يتحرك إلا بتفسير مفصل لكل كلمة أو أن يكون مكتفيا لا يعاني ما يعانيه من استهدفتهم الأوامر ولا يمكن أن يتخيل ظروفهم لذا فإن الكل في نظره مستثنى مثله من المعاناة أو أن يكون شخصا مجبولا على تضييق الواسع، يده مغلولة إلى عنقه لا يرى حقا لمستحق ولا شمولا لمشمول بما في ذلك هو ومن حوله، وليس أدل على صحة هذا التقسيم من أن كل تساؤل أو تظلم أو شكوى من موقف سلبي لمسؤول أو جهة انتهى إلى قرار بالشمول لا الاستثناء وهو ما يدل صراحة إلى أن المشكلة إنما تكمن في الأشكال الأربعة الأخيرة التي كل واحد منهم يحتاج إلى دفع ودافع وهو من الضعف بحيث يحتاج إلى دعم خاص وسند شخصي لكي يتجاوب مع أمر عام سام.
لذا فإنني أقترح إنشاء هيئة عليا مرجعية للرد على الاستفسارات حول الأوامر الملكية السامية ودفع الضعيف في الإدراك واتخاذ القرار إلى تنفيذها بدلا من أن تكون الآلية كما حدث مؤخرا: تظلم إعلامي ثم تجمع لمقابلة مسؤول يساوف ويتردد حتى يأتيه توجيه بالشمول، كما أقترح أن تكون هذه الهيئة من أقرب الناس احتكاكا بالملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز وتأثرا بشعوره ومشاعره ومواقفه الحانية.
تسفير المرضى النفسيين
كنت تناولت كثيرا موضوع الهائمين في الشوارع دون رعاية ومعظمهم بكل تأكيد من المرضى النفسيين الذين لم يجدوا الرعاية الصحية المستحقة والتنويم والإيواء الصحي الذي تستدعيه حالاتهم المرضية وكنت أطلق على المرض النفسي عبارة (نصف الصحة المهمل) على أساس أن المرض لا يخرج عن مرضين إما عضوي أو نفسي ولعلنا في البرنامج الأشهر (99) في التلفزيون السعودي بقناته الأولى تناولنا شأن الهائمين في حلقة استثنائية عرضت بالصورة والصوت لحالات تدمي القلب ويندى لها الجبين بمرضى نفسيين هائمين في الشوارع والحدائق والعشش لا يجدون لا رعاية صحية ولا اجتماعية.
بطبيعة الحال فإن جزءا أساسيا وهاما من معاناة هؤلاء البشر يكمن في خطورتهم على أسرهم وعدم قدرة الأسرة على التعامل معهم خاصة في حالة حدوث النكسة النفسية أو الهيجان وكثيرا ما سمعنا عن ابن يقتل والدته أو يهشم رأس والده المسن أو ينحر شقيقه وكل هذه الحالات دون أدنى شك هي حالات مرضية نفسية إلى جانب دور المخدرات وتعاطي المخدرات هو الآخر أحد مسبباته أو أهمها الاضطراب النفسي.
إذا فإن مشكلة الهائمين في الشوارع هي مشكلة نفسية بحتة ولا تقارن بما يحدث في الغرب من أنها مجرد عدم الحصول على مأوى أو عدم امتلاك منزل، لذا يسمونهم (الهوملس) فالسبب لدينا هو غياب الرعاية الصحية النفسية تماما مما جعل كل حي في كل مدينة أو قرية لا تخلوا من وجود مريض نفسي يجوب الشوارع ويتربص بالمارة ويقطن كبائن الصراف الآلي للبنوك بحثا عن البراد صيفا والدفء شتاء ويشكل خطرا كبيرا على سكان هذه الأحياء وأحيانا رعبا لهم وعائقا دون توجههم للمسجد خاصة في أوقات الهدوء وتحديدا صلاة الفجر وهذا الخطر على الناس ليس جديدا والخطورة على أفراد الأسرة والمعاناة أيضا ليست جديدة، الجديد هو أن بعض هؤلاء المرضى النفسيين أصبحوا عرضة للترحيل كونهم لا يستطيعون التحدث والتعبير ولا يحملون هوية أو لا يكترثون بحملها ولعل حادثة الشاب الذي رحل إلى نيجيريا بسبب عدم قدرته على التعبير والتعريف بنفسه وهويته لإصابته بمرض نفسي كانت السبب الرئيس فيما حدث له من ترحيل خاطئ لم تتمكن أسرته من العثور عليه إلا في غابات نيجيريا.
أنا لا أحمل رجال الجوازات أية مسؤولية في هذه الحالة تحديدا لأنها مشكلة رعاية صحية بالدرجة الأولى ولأنها أزمة مركبة لا حيلة فيها لا للشخص نفسه ولا أسرته ولا المجتمع من حوله ولا رجال الجوازات وإنما إهمال نصف الصحة تماما إضافة إلى الإهمال الجزئي الكبير للنصف الآخر، فهل تنبهنا هذه الحوادث المتتالية إلى أن مشكلة المرضى النفسيين تخرج لنا في كل يوم بصورة مخيفة، قتل، اعتداء، تخويف، ترحيل.
مؤسسات المجتمع المدني.. لعبة أهملناها
قبل إنشاء مؤسسات المجتمع المدني والهيئات والجمعيات المهنية كنا نحلم بإنشاء تلك المؤسسات والهيئات والجمعيات بل نلمح (دون تصريح) للمطالبة بالموافقة على تأسيسها على أساس أنها باتت ضرورة مجتمع ولكي نساير المجتمعات الأخرى ولو بعض المسايرة.
بعد أن تمت الموافقة وتحقق بالفعل إنشاء جمعية وهيئة لحقوق الإنسان وجمعية لحماية المستهلك وقبل ذلك عدد كبير من الهيئات والجمعيات المهنية مثل جمعية الصيادلة وجمعية أطباء العيون وهيئة المحاسبين وهيئة المهندسين.. إلخ اتضح أننا ــ ويا للأسف ــ أشبه بطفل يصرخ مطالبا بالحصول على لعبة شاهد مثلها مع ابن الجيران وما إن حصل عليها حتى تركها (مركونة) في سلة الألعاب.
هيئة وجمعية حقوق الإنسان اشتغلتا بجوانب نادرة أو غير مؤكدة أو سلوكيات شاذة ما بين عاملة منزلية ادعت أنها عذبت ولم يثبت صحة ادعائها، بل ثبت لاحقا براءة المتهمة بتعذيبها، واحتجاج على طول خطبة يوم عرفة بحجة إطالة انتظار الحجاج مع أن يوم عرفة وقفة كله حتى غروب شمسها!!، وباختصار فإن كل من هيئة وجمعية حقوق الإنسان تبحث عن القضايا المشهورة المنشورة التي نالت الاهتمام المطلوب وتمت معالجتها، لتشتهر بها (وتصور معها) وتهمل القضايا الجوهرية الشائعة في المجتمع.
الجمعيات والهيئات المهنية بقيت بين عاطلة تماما ونائمة وسلبية لا دور لها إلا عقد ندوة كل خمس سنوات أو ارتداء المشالح للسلام على الرئيس الفخري ونشر خبر بذلك يتلوه سبات عميق، فهذه جمعية أطباء الأسنان ترى يوميا وعلى كل الفضائيات طبيب أسنان يقدم إعلانا تجاريا لمعجون أسنان ويدعي تحقيقه العجائب، فلا هي عاقبته ومنعته من تشويه المهنة ولا هي تبرأت من كونه طبيب أسنان، وجمعية الصيادلة تقف موقف المتفرج من أخبار يومية عن صيادلة يبيعون أدوية مغشوشة أو يصرفون الدواء دون وصفة أو يخالفون أخلاقيات المهنة ولا تتحرك، وهذه جمعية الأطباء ترى المجتمع بأسره يشكو من إهمال الأطباء لمرضاهم وعمل الأطباء الحكوميين في مستشفيات خاصة أثناء دوامهم الرسمي مسيئين للشرفين (شرف المهنة وشرف الوظيفة الحكومية) ولا تحرك ساكنا، وترى الأطباء يتاجرون بصحة الناس ويوجهونهم لشراء أدوية غالية أو أجهزة لهم منها نسبة ولا تردعهم، وحدها هيئة المحاسبين التي تعمل من أجل شرف المهنة وتشريفها، وعلى النقيض لا نسمع عن هيئة الصحفيين السعوديين وقوفها مع صحفي سعودي قط و إذا تعرض صحفي في نيكاراجوا للإساءة أعلنت عن شجبها واستنكارها.
لقد أثبتنا أن المشكلة ليست في (السماح) بإنشاء الجمعيات والهيئات المهنية إنما في (الحماس) لمن يتولاها (الحروف في الكلمتين واحدة والمعنى عكسي). فمثل هذه الجمعيات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني في المجتمعات التي حاولنا تقليدها تدار رحاها بفعل حماس أعضائها والإيمان القاطع بدورها والعمل من أجل هدف سام نبيل لإصلاح الممتهن ثم خدمته.
