الشهر: فيفري 2012

الربيع الأول

يتم تعيين الوزير (أي وزير) ويمنحه الإعلام مدة المائة وعشرين يوما (أربعة أشهر) للتعرف على الوزارة ولملمة أوراقه والتعرف على مفاتيح العمل في الوزارة (ويفترض) أن يتعرف خلال هذه المدة، وهذا هو الأهم، على المراحل التي انتهى عندها زميله السابق ليبدأ منها رحلة عمل دؤوب قوامها أربع سنوات أو تزيد، يبشر خلالها وقبل مضي (سنة) إن كان متمكنا قياديا سريع البت وسريع الإدراك أو نصف المدة (سنتان) إن كان دون ذلك بإنهاء كل المشاريع التي بدأها الوزير السابق لأن ثمة مشاريع وإنجازات بدأها زميله السابق وهي إنجازات وطن ومن مال وطن وكلف بمتابعتها والعمل عليها مواطن واستنفر لإنجازها جهاز الوزارة بالكامل، وينتظرها مجموعة مواطنون ويفترض أن يواصل الوزير الجديد العمل على إنجازها تماما كما تحمل العصا في سباق التتابع، وتستمر العجلة في الدوران ثم تأتي بداية السنة (الرابعة وزارة) وقد أتم أيضا حزمة إنجازات ومشاريع وإصلاحات كان قد بدأها هو من حيث انتهى السلف.
هذا هو ديدن العمل في الدول التي جنت من هذا الأسلوب والإدراك والوعي تقدما سريعا وحلولا ناجعة لمشاكلها، فتجد الوزير فيها يخطط في الأربعة أشهر الأولى وينفذ خططه دون إعلان ولا ضجة ولا دعوة صحافيين وكتاب وزيارة صحف وعقد مؤتمرات صحفية، ثم يحتفل مع زملائه قبل نهاية نصف مدته بإنجازات الشوط الأول ويسخن للشوط الثاني.
بعض مسؤولي القطاعات الخدمية يتحدثون ويصرحون ويعلنون الوعود مبكرا، ثم لا يحدث شيء يذكر، فإذا جاء ربيع الأول من السنة الأخيرة ولم تحل المشاكل القديمة ولم تصحح الأوضاع الحرجة المزمنة بدأت تصريحات الشهر العربي الثالث (ربيع الأول) وكأننا نعمل إجراء تجديد استمارة أو رخصة أو بطاقة أحوال؟!.
يشكو الوطن والمواطن من بطء شديد في سير مشاريع تنموية بذل فيها الوطن مالا وفيرا وتوجيهات دائمة من القيادة، حفظها الله، بسرعة التنفيذ لكن مدة عمل بعض الوزراء تمضي دون إنجاز وتستمر الشكوى، ثم تأتي شكوى شهر ربيع الأول من تصريحات ووعود جديدة تهدف إلى البقاء.

أطفالنا يكرهون المدرسة من داخلها!

طلاب صغار وكبار يعتدون على زملائهم يوميا ويجعلون الذهاب إلى المدرسة بالنسبة لهم هما يوميا وقلقا دائما مما ينتظرهم من ضرب وإهانة وتنمر مستمر، الآباء والأمهات يعانون الأمرين من كره الطلاب للذهاب للمدرسة سواء الأطفال من طلاب المرحلة الابتدائية وحتى بعض الطلاب الكبار من طلاب المتوسط والثانوي، والسبب هو من داخل المدرسة من طالب أو مجموعة طلاب يسومونهم سوء العذاب يضربونهم ويهددونهم ويعيرونهم ويسخرون منهم وربما يمارسون ضدهم العنصرية والقبلية، كل هذا في ظل غياب تام لرقابة المدرسة الحكومية أو الأهلية على حد سواء بسبب عدم رقي التفكير وشمول الاهتمام وسعة النظر بما يولي الاهتمام بما يدور حول الطالب في بيئة يقضي فيها وقتا يفوق ما يقضيه في المنزل ويقابل فيه أناسا يختلفون عمن يقابلهم في المنزل والمناسبات وربما حتى في الحي!
الأهل يشكون من رغبة الطالب والطالبة في الغياب لأسباب يبدونها أحيانا ويخفونها كثيرا، والمدرسة وبسبب ضيق النظرة لا تعترف إلا بعذر طبي للغياب أو عذر اجتماعي يتعلق بالطالب أو أهله لا يقل عن وفاة قريب، لا تفكر المدرسة بكل أسف بأن العذر مرتبط بالمدرسة ولخلل فيها ولشخصيات من داخلها.
نحن ويا للأسف لا نعير دور الأخصائي الاجتماعي والأخصائية الاجتماعية أدنى اهتمام ونعتقد أن توظيفهما وأدوارهما تقتصر على الجمعيات الخيرية والمستشفيات ودون اهتمام أو صلاحيات لهما أيضا! ولو فعلنا دورهما في المؤسسات التعليمية لكشفنا عن كثير من جوانب الخلل بالغ الخطورة يرتبط بنفسيات وسلوكيات الطلاب ومعاناتهم في المدرسة والمنزل معا، فنحن نقارن سلوكيات صغارنا وشبابنا بسلوكيات نظرائهم في مجتمعات أخرى ونستغرب ممارساتهم وعدائيتهم ونحن لا نوليهم ذات الاهتمام الاجتماعي والنفسي الذي تعنى به المجتمعات التي نعيرهم بها ونقارنهم بشبابها.
يتفلسف البعض ويستهدف المناهج ونحن نهمل أهم العناصر وهو علاقة مجموعة من الطلاب في ما بينهم البين ونفسية طالب يجد في المدرسة سببا لتراكم عقد نفسية يفرغها في المجتمع «علينا الاهتمام بما يحدث داخل الأسوار إذا أردنا مصلحة من هم خارجها والمجتمع أجمع».

اليأس وضحية عفيف

ربما أصابنا اليأس من مسؤول لا يعير الرقابة الذاتية على أجهزته الاهتمام المطلوب، ولا يولي أجهزة المتابعة والعقاب والثواب ما تستحقه من الأولوية، بحيث يتم قياس الرضى عن الخدمات ورصد المخالفات ذاتيا وبطريقة مستمرة تضمن الردع عن التجاوزات أيا كانت صغيرة أو كبيرة، أصابنا اليأس من هذا السلوك المطلوب لأنه لم يتحقق رغم المطالبات والنداءات، وتوالي التجاوزات العظمى والصغرى دون إنشاء لأقسام الرقابة والمراجعة الداخلية في وزاراتنا الخدمية أو تفعيلا لتلك الموجودة شكلا.
دعونا والحال كذلك نطالب بأضعف الإيمان، وهو أن يتجاوب المسؤول مع الأحداث التي تصله جاهزة سواء كخبر صحفي مؤكد أو مقطع فيديو موثق ينقله الإعلام الحديث أو شكوى موثقة أو تقرير يرفعه للجهات المعنية مواطن مخلص غيور.
لم يسكت غضبنا وتجف دموعنا بعد قضية جوزاء دون تجاوب، حتى نصبح على مقطع فيديو مبكٍ لمجرم أو وحش يقسو على معوق في مركز للتأهيل الشامل في عفيف نقلته صحيفة عفيف الإلكترونية، ونقلته عنها مئات المواقع عبر تويتر وفيسبوك ورسائل الجوال والبلاك بيرى والواتس أب، ورغم تعدد الوسائل والانتشار الواسع للمقطع المؤلم، إلا أنه لم يحرك وزارة الشؤون الاجتماعية لطمأنة الناس بأن هذا المعتدي أخضع ولو للتحقيق.
قلت في تغريدة حزينة في حسابي بتويتر إنني أرجو أن يتم إخضاع ذلك المجرم القاسي للتحقيق والأهم في التحقيق معه أن يسأل إن كان شاهد مراقبا طوال فترة عمله أو إن كان يخشى من يراقبه في سلوكياته مع المعوقين (ليس في الفيديو ما يوحي بأنه يخشى الرقيب الأعلى فيما يفعل، أو أنه يتوقع رقيبا غير شخص اختلس التصوير وهو يرتعد خوفا).
إن ما حدث من سلوك غير إنساني ولامقبول واطمئنان من يمارسه، يدل دلالة واضحة على أن هؤلاء الأبرياء الذين يعيشون خلف أسوار مغلقة تركوا فريسة لمرضى حاقدين وقساة دون رقيب أو حسيب، ثم يأتي من يوجه الصحافة بالتثبت وعدم الاستهداف وعدم المبالغة وهم أنفسهم مثال صارخ للتقصير، فهل تعيد وزارة الشؤون الاجتماعية حساباتها وتتقي مغبة إهمال نزلاء دور لم يدخلوها لذنب ولكن لابتلاء فلا يزيدوهم بلوى؟!.

قالوا وقلنا

** قالت (عكاظ): ارتفاع أسعار البيض في الأسواق 20%.

* قلنا: نبدأ حملة مقاطعة بشعار (خلوه يفقس).

**

** قال عنوان صحفي: الرجل يحسن التصرف في وجود المرأة.

*قلنا: ليجذبها لإساءة التصرف.

**

**قال رسام الكاريكاتير هاجد: ( ماعاد نشوف البحر إلا على الخريطة!!) مشيرا إلى دفنه وبناء الشاليهات عليه.

*قلنا: ( ومن الدفن صار البر الأحمر).

**

** قالوا: صاحب شركة حافلات في استراليا يوزع ثروته على العاملين بالشركة بعد بيعها!!.

*قلنا: إذا أسس شركة ثانية حولوا عليه مساكين حافز!!.

**

**قالوا: أرنب يظن نفسه كلبا ويرعى قطيع من الأغنام في شمال السويد!!

*قلنا: العيب في الأغنام!!.

**

**قالت(عكاظ): وزارة التربية والتعليم تكتشف مديري عموم يعملون ويوجهون تكليفات ويصدرون تعاميم رغم انتهاء مدة صلاحياتهم!!.

*قلنا: (يعني انتهاء مدة الصلاحية ماهي مشكلة أطعمة ومعلبات فقط؟!).

**

**قالوا: استقالة وزير بريطاني بسبب مخالفة سرعة!!

*قلنا: من لديه مخالفة بطء أولى بالإستقالة.

**

**قالت (سبق): مركز صحي( يلملم) يشكو سوء النظافة وانقطاع المياه!!

*قلنا: الصحة تحتاج من (يلملم) فضائحها.

احذروا العرق

سبق أن أشدت بخطوة ألمانيا، فعندما اكتشفوا ارتفاع نسبة التلوث بالرصاص لدى الشبان عمدوا مباشرة إلى دراسة سلوكياتهم، ولأنهم وجدوا أنهم يشتركون في سلوك تعاطي الحشيش قاموا على الفور بتحليل عينات من الحشيش الذي وجد مع بعضهم، ورغم أن الحشيش ممنوع في ألمانيا كغيرها إلا أن ذلك لم يمنعهم من تكثيف التوعية بأن هذا النوع من الحشيش (مغشوش) بالرصاص وتحذير الناس من تعاطيه مع التأكيد على أن الحشيش ضار بمجمله وممنوع.
وكنت وبعون كلية الصيدلة سبقت ألمانيا في هذا الأسلوب، فقد نشرت في جريدة الرياض منذ ست سنوات وتحديدا في يوم الأربعاء 26 ربيع الآخر 1427هـ مقالا بعنوان (عرق وطني)، منبها إلى أن صناع العرق عندما يقبض عليهم أسود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأشاوس يجدون عندهم أشياء قذرة تستخدم في التخمير، وقامت كلية الصيدلة بتحليل بعض عينات العرق المصنع داخليا ووجد أنه يحتوي إضافات سامة شديدة الخطورة على العصب البصري وخلايا المخ وخلايا الكبد وتسبب السرطان، يستخدمون مواد بديلة للكحول الإثيلي الذي يخضع لرقابة مشددة في بلادنا ولله الحمد، فيضعون بدلا منه مادة «البايردين» التي تستخدم كمذيب صناعي وفي صناعة المواقد، وهي مادة تؤدي مباشرة إلى تكسر خلايا الكبد وثبت قطعا أنها من المواد المسرطنة، كما أنهم يستخدمون الكحول الصناعية والكحول المثيلي (ميثانول)، وهو النوع السام من الكحول ويسبب تلف العصب البصري وفقدان البصر التام بعد حين، كما أنه يسبب تليف الكبد بسرعة كبيرة، ومنهم من يستخدم كحول التعقيم في المستشفيات (الأيزوبروبايل)، وهو سام جدا وله تأثير مباشر على خلايا المخ والكبد والكلى ويسبب الفشل الكلوي بعد فترة قصيرة من الاستخدام بصورة مفاجئة.
وأتمنى أن يتبنى وطني بكافة أجهزته المعنية تكثيف التوعية بخطورة المشروبات الكحولية عامة على الكبد ومضاعفة الخطر وتسريعه بوضع تلك المواد شديدة السمية، فقد لوحظ كثرة حالات تليف الكبد وتلف خلايا المخ وتلف العصب البصري لدى متعاطي الكحول إلى جانب الأمراض الفتاكة وسرعة الوفاة لدى مدمني المخدرات، هذا إضافة إلى الإثم العظيم.

«قطو» بثلاثة «وجيه»

عند عودتي من حوار مدته ساعة في قناة المجد في برنامج ساعة حوار مع المذيع الممتع لمشاهديه المرهق لضيوفه المثير في طرحه، كنت مرهقا متأثرا بما شاهدت من حالات وسمعت من مداخلات مؤلمة ثم مكالمات (جوالية) لا تقل إيلاما، قررت قفل جوالي والاسترخاء محتضنا جهاز (الأيباد) أبحث عن أخبار طريفة أو مسلية تتناسب مع رغبة الترويح عن النفس، وقعت عيني على خبر لصحيفة (سبق) الإلكترونية عن ولادة القطة نيني في ولاية فلوريدا التي أنجبت هرة بوجهين في حالة نادرة وأطلق على الهرة اسم «هارفي دنت» على غرار ذي الوجهين أحد أعداء بطل رواية باتمان، شدني الفضول لمعرفة إن كانت هي الحالة الوحيدة أو الأولى، ففركت الفانوس السحري للسيد جوجل ليخرج مارده العجيب قائلا (شبيك لبيك)، قلت: أريد كل القطط التي بوجهين، رد قائلا غالي والطلب قليل في (القطاوة) وسيكون أصعب كثيرا وأكثر لو طلبت ذات الصفة في طبائع البشر، وأخبرني أن أول حالة مسجلة في موسوعة (جينيس) هي القطة فرانك ولوي التي عاشت بهذا الوضع 12 سنة كحالة نادرة؛ فالعادة ألا تعيش قطة بوجهين إلا أياما قليلة، (القطط لا تحتمل العيش بوجهين مثل بعض البشر!!).
الملفت في خبر الهرة الصغيرة هارفي دنت أن الوجهين يعملان مع بعضهما البعض، فعندما تأكل على جانب واحد يتحرك الجانب الآخر مثله تماما في ذات الوقت!!، قلت سبحان الله قطة بوجهين، (تشوه خلقي) ومع ذلك لا يخادع ولا يتحرك أحدهما بصورة تناقض الآخر، بينما بعض البشر يبدو بوجه واحد عريض لكنه يعمل بوجهين متناقضين وربما ثلاثة وذلك وربي (تشوه أخلاقي)، قلت للسيد جوجل سلم لي على السيدة المصون جينيس وقل لها عندنا (قطاوة) لكل منها ثلاثة وجيه و مابعنا بالكوم إلا اليوم!!، سجلي ياجينيس.

حرب الشائعات

أعان الله المخلص في أداء واجبه، فهو عندما يتعلق الأمر بمشهور أو مدير أو مدعي نفوذ، فإنه يعاني الأمرين في تطبيق الأنظمة أو محاربة فساد، أو نقد قصور، ليس لأن النظام يستثني أحدا أو أن أحدا محصن من النقد؛ ولكن لأن المشهور أو المدير يستنفر جمهوره وأصدقاءه وأقاربه لممارسة شفاعة باطلة لا تحسب أدنى حساب لخطورة وحجم المخالفة التي ارتكبها وأثارها على القيم والمبادئ أو على الآخرين، وضغوط عالية (الفولت) لا يهمها إلا أن فلانا عزيز عليها.
الشفاعة والمحاولات والضغوط عندما تواجه بالمبادئ والقيم الرفيعة والنزاهة والإخلاص ويتم رفضها من قبل الموظف ثم يجد الدعم من رئيسه المخلص هو الآخر فإن الشفاعة الهادئة تتحول إلى حرب ضروس وقصف يستهدف المخلص في التشكيك بصدق إخلاصه و نزاهته وشخصه ومحاولة تشويه سمعته والنيل منه وتحطيمه بقوة نشر الشائعات و القطر في الأذن والشكوى والمحاربة الخفية والمعلنة، تارة باتهام نواياه وتارة باتهامه بتصفية الحسابات و الشخصنة وقد يصل الأمر لفبركة ما يسيء لسمعته وعائلته وأبنائه.
بهذا فإن من يؤدي واجبه على الوجه الذي يرضي ربه هو في حكم المجاهد مما يلاقيه من العناء والمعاناة ورفض المغريات، وهؤلاء كثر في مجتمعنا ولله الحمد في مواقع كثيرة ووظائف عدة، منهم من يعمل في البلديات و أمانات المدن ومكافحة الفساد ومكافحة المخدرات والمرور والشرطة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصحافة وهيئة الغذاء والدواء والرقابة الصحية ومختبرات وزارة التجارة وحتى الإعلام الرياضي ومراقبة تسرب المياه، فالإخلاص لا يستثنى منه عامل ومحاربة المخلص لا تقف عند حد، والإعلام الجديد هو أحد أسلحتها؛ لكنه أيضا إحدى وسائل فضح ممارسيها.

محاكمات جدة المفتوحة ونافعة الغرق

أجوبة الخمسة المتهمين بالرشوة وأسئلة القاضي الدقيقة والمنطقية واعتراضات المدعي العام التي نشرتها «عكاظ» يوم الأربعاء الماضي في صفحة (أمان يا وطن) بقلم الزميل عدنان الشبراوي، تفتح آفاقا واسعة لتساؤلات عديدة لو طرحها كاتب صحافي صريح أو أثارتها صحيفة مهنية مخلصة أو حتى كتبها مدون في الشبكة العنكبوتية، فإن الكاتب سيتهم بالشخصنة وتصفية الحسابات والصحيفة سوف توصم بالفبركة وعدم المصداقية وحب الإثارة والمدون سيعتبر من خفافيش الظلام، لكن المحاكمة المفتوحة جاءت لتفتح أعيننا على واقع أليم ثابت لا مجال للتشكيك فيه ولا في من أورده.
نحن لا نشمت بالمتهمين، ومن الحكمة أن أسماءهم غير منشورة لأنهم لا زالوا متهمين وأبرياء من التهم الأكبر (الإسهام في كارثة جدة والرشوة) حتى تثبت إدانتهم، لكننا نتحدث عن الواقع والجانب الثابت المثبت المعترف به وهو أن لأحدهم 22 منحة وأن أحد الحاصلين على المنح طفل في المرحلة المتوسطة، وما أورده القاضي من أسئلة منطقية وعلامات تعجب (كيف يحصل موظف في الأمانة على 22 منحة في وقت وجيز وغيره من المواطنين تمر سنوات ولا يحصل على منحة واحدة ؟! وكيف يحصل طالب متوسطة على منحة أرض مع أفراد أسرته في حين لم يحصل عليها من هم أكبر سنا إلا لو كانت هناك تدخلات ومصالح) ورد الموظف المتهم مكررا أن المنح تمنح من الجهة المختصة دون تدخل من موظف مثلي على المرتبة العاشرة، ليعترض المدعي العام بأن موظف الأمانة لو كان شخصا عاديا لما حصل على المنح!!.
ذلك الواقع الغريب المتمثل في فوضى المنح وعلامات التعجب في أسئلة القاضي، ودفاع المتهم، وحجة الادعاء العام جميعها تؤيد ما نكتب وما ينشر في الصحف والمواقع الإلكترونية عن صور الفساد والازدواجية والكيل بمكيالين وتأثير ذلك في المجتمع، وهو بالمناسبة لا يحدث في جدة فقط ولا في مدينة دون أخرى لكن إرادة العزيز الحكيم الذي لا يحمد على مكروه سواه جعل من ضارة جدة نافعة للوطن فجاء السيل ليغرق أبرياء في عمق الماء الطاهر وليطفوا الفاسدون ويظهروا على السطح.

ربط الشؤون الاجتماعية بالأرصاد

هل وصلت بنا الارتجالية وعدم التنظيم إلى درجة أن لا تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بتوزيع إعانات الشتاء للمحتاجين في المناطق الشمالية إلا بعد أن وصلت درجة الحرارة في تلك المناطق إلى ما تحت الصفر بأربع وخمس درجات؟!، سبحان الله وكأن الشتاء كارثة طارئة وليس فصلا سنويا موعده معروف!! وحقيقة فإننا نعاني كثيرا من هذا الخلل الدائم المتمثل في التحرك عند ساعة الصفر في كل شؤوننا الهامة وأحداثنا التي لا نحتاط لها الاحتياط اللازم، فلا نتحرك إلا بعد وقوع الفأس في الرأس، والشكوى من هذا السلوك أو الطبع المتأصل في دوائرنا شكوى دائمة وكنا نأمل أن نتجاوز هذا القصور بعد أن تلقينا الدرس تلو الآخر، ووقعت الفأس في الرأس كثيرا، لكن ذلك كان يحدث مع ظروف طارئة لم نحتط لها الاحتياط اللازم نتيجة غياب خطط الكوارث أو افتراض الحوادث، أما أن ينسحب ذات الطبع الخاطئ على ظروف مناخية معروفة تحدث سنويا ومتوقعة ومعتادة ومجدولة في الروزنامة السنوية ومع ذلك لا نتحرك لها إلا بعد حدوثها وكأنه حادث مفاجئ فأمر يدعو للعجب ويستوجب وقفة جادة ومراجعة مخلصة لطريقة تعاطينا مع المعونات الحكومية، فهل نحن نتردد في صرف المعونات الضرورية أملا منا في إمكانية عدم الحاجة إليها؟! فهذا في حد ذاته تجنيا على دعم حكومي لا يحق لكائن من كان منعه أو التقتير فيه، ولم يبق على الشؤون الاجتماعية والحال كذلك إلا أن تطلب ربطها بهيئة الأرصاد، أما أننا نتقاعس عن أداء الواجب ونؤخره ففي ذلك إهمال يحتاج لحزم يليق بحجم التقاعس، أما من لديه تبرير ثالث فأرجو أن يتحفنا به.

فشلتونا عندنا!!

لا بأس أن نطبق المثل الشعبي (كل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس)، فمن المقبول أن نتجمل للناس، ناسنا نحن، مجتمعنا نحن، ووفقا لديننا وعاداتنا وتقاليدنا نحن، ليس لكي نعجب أناسا آخرين قد لا يعجبوننا ولا يشابهوننا ولا يتفقون معنا في الدين ولا يتفقون معنا في العادات والتقاليد فكيف نسعى لكسب إعجابهم ورضاهم؟!.
أحيانا كثيرة أشعر أن لدى بعضنا شحا في الثقة بالنفس بحيث يسعى لتقليد لا لتقاليد، وبدلا من أن يثق بنفسه يوثقها برضا الآخر البعيد، وبدلا من أن يرتبط بمعتقداته وقيمه وعاداته يربط نفسه ومجتمعه بسلوك مجتمع مختلف يعاني عقلاؤه من هذا السلوك.
يفترض أننا مجتمع شب ويشيب على هدى دين يحث على الأقربين في كل شيء حتى في أولوية الصدقة، وبالتالي فإن الإرضاء والاقتداء يجب أن يعطيا ذات الأولوية للأقربين ليستمر التماسك والتناسق والتناغم في سلوكيات المجتمع وصورته العامة، وهذا بالمناسبة هو ما يحدث في كل مجتمع له جذور أصيلة وقيم ومبادئ وعادات يفخر بأصالتها ويحافظ عليها، حتى لو لم تكن قائمة على أساس ديني فكيف إذا كانت تقوم على أساس راسخ من كتاب مطهر وسنة خاتم الأنبياء والمرسلين.
نحن نعاني بلا شك ممن لا يملك قدرا كافيا من الثقة في النفس وبالتالي فإن ثقته في مجتمعه وعاداته وتقاليده وحتى تعاليم دينه تتأثر بنقص الثقة واهتزازها فتهتز شخصيته ويصدر منه ما يدعو لتقليد أعمى يراه بصيرا، والمشكلة الكبرى أو الأكبر عندما يكون صوته الإعلامي هو الأعلى أو عاليا بما يمكن من إسماع عدد كبير من الشباب فتنتشر عدواه وتزداد أعداد الإصابات بفيروس الشعور بالنقص.
لعلي أضرب مثلا شائعا وإن كان ليس هو الأخطر فيما ذكرت، ألا وهو انتشار عبارة (فشلونا عند الخواجات) والتي تتكرر إعلاميا وعلى مستويات كبيرة، وكأنه لا يعنينا إلا انتقاد (الأجنبي) الذي يعاني مجتمعه من سلوكيات نشاز تخالف حتى طبائع البشر، وفي المقابل لا نسمع من يقول (فشلتونا عند عقلائنا) فالأولى أن نسعى لنبذ ما يستفز السواد الأعظم وهم عقلاؤنا فنقول (فشلتونا عندنا).