الدوائر اليتيمة هي تلك التي ينشغل عنها المدير فلا يعيرها الوقت ولا الاهتمام وينشغل فقط بمصالحه الشخصية أو يديرها عن بعد وبأقل قدر من الاكتراث ظناً منه أن الأمور تسير على ما يرام، بينما الواقع أن المؤسسة كونها تتكون من مجموعة من البشر فإنها تستشعر غياب القائد الإداري مثلما يستشعر المنزل غياب رب البيت فيضيع فيها القرار ويستبد الموظف الفاسد ويستغل غياب المسؤول بمخالفة الأنظمة التي يجيد مخالفتها بحكم توفر الخبرة واستغلال غياب الرقيب والقائد، بينما الموظف الصالح يلتزم بأخلاقيات العمل ويحترم سيادة القائد الإداري الغائب وينتظر تواجده لينهي الإجراءات بشكل نظامي صحيح، فإذا طال الغياب تعطلت المصالح وتحركت المفاسد وتحولت المؤسسة إلى مؤسسة يتيمة ينخرها الفساد!!.
أما الدوائر التي يديرها جاهل فهي تلك التي يتواجد قائدها الإداري لكنه لا يملك أدنى مقومات الإدارة ولا يجيدها فوجوده كعدمه، لأنه موجود لكن قدراته الإدارية لا تتواجد، فيتخبط في الإدارة بما يضر بالمؤسسة ويحبط العاملين فيها.
الخطورة من النوعين لا تكمن فقط في تدهور مؤسسات قائمة وهامة، بل في عدم إلمام المدير الغائب أو ذلك غير المؤهل إدارياً بمشاريع هامة وحساسة تقع ضمن المؤسسة التي يديرها وعدم الإلمام هذا بأهداف تلك المشاريع والبرامج الهامة التي صرف عليها الكثير يجعله يسيء تقدير أهميتها ويعيقها بدون قصد، وبالتالي يهدر جهوداً وأموالاً وطموحات وطنية كبيرة.
السؤال الهام جداً هنا هو لماذا لا نستفيد من نجاح القطاع الخاص في استغلال الكوادر بوضع الرجل المناسب المؤهل في المكان المناسب والصرف عليه بإغداق رغم حرص القطاع الخاص على التوفير، فهي تجربة موجودة وناجحة وتستفيد من الكوادر السعودية ولكن بحسن اختيار، بينما يصر القطاع الحكومي على المجاملة وإهمال أهمية تأهيل وتفرغ القائد الإداري والتعامل مع المنصب وكأن (البلد ما فيه إلا هالولد).