الشهر: جانفي 2016

ملف مفقود من حقيبة وزير!

يأتي التعليم بعد الصحة مباشرة في ترتيب الوزارات التي شهدت تغييرات وزارية متتالية، ومن المؤكد أنه يأتي بعد الصحة أيضا في الأهمية البالغة كخدمة تقدمها الدولة.
رغم تغير حملة حقيبة التعليم من الوزراء في العشر سنوات الماضية، إلا أن محتويات الحقائب المتغيرة كانت واحدة أو متقاربة بشكل كبير، وأقصد هنا اهتمامات وتركيز الوزير الجديد في كل تغيير، فالاهتمامات كانت منصبة على أمور ليست ذات الأولوية، بل إن بعضها لم يكن أساسيا إطلاقا، مثل موضوع (تعليق الدراسة) والذي يعتبر موضوعا استثنائيا وليس من الأساسيات، حتى إحداث تغيير في المناهج لم يكن موضوعا أساسيا قياسا بالفشل في إيجاد ما يستدعي التغيير، فالموضوع برمته لا يعدو كونه وسيلة لتشفي فئة من أخرى.
لمنجد بعد وزير تعليم جاء متحمسا لإحداث تغيير في البيئة المدرسية بأكملها وهي الأساس، بدءا من المبنى المدرسي الحكومي الحديث غير المؤقت ولا المستأجر والذي يوفر ما يحتاج كل من الطالب والمعلم من تكييف ووسائل إيضاح ومعامل ومختبرات بحث وحاسوب شخصي وملاعب رياضية ودورات مياه صالحة للاستخدام الآدمي وتحقق النظافة والوقاية والتعويد على الرقي في التعاطي مع الحاجات الإنسانية، ومثل هذا المبنى المدرسي النموذجي الحلم كفيل بجعل الطالب يذهب للمدرسة بنفس مفتوحة ورغبة تكره أكثر ما تكره (تعليق الدراسة)، (أرأيتم كيف أن الأساسيات إذا وجدت الاهتمام جلبت معها آليا علاج الثانويات!!.
لم نجد بعد وزير تعليم جاء متحمسا لإحداث تغيير في الأمن المدرسي رغم شيوع التنمر (أهم أسباب النفور من المدرسة) ورغم تكرار الحوادث الجنائية (مضاربات بين طلاب وطلاب أو طلاب ومعلمين أو أقارب وأولياء أمور وشلل فزعات قد تصل لاستخدام السلاحين الأبيض والأسود).
الغريب أن تجد الأمور الثانوية التركيز الأعظم والأسرع فتكون هي الملف الأكبر في حقيبة التعليم الوزارية، بل هي سمة لوزير على حساب العمل الأكبر، بينما لو وجدت الأساسيات الاهتمام المطلوب لتحقق الأساسي والثانوي دون صراعات ولا مناكفات.

عن أي إنسان يدافعون؟!

منذ وجد الإنسان على أرض المعمورة ومنذ هابيل وقابيل والجريمة تقع بين إنسانين قاتل ومقتول، قاتل بسط يده لقتل أخيه وأخ قال (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك)، فأيهما أحق بالعقوبة وأيهما أحق بالحماية؟!.
عجبا لمن يدعون حماية حقوق الإنسان كيف يركزون على حماية الإنسان المجرم ويتهاونون في حماية حق الإنسان البريء والشواهد كثيرة والأمثلة متعددة والنتائج وخيمة وتصب جميعها في حرمان البريء من الحياة بقتله بدم بارد وربما يسبق القتل تعذيب ويعقبه تنكيل ومع ذلك تخرج قوانينهم الوضعية المجرم القاتل من الجريمة بأقل عقوبة، وكل عقوبة لا تصل حد القصاص قليلة، ولا تشجع على حياة الأبرياء (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون).
كل الدول والولايات التي ألغت عقوبة الإعدام ندمت واختل فيها نظام الحياة وبعضها عاد والآخر تعيش شعوبه رعبا وتتمنى العودة، وكل ذلك أمر لا خلاف عليه ولا غرابة فيه، إنما الغريب جدا أن تتفانى هيئات وجمعيات وأفراد في الانتصار للمجرم القاتل على حساب البريء المقتول، بل ولا تخرج وتتحدث وتعترض إلا عندما يتعلق الأمر بقتل مجرم بعد محاكمة عادلة وقبلها تحذير ومناصحة، بينما يتناسون تماما من قتل غيلة ودون ذنب بتفجير مبنى حكومي أو سكن أو القفز على منزل معاهد!، ويتناسون تماما أن من قتل عدوانا وغدرا خلفه أبناء و آباء وأمهات ومحبون من حقهم أن تشفى صدورهم بالقصاص من قاتله.
ويبطل العجب إذا علمت أن لتلك الهيئات والجمعيات أجندات سياسية ودينية موجهة ضد المملكة العربية السعودية، البلد الوحيد الذي يطبق شرع الله دون هوادة ولا تردد، وتلك الهيئات والجمعيات تستهدف شرع الله لا حق الإنسان فعلا وإلا فإن الأطفال والنساء والعزل في سوريا والعراق وفلسطين أحق بالحماية، بل إن راشيل كوري التي سحقتها دبابة إسرائيلية أمام عدسات المصورين كانت أحق بالنواح واللطم من مجرم قاتل حقير.
الأمر الأكثر عجبا والأحرى بوقفة وطنية حازمة هي تلك التغريدات الداخلية لمعرفات معروفة بمواقفها المعادية لكل حكم شرعي والموالية لعداوات غربية معروفة الأهداف والتي بدأت تنعق بأسماء نساء ورجال، تحملنا كثيرا تمردهن وتمردهم على تطبيق أحكام شرع الله في أوقات الرخاء ويجب أن لا نتحمل المزيد في أوقات الشدة فهؤلاء يحتاجون لردع يعيدهم للصواب أو يخرجهم من أوسع باب.

عضو شورى مستفز

من يعترض على مقدار الزيادة في أسعار الوقود مصرحا بأنها قليلة ويفترض أن تكون أكثر لا يقل ضررا بل يزيد، بل يزيد وأكررها بل يزيد ضررا على من يعترض على مقدار الزيادة بأنه كبير ومرهق، فكلاهما يثير استفزازا في نفوس العامة ليس هذا وقته ولسنا بحاجة له، لكن عضو الشورى الذي يطالب بمضاعفة زيادة سعر البنزين إلى المستويات العالمية (١٨٠ هللة) أكثر استفزازا وضررا من حيث لا يعلم أو جعلته (مجاملته) لا يعلم ولا يحسن التوقيت والأدوات، خصوصا أن أحدا لم يطلب منه هذه المشورة على مستوى القرار، وقديما قال المثل الشعبي (شور من لا يستشار مثل السراج في النهار!!).

الدولة أعزها الله درست الزيادة بعناية بحيث تتناسب مع مجمل ظروف اقتصادية من بينها انخفاض في سعر البترول، وهي ذات الدولة أعزها الله التي خفضت سعر الوقود إلى معدلات ميسرة جدا عندما كانت الظروف تسمح، والدولة ممثلة في مجلس الوزراء وهيئة الخبراء ومستشاريها لا تنظر للأسعار بعين الغني المستغني ميسور الحال الذي أوسع الله له في الرزق بسبب تجارة رابحة أو إرث كبير من أب أو أم، بل تحسب حسابا لمستور الحال والفقير والجائع والمعتر، وتدرس الأمور من هذا المنطلق الحكيم، بينما عضو الشورى الذي أشار دون أن يستشار ينظر لسعر البنزين مثل نظرة الطفل الفرنسي التي تريد من طفل أفريقي جائع لم يجد قطعة خبز أن يأكل كيكا!.

ثم يفترض من عضو شورى ينشد التجديد أن يجدد في دراساته المقارنة ففي دول العالم، التي يريد رفع السعر لسعرها، تتوفر بدائل نقل لا توجد لدينا، وكان الأجدر به أن يطالب باسم المواطن أن تطور تلك البدائل ويسرع بتوفيرها في كل مدينة وقرية حتى لا تخنقه رائحة التلوث من زيادة استهلاك وحرق البنزين، وإلا فإن الناس ستلجأ لسيارات الديزل الأرخص وتكتم أنفاس السيد العضو فلا يجدد له بسبب الحالة الصحية!


الهيئة.. وكيف زل الشورى؟!

أن يحجب هوى النفس بصيرة فرد أو اثنين فيطالب أو يطالبان بإلغاء جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستبداله بجهاز مشابه تماما هو (بوليس الأداب)، لا يختلف عنه في شيء إلا إبعاد الإطار الشرعي لجهاز الهيئة، وتماما كما ذكر الشيخ بدر العامر في برنامج «الأسبوع في ساعة» على قناة روتانا خليجية أن لدى هؤلاء حساسية للإطار الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا سبب تلك المطالبة الغريبة.
ارتكاب موظف جهاز لخطأ لا يبرر المطالبة بإلغاء الجهاز بأكمله، ولا يطالب بها عاقل وإلا لألغينا جهاز وزارة الصحة مع أول خطأ طبي! كما أن تشابه المهام بين الشرطة والهيئة لا يبرر المطالبة بإلغاء أحدهما، لأن تفاصيل الأدوار والتخصص وطبيعة العمل تختلف رغم تشابه المهام، فتشابه وزارة التجارة مع هيئة المواصفات لا يبرر إلغاء هيئة المواصفات، ولا تزال مهام وزارة الصحة تتشابه بل تتقاطع مع هيئة الغذاء والدواء ومع ذلك تلقى هذه الهيئة دعما متزايدا لا مطالبة إلغاء.
إذًا، هي الأهواء من تحجب عقلانية الرؤية وإضعاف البصيرة لفرد أو آخر، لكن الغريب أن تصيب الغشاوة رؤية ١٥٠ عضوا في مجلس الشورى أو على الأصح غالبيتهم، فيؤيدون توصية بأن تحدد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المنكرات، وهم يعلمون أنها هيئة تنفيذية لا تشريعية، وأن التشريع منوط بجهات تشريعية أخرى، وأن مثل هذا التحديد للمنكرات، إذا كانت غير معروفة، أو على أساس أن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات هو من اختصاص هيئة كبار العلماء، ويفترض أن تحدد المنكرات للهيئة لا أن تطالب بتحديدها!.
كيف فات هذا الأمر على جماعة يشكلون مجلسا يصوت فيه ١٥٠ عضوا ويؤخذ فيه بالغالبية؟! أمر جد محير، ولا تفسير له في رأيي الشخصي إلا أن المجلس افتقد للتركيز لأن تركيزه كان منصبا على الإسراع في خروج توصية بتحديد المنكرات ففات عليه أن تكون مستنكرة.