حاسب أصحاب الأرقام يا وطني

عندما صرح أحد الأكاديميين بأن مخزون المياه لدينا يعادل جريان نهر النيل لمدة 500 سنة، كان ذلك رقما مغالطا من شأنه أن يخدعنا، خصوصا أنه لم يمض إلا بضع سنوات وأصبح وضعنا المائي يدعو للقلق.

كان ذلك مثالا صارخا لعدم الاكتراث – ولا أقول عدم الدقة – في استخدام الأرقام بطريقة غير علمية ولا مهنية، كونها لا تقوم على دراسات فعلية، ناهيك عن دراسات دقيقة، فهي مجرد طرح جزافي تبرر فيه الغاية الوسيلة، وهذا سلوك مشين يجب وقفه ونحن نعيش عهدا يحاسب على كل فعل مشين.

التصريح المضلل عن مخزون المياه وجريان نهر النيل 500 سنة لم يكن الزلة الوحيدة لأصحاب الأرقام المغالطة غير الحقيقية ولا المسنودة بدراسات علمية محكمة ودقيقة ومتعوب على دراستها.

منذ حوالي 30 سنة ترددت نغمة مغالطة تدافع عن استفحال الأخطاء الطبية وتكرارها، وتقول هذه النغمة المغالطة إن أرقام ونسب الأخطاء الطبية لدينا أقل من تلك التي تسجل في أميركا، وهنا مغالطة واضحة جدا ومضللة ففي أميركا تسجل جميع الأخطاء الطبية مهما كانت بسيطة أو سطحية أو صغيرة فحتى رعاف الأنف لو حدث أثناء تدخل طبي يسجل ويقيد، بينما لدينا، في ذلك الوقت، لم يكن يسجل من الأخطاء الطبية إلا تلك التي تتسبب في وفاة أو إعاقة تستوجب إقامة دعوى، وحتى حينه فإن تسجيل إحصاءات الأخطاء الطبية ليس دقيقا ولا شاملا بحيث يقارن بما يتم في الولايات المتحدة الأميركية، والمؤسف أن نفس تلك النغمة المضللة طرحت في ندوة حول الأخطاء الطبية وآلية التعامل معها عقدت منذ أكثر من عشر سنوات وتحديدا في 4 أبريل 2010م مما جعل البعض يكررها لتبرير الأخطاء الطبية.

حديثا كاد بعض الأطباء ودون سند علمي أن يضللنا، مع بداية جائحة كورونا، بالقول إن الأنفلونزا العادية تسبب وفيات تصل لعشرات الآلاف، ملمحا إلى أن “كوفيد – 19” لا تختلف كثيرا عن الأنفلونزا العادية وأننا يمكن أن نتجاوزها بتركها تنتشر وتحدث مناعة القطيع، وهذا غير صحيح، بدليل أن الجائحة كانت هي الأعظم فقد بلغت الوفيات عالميا مليوني وفاة، والإصابات عالميا تجاوزت 88.5 مليون إصابة فكيف يقارن بالأنفلونزا العادية؟!، ونحمد الله ثم نشكر قيادتنا الحكيمة أنها كعادتها اتخذت نهجا مميزا وحرصا عظيما جعلنا الأقل تضررا والأكثر سيطرة وعناية ووقاية.

ما أتمناه، بعد الاستشهاد بهذه الأمثلة من التساهل في استخدام أرقام لا أساس لها من الصحة ولا مستند من دراسة دقيقة علمية ومحكمة، أن نضع حدا لهذا السلوك غير اللائق وتطبيق عقوبات على من يتساهل بادعاء أرقام وإحصاءات مضللة في كل مجالات الحياة.

نشر في جريدة الرياض يوم الاثنين 27 جمادى الأولى 1442هـ 11 يناير 2021م

اترك رد