اليوم: 14 يوليو، 2022

قاطع طريق مكة

منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وهذه الدولة -أيدها الله- تولي خدمة الحرمين الشريفين أهمية بالغة بل تضع خدمة حجاج بيت الله والمعتمرين في أولوية اهتمامها وعلى رأس خططها ومشروعاتها وأكثر مخصصات ميزانياتها نصيباً على مر السنين، وتحت كل الظروف الاقتصادية، وأخذ كل ملك تولى المسؤولية على عاتقه أن تكون له بصمة توسعة للحرمين الشريفين، بل مشروع تطوير وخدمة وتسخير للتقنية الحديثة لتخدم حجاج بيت الله.

في جانب الخدمات الأساسية، نعِم الحجاج برعاية صحية متقدمة مجانية، ورعاية وقائية، وخدمات طرق وإنفاق ونقل وإرشاد وعون ومساعدة لإتمام المناسك بيسر وسهولة وأمان وسلامة. وفي مجال التسهيلات وسبل الراحة تم تبريد بلاط الحرمين تحت أقدامهم وتظليل الممرات فوق رؤوسهم ورش رذاذ الماء البارد في المشاعر ليحميهم حرارة الجو. وباختصار، لأن التفصيل يطول، أنجزت مشروعات ضخمة جبارة مكلفة في مشاعر مترامية الأطراف، واسعة المساحات، قاسية الظروف، قربت البعيد وبردت الساخن، وسهلت الوصول وسخرت أحدث التقنيات (حتى الريبوتات) لخدمة الحرمين الشريفين.

وبعد وصول الخدمات الأساسية داخل المشاعر ذروة سنامها، جاءت رؤية السعودية 2030 ببرنامج خدمة ضيوف الرحمن، والذي يشتمل على خدمات وتسهيلات عدة منها مبادرة “طريق مكة” التي بدأت منذ عام 2017م، والتي ما كان ناوي للحج في المعمورة يحلم بها.

وفي مبادرة “طريق مكة” تقوم فرق تنفيذ المبادرة، التي أطلقتها وزارة الداخلية ضمن برنامج خدمة ضيوف الرحمن أحد برامج رؤية السعودية 2030، بجهود كبيرة في إنهاء إجراءات ضيوف الرحمن المستفيدين من بلدانهم، بدءًا من إصدار التأشيرة إلكترونيًا وأخذ الخصائص الحيوية، ومرورًا بإنهاء إجراءات الجوازات في مطار بلد المغادرة بعد التحقق من توافر الاشتراطات الصحية، إضافة إلى ترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة.

وفعلاً تم في حج هذا العام اكتمال وصول ضيوف الرحمن المستفيدين من مبادرة “طريق مكة” القادمين من صالات المبادرة في مطارات جمهورية إندونيسيا وجمهورية باكستان ومملكة ماليزيا والمملكة المغربية وجمهورية بنغلاديش، وتم استقبالهم على أعلى المستويات في إدارة الجوازات، وعدد من منسوبي الجهات الشريكة، وحظوا عند وصولهم إلى مطاري الملك عبدالعزيز الدولي بجدة والأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي بالمدينة المنورة، برعاية واهتمام، حيث خصصت لهم مسارات ينتقلون منها مباشرة إلى حافلات لإيصالهم إلى مقار إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، في حين تتولى الجهات الخدمية إيصال أمتعتهم إلى مساكنهم.

وأسهم في تنفيذ المبادرة كل من: وزارة الخارجية، ووزارة الحج والعمرة، ووزارة الصحة، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، والهيئة العامة للطيران المدني، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والمديرية العامة للجوازات، وشركة علم.

ووسط أجواء السعادة والشكر والامتنان البالغ التي أبداها حجاج بيت الله وأقاربهم وذويهم في بلدانهم وفي وسائل إعلامهم المنصفة المحايدة وعلى اختلاف انتمائهم وجنسياتهم ومواقف دولهم ومن بينهم رئيس البعثة الطبية الإيرانية الذي أجريت له عمليتان معقدتان في القلب والشرايين يستحيل أن تتم إلا في بلد متقدم طبياً وفي مستشفى متقدم وبكوادر فريق صحي عالي الكفاءة، أقول وسط أجواء الامتنان المتعددة تلك يجب علينا أن لا نلتفت إطلاقاً لخطب وعبارات وتغريدات الحاقدين الجاحدين، وهواتف العملة مدفوعة الأجر مثل ذلك  الخطيب المأجور الكاذب الجاحد الحاقد الذي يجب أن نترفع عن ذكر اسمه وما يقول، فلا أسميه إلا (قاطع طريق مكة) و أكرر نصيحتي بأن نتوقف جميعا عن إعادة نشر ما يقول امثاله حتى بهدف الرد عليهم.

    نشر في جريدة الرياض يوم الأربعاء 14 ذو الحجة 1443هـ 13 يوليو 2022م بعنوان(خدمة ضيوف الرحمن رأس الأولويات) وسقط سهوا ثلاثة أسطر.

الاعتماد على أبحاث الترقيات فشل

قبل أن نؤسس المركز الوطني لإنتاج الأمصال لسموم الثعابين والعقارب، درسنا مشكلة الوفيات من هذه المخلوقات في المملكة عن طريق دراسة واسعة لملفات الملدوغين بأثر رجعي لسنوات ماضية خاصة لمن توفوا – رحمهم الله -.

راجعنا، البرفسور محمد إسماعيل حامد وأنا آلاف الملفات في مستشفيات وزارة الصحة في مناطق المملكة، بعد أخذ توجيه بتسهيل مهمتنا من الدكتور عبدالرحمن السويلم وكيل وزارة الصحة آنذاك، ووجدنا صعوبة بالغة جدا في الوصول لحالات الوفيات نتيجة عضة ثعبان أو لدغة عقرب، لأن التقارير آنذاك لم تكن تذكر السبب الأساس للوفاة، كان يكتب مثلا (هبوط في القلب) أو (توقف التنفس) ولا يكتب أنه نتيجة عضة ثعبان، لكننا تتبعنا آلاف أصول الملفات وخرجنا بنتيجة متوقعة وهي أن الضحايا يموتون رغم إعطاء المصل المستورد في الوقت المناسب وبالجرعة المحددة فعرفنا أن المصل المستورد لا يعادل سموم ثعابين أو عقارب منطقتنا وأنه لا بد من تصنيع أمصال محلية، وفعلا أسسنا المركز في الحرس الوطني وأنتج أمصالا فعالة خفضت الوفيات إلى صفر لمن وصلوا المستشفيات وحقنوا بالمصل المنتج في الحرس، وما زال المركز يغطي احتياج المملكة ودول الخليج والدول المجاورة.

اكتشفنا أيضا أن الأبحاث المنشورة بهدف الترقيات عن توزيع الثعابين السامة في المملكة ليست دقيقة، فقد كشفت رحلات المركز للصيد أن الثعبان الأسود الصغير المسمي البثن أو الخبيث موجود في المنطقة الوسطى أكثر من الجنوبية (كانت الأبحاث تدعي أنه لا يعيش في الوسطى)، واكتشفنا أن أنواع ثعبان الكوبرا في الجنوبية أربعة سمومها متفاوتة وليست نوعا واحدا كما تدعي تلك الأبحاث، وكذا حية السجاد الشرقي في المنطقة الجنوبية تختلف عنها في الوسطى من حيث السمية.

المستفاد من كل ما سلف أن الأبحاث، التي تجرى بهدف حصول الأستاذ المساعد أو المشارك على ترقية، في غالبها تكون هشة سطحية مستعجلة ونتائجها غير دقيقة، وأن علينا أن نعتمد في خططنا وقراراتنا على أبحاث ودراسات جادة دقيقة يقوم بها الباحث أو الباحثون الوطنيون بأنفسهم وليس بالاعتماد على مساعد باحث من مصلحته استعجال النتائج أو (فبركتها) أو التحيز لتصور الباحث الرئيس وتوقعاته، وغني عن القول إن الدراسات التي تمت في خارج مجتمعنا قد لا تنطبق علينا إطلاقا خاصة منها الاجتماعية والسلوكية والنفسية وما يتعلق بالطبائع والعادات والتقاليد والدين.

إننا في أمس الحاجة لفرض إجراء الأبحاث الدقيقة والدراسات الجادة على الجامعات وكراسي الأبحاث وتطبيق حوكمة شديدة على مراكز الأبحاث والدراسات والكراسي والتشدد في تحديد المسؤولية عن النتائج بما يضمن نتائج محايدة صادقة ومحكمة علميا يمكن الاعتماد عليها.

نشر بجريدة الرياض يوم الأربعاء 7 ذو الحجة 1443هـ 6 يوليو 2022م

لا ترحموا المهرب والمروج وعالجوا المتعاطي

كنا في امتحانات كلية الصيدلة نعطى مادة مجهولة تماما ويطلب منا التعرف عليها عن طريق حقنها في فئران التجارب وملاحظة التغيرات على الحيوان ومنها تتعرف على العقار المجهول، وكانت مادة الأمفيتامين أسهل المواد للتعرف عليها، فبعد حقنها في جرذ التجارب يبدأ شعر جسمه في الانتفاش ثم يهيج ويصبح عدائيا شرسا مخيفا.

في المجتمع ليس من الصعب، حتى على غير الصيادلة معرفة متعاطي الأمفيتامين الخطر جدا ومشتقاته ومن أخطرها الشبو (ميثامفيتامين)، فعلامات السهر ثم العدائية والشراسة واضحة جدا، والأوضح منها الجرائم البشعة التي ترتكب بفعل تعاطيهما والتي أصبح العالم أجمع يعاني منها، وتثير أخبارها الذعر، من جرأة في السرقة وبشاعة في تعذيب الأطفال والضرب والعنف والقتل بدم بارد ودون أدنى تردد أو رحمة أو ندم.

وبالمناسبة فإن جرائم تعذيب الأطفال والنساء وكبار السن والسرقة والاعتداء بالضرب والعنف الجسدي والقتل ليست جديدة!!، الجديد فقط هو الكتابة عن أخبارها ونشر صورها في مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول يد كل من له يد، أي أن الكتابة عنها هي التي زادت وليس حدوثها أو طريقة ارتكابها.

أذكر أنه عندما قرر وطننا الغالي التعاطي مع مشكلات المخدرات بشكل أكثر شفافية ومكاشفة (وهي أهم سبل بدايات العلاج) كان ذلك عام 1404هـ وحينها كنت أعمل محققا صحافيا في جريدة الجزيرة، ولم أكن قط أقبل إجراء التحقيقات التقليدية العادية كتغطية احتفال ونشر كلمات وخلافه، بل كنت أركز على الموضوعات الاجتماعية وأذكر منها تحقيق دار العجزة والمرضى النفسيين وحماية المستهلك وتحقيق محلات الألعاب الإلكترونية (الباكمان) التي كانت تصطاد المراهقين والقصر وتجعلهم (يفاختون) من مدارسهم.

آنذاك أبلغني الأستاذ خالد المالك بالرغبة في فتح ملف المخدرات فأجريت حوارا مطولا (ثلاث صفحات كاملة) مع اللواء جميل الميمان مدير عام مكافحة المخدرات – تغمده الله بواسع رحمته -، وخرجت منه بعناوين صاعقة نشرت في عدد صحيفة الجزيرة يوم الثلاثاء 4 جمادى الثانية 1404هـ أذكر منها (قصة الطالب الذي باع الرداء الجامعي من أجل الحشيش) و(أحدهم تناول المخدر فاعتدى على كريمته جنسيا فأعدم، وآخر وضع المخدر في زجاجة خمر فقتل أصدقاءه) و(بسبب المخدرات أحدهم أحرق العروسين ليلة الزفاف)، وسبق أن كررت نشر تلك الصفحات في حسابي في (تويتر) لمن يرغب.

مختصر القول إن المخدرات أحد أخطر أعداء المجتمع في كل حين، وسبق أن ذكرت في تغريدة أن (الصاروخ البالستي الوحيد الذي يرسله الأعداء لوطننا ولا نستطيع إسقاطه هو المخدرات، فلا يسقطها إلا باتريوت وعي المواطن الأب والأم والإخوة ورجال الأمن والجمارك والمكافحة).

لذا علينا ألا تأخذنا رحمة ولا شفقة بالمهرب والمروج فنطبق عليهم أشد عقوبة رادعة حاسمة، وألا نتهاون في أمر المسارعة لعلاج من وقع في براثن المخدرات بكل ما أوتينا من إمكانات طبية ونفسية واجتماعية لإنقاذ من يمكن إنقاذه من الضحايا.

نشر في جريدة الرياض يوم الأربعاء 30 ذو القعدة 1443هـ 29 يونيو 2022م

تغريم من يفتي بغير علم

ما وقد أصبح كل يتحدث في غير فنه ويأتي بالعجائب من أجل كسب عدد من المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإنه يضلل الناس في أي شأن كان سواء صحيا أو بيئيا أو اقتصاديا أو استثماريا أو غذائيا ودوائيا أو حتى في أحوال الطقس، فإن عليه أن يتحمل غرامة تحدثه للعامة في وسيلة تواصل سريعة الانتشار عن أمر ليس في مجال تخصصه ولا يفقه فيه، وغير مرخص له تعليمه أو تدريبه أو الفتوى حوله.

الفتوى ليست دينية فقط، وعندما أسيء استخدام الفتوى في أمور الدين بغير علم سواء بالإباحة أو التحريم، تم قصر الفتوى على أهل الذكر وارتحنا كثيرا وإن كان البعض (رجالا ونساء) يتجرأ أحيانا في بعض البرامج التلفزيونية فيخوض فيما فيه اختلاف أو شبهات فيحلل دون أساس من علم أو دليل، إلا أنهم لا بد متوقفون أو مرتدعون.

الفتوى في أمر طبي أو دوائي أو عشبي أو أي شأن آخر من شؤون الحياة المؤثرة في الناس وفي قراراتهم وحياتهم الزوجية أو العائلية أو التربوية أو النفسية أمر خطير جدا ولا يقل خطورة عن الفتوى في مجال الفقه والدين، ويجب تقنينه والأخذ على يد من يمارسه لأهداف تجارية أو مصالح شخصية أو رغبة في كسب شهرة وانتشار لاسمه، وبالتالي عيادته أو إعلاناته أو اعتلائه لمنبر ليس مؤهلا له علميا وبموجب التخصص الدقيق، حتى لو كان تخصصه قريبا من المجال الذي يفتي فيه بغير تخصص، فمجالات العلم والطب والطبيعة وغيرها أصبح لها فروع دقيقة وترخيص نظامي لممارسة التخصص، فطبيب القلب لا يفتي في العيون وطبيب العيون لا يفتي في الأذن، وهكذا لبقية العلوم والتخصصات.

لقد كثر في الآونة الأخيرة اعتلاء صهوة الفتوى في مجالات دقيقة وحساسة ومؤثرة في حياة الناس فيركب صهوتها كل من استهوته الشهرة التي تحيط بالمجال حتى لو لم يكن من فرسانها، وذهب ضحية هذه الفتاوى كثير من العامة الذين يتعطشون للمعلومة ويثقون في كل من اشتهر وكثر متابعوه حتى لو كانوا بيض (تويتر) أو أشباح السناب أو سحالي (التيك توك) المجهولة، وحان الوقت لمحاسبة كل من يفتي بغير علم أو تخصص ودون استناد لدراسات وأبحاث وأرقام.

نشر في جريدة الرياض يوم  الأربعاء 23 ذو القعدة 1443هـ 22 يونيو 2022م