اليوم: 10 ديسمبر، 2013

رحلتي مع «الخمر المحلي»

لم يكن حادث مروري أو حادثان سبب التفاعل مع خطورة الخمر المصنع محليا كما يظن البعض، فقد استشعرت الخطر مبكرا وبحكم التخصص العلمي حاولت جاهدا التوعية بخطورته:

في عام 2005 كتبت في جريدة الرياض وقلت إن مقاطع تصنيع العرق تستخدم إلى جانب النفايات القذرة من الفاكهة المتعفنة وأواني الزبالة والمواسير الصدئة والأيادي الملوثة والمواقع التي غالبا ما تكون دورات مياه تعج بالصراصير ويختلط فيها ماء الحمام بماء الاستحمام، تستخدم إلى جانب هذا كله إضافات سامة شديدة الخطورة على العصب البصري وخلايا المخ وخلايا الكبد وتسبب السرطان.

إنهم يستخدمون مواد بديلة للكحول الإثيلي الذي يخضع لرقابة مشددة في بلادنا ولله الحمد فيضعون بدلا منه مادة (البايردين) التي تستخدم كمذيب صناعي وفي صناعة المواقد وهي مادة تؤدي مباشرة إلى تكسر خلايا الكبد وثبت قطعا أنها من المواد المسرطنة.

كما أنهم يستخدمون الكحول الصناعية والكحول المثيلي (ميثانول) وهو النوع السام من الكحول ويسبب تلف العصب البصري وفقدان البصر التام بعد حين كما أنه يسبب تليف الكبد بسرعة كبيرة ومنهم من يستخدم كحول التعقيم في المستشفيات (الأيزوبروبايل) وهو سام جدا وله تأثير مباشر على خلايا المخ والكبد والكلى ويسبب الفشل الكلوي بعد فترة قصيرة من الاستخدام وبصورة مفاجئة. وغني عن القول إن تأجير الدور العلوي من الجسد وهو المخ يعتبر من أخس الأفعال سواء كان المستأجر نقيا أو ملوثا فالمسكر في حد ذاته قتل لنعمة العقل فإذا ما صاحبه قتل للجسد فلا غرابة.

في 2006 أضفت مؤكدا: لأننا حتى في مجال التوعية نستورد المعلومة من الخارج والمعلومات حول المخدرات والتدخين متوفرة عالميا لكن العرق المحلي والإضافات الخطيرة التي يحتويها لا يمكن استيراد المعلومات عنها ويجب أن تكتب محليا وذكرت أن العرق يصنع محليا ولا تصنع عبارات التوعية وطنيا! لتوضيح المخاطر والأضرار التي ذهب ضحيتها الكثيرون.

وفي 2008 اقترحت وبناء على ما يسببه الكحول من أضرار اجتماعية بالغة وخطيرة يسببها المخمور وتنعكس على المجتمع أجمع في شكل حوادث جنائية أو أخلاقية أو مرورية فإن الحملة على الكحول يجب ألا تقل عن شراسة الحملة على المخدرات عامة سواء في التوعية أو العقوبات.

واقترحت تأسيس جمعية متخصصة متفرغة لمكافحة الكحول.

في 2010 أضفت معلومة قلت إنها غير مؤكدة وهي أن بعضهم وجد في براميلهم جرذان ميتة، وهذه حقيقة، ولكن هل استخدمت في إحداث تسريع التخمر أم أنها سقطت (سكرانة) داخل البرميل؟ هذا ما لم يثبت لدي بعد.. (اليوم ثبتت المعلومة).

في 2012 أعدت التحذير من خطورة العرق المصنع محليا ومن خطورة تزايد مدمني الكحول وخطرهم على المجتمع والوطن ومع ذلك أعتبر نفسي مقصرا مقارنة بحجم الخطر.

بقي الآن أن تقوم الجهات المعنية باتخاذ الإجراء الواقي والقرار الرادع وإلا فإن علينا أن نتحمل النتائج.

«ساهر» لا يوقف المخمور!!

شواهد كثيرة تشير إلى أننا يجب أن نقف وقفة أكثر حزما وأشد عقوبة مع الخمر وتعاطي الكحول وتصنيعه والتعامل مع مدمن الخمر علاجيا واجتماعيا ونفسيا ورقابة شديدة وقبل هذا وذاك حماية للناس من شره مروريا واجتماعيا وفي الشارع والحي.

ليس من قبيل الصدفة أن يتم القبض على خمسة عشر مخمورا دفعة واحدة في حادثة قبض واحدة، وليس من قبيل الصدفة أن يتم اكتشاف مصنع خمور مخبأ في منطقة تصريف «مجاري» ويتكون من مئات الجوالين، وعدة تصنيع كاملة، وآلاف من قوارير مياه الشرب الفارغة جاهزة للتعبئة والتوزيع.

وليس من قبيل الصدفة أن يقتل مخمور خمس أنفس زكية وهو يقود سيارته دون رقيب ولا متابعة مرورية وقائية تمنع تعريضه حياة غيره للخطر قبل وقوع الفأس في الرأس.

يجب أولا أن نعترف أننا نواجه مشكلة حقيقية كبرى مع الكحول سواء المهرب من الخارج والذي يبذل رجال سلاح الحدود ورجال الجمارك جهودا جبارة لمنع دخوله ولابد من زيادة دعمهم وتشجيعهم ماديا ومعنويا، أو الذي يتم تصنيعه في الداخل بطريقة التقطير (العرق المحلي) والتي تتم بمنتهى القذارة وبإضافة مواد كيماوية خطرة جدا على المخ والكبد والكلى وقد كتبت عن ذلك كثيرا بصيغة علمية وبحكم التخصص في الصيدلة، وهذا النوع يبذل أسود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهودا جبارة في اكتشافه والتخلص منه وتسليم العمالة التي تتولى صنعه للجهات الأمنية، ولابد من مزيد من الدعم والتشجيع لجهاز الهيئة معنويا وماديا وكف الشر إعلاميا لتمكينهم من الاستمرار في أداء هذا الدور الهام جدا مع أدوار أخرى لا تقل أهمية.

المرور يجب أن يعيد النظر في أدائه الذي تراجع كثيرا ميدانيا وأصبح يعتمد على التقنيات الحديثة مثل: كاميرات الرصد والتصوير وتسجيل المخالفة (ساهر) وهذا أسلوب فاعل في الرصد و جباية الغرامة، لكنه لا يغني عن مراقبة سلوك قائد المركبة في الطرق، وإيقاف من يقود بطريقة غير طبيعية ثم فرض عقوبة صارمة رادعة على من يقود وهو بحالة غير طبيعية سواء (مخمور أو متعاطي مخدر) حتى ولو لم يرتكب حادثا وليس بالتراخي المعمول به حاليا. طالما أننا نطبق أساليب دول متقدمة في الرصد والتغريم مروريا فعلينا أن نطبق ذات الصرامة في التعاطي مع من يقود مخمورا.

خمس أنفس زكية وقاتل غير زكي

إذا أحب الله عبده أنزل فيه البركة حتى بعد موته وبطريقة موته، وأظن أن عبد الملك الدحيم الشاب العائد للتو من أداء فريضة الحج وأخواته الأربع بإذن ربهم مباركين حتى في طريقة موتهم الأقرب للاستشهاد، فقد شاء الله أن يلقى ربه طاهرا مطهرا بعد أداء فريضة الحج مباشرة، وأن تكون وفاته وأخواته الأربع بسبب سيارة يقودها شخص في حالة غير طبيعية حسب (عكاظ) وحسب تأكيد قائد مرور شمال الرياض الرائد فهد الشقاوي، لـ «سبق»، الذي أكد أن قائد السيارة الفورد كان يسير بسرعة جنونية وهو بحالة غير طبيعية؛ وذلك من خلال محضر الاستشمام والشهود والتحليل الطبي في مدينة الملك سعود الطبية ومن المضبوطات التي وجدت في السيارة.

لقد وجه الشهداء الضحايا الخمسة بوفاتهم بهذه الطريقة رسالة للمجتمع والوطن والجهات الأمنية تنبه إلى خطورة تعاطي الكحول، وأن تحريمه جاء بسبب ما يحدثه من ضرر كبير يمر بكل المحرمات التي ترتكب بزوال العقل حتى يبلغ قتل النفس التي من قتلها فكأنما قتل الناس جميعا، بل وصل الأمر مع تعدد وسائل القتل، من سلاح رشاش و سيارات أشبه بالقذائف، أن أصبح القتل جماعيا ولأنفس متعددة.

من بركات ابن و بنات الدحيم، تغمدهم الله بواسع رحمته وألهم والدهم ووالدتهم المفجوعين الصبر والثبات، أن وفاتهم بهذه الطريقة وبذلك السبب قد تقود إلى حماية آلاف الأنفس بسن تشريعات ونظم وعقوبات رادعة لكل من يقود سيارة أو يحمل سلاحا وهو في حالة غير طبيعية، إضافة إلى عقوبة تناول المادة وارتكاب المحرم ومخالفة الأنظمة.

ومن بركاتهم أيضا أحياء وأمواتا أنهم أثبتوا أن التعاطي الإعلامي وفي مواقع التواصل الاجتماعي مع فقدان النفس البشرية يشهد كيلا بمكيالين!!، وحسب الأهواء، فهؤلاء الضحايا الخمسة والطفلان المصابان كانوا مسالمين، ولم يفروا من جهة رسمية وسالب أرواحهم مؤكد شخص مستهتر مسرع في حالة غير طبيعية حسب تصريحات رسمية وشهود ومع ذلك لم تتحرك لقتلهم ذات الأقلام وتطالب بوقف القتل بالمسكر ولأ نفس المغردين فيذرفون دموع الإنسانية الممتزجة بمطالبات بإلغاء جهاز حكومي، بل وحتى في أداء واجب العزاء اكتظت المقبرة بكل صادق في مواساته ومواقفه، وتكاسل عن تقديم العزاء من هدفه المتسبب لا الضحية.