اليوم: 31 ديسمبر، 2013

ما هكذا تنظف العاصمة المقدسة

حسب الصور التي نشرتها «عكاظ» أول أمس الأحد لمواطنين يتولون أعمال النظافة في العاصمة المقدسة بعد امتناع عمال شركة النظافة عن العمل فإن الطريقة كانت خاطئة تماما وأخطر من ترك المخلفات متراكمة، وكان من المفترض أن توقف تلك الممارسة الخطيرة في الحال وتتولى أمانة العاصمة المقدسة تعميد مقاول من الباطن أو مقاول بديل بتولي أعمال النظافة على حساب شركة النظافة وباستخدام سياراتها وأجهزتها وإمكاناتها المتاحة، ولا تسمح للمتطوعين من المواطنين والمقيمين بإزالة النفايات إلا بعد اتخاذ كافة الاحتياطات الصحية والتدريب. فالمنطقة ليست في حاجة للمزيد من الأمراض المعدية التي تنقلها الحشرات كالبعوض وتحديدا حمى الضنك أو القوارض كالجرذان حتى نضيف لها أمراضا تنقلها النفايات الخطرة عبر الدم أو الجهاز التنفسي.

في الصور بدا واضحا أن المتطوعين يجمعون النفايات بأيد عارية دون قفازات وفي ذلك خطورة الإصابة بجروح جراء الزجاج وتلويث دمائهم بمواد تحتويها النفايات قد تكون ملوثة بدم أو إفرازات آدمية أخرى فتنقل لهم أمراضا معدية كالتهابات الكبد الفيروسية أو الإيدز.

الكمامات كانت موجودة على بعض المتطوعين دون الآخر لكنها في كل الأحوال غير كافية ولا واقية من فيروسات وبكتيريا الجهاز التنفسي وليست الكمامات الواقية تماما المناسبة للاستخدام في مثل تلك الحالات مضمونة التلوث بجرعات كبيرة من مسببات المرض.

ذلك السلوك الخاطئ مرفوض تماما لو وجد لدينا وكالة طب وقائي فاعلة ونشطة، وكان يفترض أن يعترض الطب الوقائي على ذلك السلوك ، لكنه أثبت أنه مجرد كلام إعلامي دون وقاية فعلية (طبل وقائي)، والمؤسف أن مسببات العدوى والأمراض تلك تتزامن مع شح في العلاج والرعاية الصحية، فمن سيحمي المتطوعين؟!.

مثلما نصحنا في مقال الأمس (منفوحة منفوخة) المواطنين بعدم الاجتهاد والتدخل المباشر في الاشتباك مع مخالفي الإقامة وترك المهمة لرجال الأمن، ننصح اليوم بعدم تعريض المواطن والمقيم نفسه لأضرار نفايات خطرة وترك التعاطي معها لمن لديهم الخبرة وأدوات الوقاية الفاعلة، مع شكرهم على مبادرتهم لكن الوطنية الحقة تكمن في إجبار الشركة الممتنعين عمالها عن العمل على إيجاد البديل عبر تعاقد من الباطن.

منفوحة منفوخة

الذي لم يسكن في الأحياء الفقيرة ولم يتشرف بزيارتها والتجوال فيها حديثا، لا يعرف منفوحة ولا الجرادية والسبالة والظهيرة وثليم وغيرها من أحياء الرياض القديمة غير المجددة ولا المطورة ولم يتم التعامل مع تركيبتها السكانية بما يحقق الفصل بين العائلات الفقيرة والعزاب من العمالة غير النظامية أو حتى النظامية.

مشاريع الإسكان المتعثرة قديما ووزارة الشؤون الاجتماعية المحايدة دائما ووزارة الإسكان البطيئة حاليا تسببت في مشكلة سكان منفوحة وأخواتها ووزارة الداخلية وحدها تدفع الثمن سابقا وحاليا ولاحقا إذا لم تتحرك الوزارات المعنية.

هذه الأحياء اختلط فيها اللحم بالعظم وليس أصعب على أمهر الجراحين بل وحتى الجزارين فصل اللحم عن العظم.

رجال الأمن يعرفون منفوحة جيدا وكل ما يحتاجون إليه هو تعاون المواطنين في أمرين هامين، هما التبليغ والحذر ثم عدم التهويل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم إقحام أنفسهم في مخاطرة غير محسوبة وترك رجال الأمن يقومون بمهامهم بهدوء وحكمة وخلاف ذلك فإن رجالا خططوا لحملة التصحيح ونفذوها وأصروا عليها لن يغيب عن أذهانهم ما قد يحدث عند التنفيذ والتفتيش.

قنوات التلفزيون المحلي غائبة عن المشهد، وقنوات الفضاء التجارية سوف تهوله، وتبالغ في طرحه، وبين هذا وذاك سوف نفتقد للتوعية المتزنة للطرفين من سكان منفوحة (الساكن الضحية والساكن المخالف)، فالضحية سيخاف كثيرا والمخالف سينتفخ قليلا وسيتواجد الهلع والتشجيع على التمادي في المخالفة، ولو تمكنا من موازنة بين سلبية المحلي ومبالغة التجاري تقوم على تغليب الصالح العام والمصلحة الوطنية فإن (بالونة) منفوحة المنفوخة سيتم إفراغ هوائها دون خطر انفجار.

المهم بعد ذلك أن نصلح حال وزارتي الشؤون الاجتماعية والإسكان ونعجل بإصلاح حال أحياء الفقراء المختلطة.

نجح تصحيح وبقي تصحيحات!!

كشف إصرار وجدية خطوة تصحيح وضع العمالة في المملكة عن حقيقة أن الغالبية العظمى من العمالة بكل فئاتها، عمالة الشركات، وعمالة المؤسسات الصغيرة، ومتاجر الأفراد، و العمالة المنزلية، بل وبعض العمالة العاملة في مؤسسات حكومية كانت مخالفة أو في وضع غير نظامي وخطير.

نجحنا في بدء الحملة ونجحنا بمنح المهلة للتصحيح ثم نجحنا في الإصرار على انتهاء المهلة وعدم تجديدها، صحيح أننا سنعاني من شح العمالة عطفا على كون النسبة العظمى كانت عمالة مخالفة، لكن هذا ليس ذنب سيادة النظام والقانون، هو ذنب كل مواطن خالف النظام أو مسؤول سمح بالمخالفة، وللمواطن مواقع مختلفة. فالمواطن صاحب المؤسسة والمواطن صاحب العمل والمواطن رئيس مجلس إدارة الشركة والمواطن الموظف الرقيب، لكنهم جميعا يمثلون المواطن الذي أذنب وليس النظام المكتوب الواضح.

على كل حال وضع العمالة المخالفة كان صورة قبيحة وأصلحناها أو صححناها ويجب أن نحافظ على هذا التصحيح، ونمسح زجاج الصورة الجديدة كل صباح ليستمر شفافا، والصورة جميلة فمع فرض النظام سوف نتغلب على الصعوبات المرافقة مثل شح العمالة، فمرحبا بشح عمالة مخالفة مجهولة إذا كان سيتم إحلالها بسعودة أو بعامل نظامي معروف إذا لم يتوفر السعودي.

الأهم الآن هو أن نستفيد من تجربة ذلك التصحيح الناجح في تصحيح بقية الصور البشعة واحدة تلو الأخرى. فلدينا الكثير من الأوضاع الخاطئة الواضحة التي تعلن عن نفسها وتحتاج إلى تصحيح بنفس الجدية والإصرار ومن أهمها، في نظري ورأيي المتواضع، هو موضوع تضارب المصالح المعروف عالميا بـ (conflict of interest)  فلدينا صور كثيرة من هذا المحظور تتمثل في عضوية مجالس إدارات في شركات، وملكية مدارس خاصة وأهلية، وملكية مستشفيات أو شراكة فيها من قبل موظفين في القطاع الرقيب عليها، مما يعيق اتخاذ موقف نظامي محايد من تلك الشركات والمؤسسات الخاصة الربحية. ولدينا داء الواسطة المستشري، والمحسوبية في التعيين والترقيات والانتدابات، وتحديد الرواتب والبدلات والمساحة لا تكفي.

إسلام العمر .. حجام كشف دما فاسدا !!

سبق أن كتبت أنني أحسد الإعلام الرياضي على شفافيته وسقف حريته المرتفع، ولن أتردد في القول أنني أشفق على بعضه من السطحية وعدم التخصص، ومع ذلك لا أوافق من ينصحني بعدم الخوض في الرياضة لحساسية ميادينها وعدم صفاء أجوائها، فالرياضة وإعلامها جزء هام من حياتنا ومجتمعنا تؤثر فيه وتتأثر به.

يهمني من اتهام أخصائي علاج طبيعي لإنسان برشوته للإضرار بإنسان آخر ضرورة أن يحال الموضوع للتحقيق والادعاء العام، ومن ثم إلى الشرع؛ ليلقى من تثبت إدانته سواء بمحاولة العبث بحياة إنسان أو العبث بسمعة آخر جزاء رادعا.

لم أخف إعجابي بالمقدمين والمحاورين السعوديين في أكثر من مقال هذا الشهر، ولا بد هنا من الإشادة بالزميل تركي العجمة الذي فضح ادعاء الأخصائي الأردني إسلام العمر أنه (دكتور)، وهو مجرد حامل بكالوريوس، وبالمناسبة فإن هذا اللقب ابتذل كثيرا عندنا فأساء إلى مستحقه الحقيقي والوحيد وهو حامل شهادة الدكتوراه في الفلسفة (PhD)، ونحن نطلقه إعلاميا وكتابيا بطريقة خاطئة على الطبيب ويسمى عالميا (Physician)، والصيدلي (Pharmacist)، والآن على أخصائي العلاج الطبيعي، وجميعهم حملة بكالوريوس لا يستحقون لقب دكتور.

أعجبني أيضا الزميل طارق الحماد الذي أحرج إسلام العمر بأسئلته المتتالية حول علاجه للإصابات بكأس حجامة!!، وعدم تمديد عقده التجريبي القصير مع نادي النصر وعدم قناعة نادي الهلال ببدعته بعلاج الإصابات بالحجامة وسبب سكوته أربع سنوات ونطقه اليوم؟!، فقد بدا لي كمتابع للحوار في إذاعة (يو إف إم) أننا أمام ممارس صحي ابتدع طريقة ولم ينجح ويحاول الترويج لنفسه إعلاميا.

السؤال الأهم الذي أوجهه بحكم التخصص للمسؤولين الرياضيين وغير الرياضيين والإعلاميين (المهتمين بما ينفع الناس ويمكث في الأرض وليس الزبد الذي يذهب جفاء) هو: كيف سمح لأخصائي علاج طبيعي أن يمارس علاج الإصابات بطريقة مبتدعة غير مجازة علميا ولا طبيا وبواسطة الحجامة التي حدد تحديدا دقيقا دواعي استعمالها وطريقته، وليس من ضمنها علاج إصابات تمزق العضلات أو المفاصل، كيف يحدث هذا في بلد متقدم صحيا، وبه هيئة تخصصات صحية وترخيص وإعادة ترخيص، وبه مركز وطني للطب البديل والتكميلي ومركز وطني خليجي للطب المبني على البراهين، وبه سياسات ونظم وإجراءات تستوجب إجازة أي تدخل علاجي جديد يمس جسم الإنسان أو أعضاءه أو عظامه، بل حتى جلده؟!.

الدم الفاسد الذي كشفته حجامة إسلام العمر يتجسد في كيف مارس هذا الأخصائي بدعته العلاجية؟!، ولماذا سمحت الأندية التي ذكرها أن تجعل من لاعبيها حقل تجارب؟!، ومن رخص له بهذه المزاولة غير المشروعة؟!، ثم سؤال يحتمه العقل والمنطق والخبرة الصحية كيف كان سينهي قدرات لاعب بكأس حجامة؟!.

قابيل في مجتمعنا

بالرغم من حالة الأمن والأمان العامة التي نعيشها في هذا الوطن ولله الحمد والمنة، إلا أن حوادث القتل بسبب خلافات بسيطة، بل تافهة زادت بشكل ملحوظ، وهي دلالة واضحة وانعكاس مؤكد لحالة احتقان اجتماعي غير مسبوق، وتوتر نفسي شديد وخفي وضغط عال في داخل كل واحد منا ينفجر في لحظة غضب فتحصل كارثة قتل غريبة ما كانت تحدث من قبل.

نخدع أنفسنا عندما نقول بأن معدلات حوادث القتل العمد لم تتغير لكن نشر أخبارها هو الذي زاد، فنحن ننشر أخبار القتل والقصاص والعفو منذ عشرات السنين لكنها لم تصل قط لما وصلت إليه الآن.

الطالب يقتل معلما والمعلم يقتل طالبا والمراجع يقتل ممرضة أو طبيبا، وأب يقتل طفلته وزوجة أب تقتل ابن زوجها، هذه حوادث لم تكن تحدث من ذي قبل!!.

حتى في قمة الفرح العائلي الجماعي قتل والد العروس شقيق العريس لسبب تافه فما الذي يحدث؟!

تواجد السلاح في لحظات الغضب بعد سن ترخيص الحيازة والحمل هو سبب تواجد الأداة وعامل يستغله الشيطان بلا شك لكن الأدوات متواجدة في كل مسرح جريمة (سكين مطبخ، حجر، حبل، ساطور) وجميعها أدوات استخدمت في حوادث قتل، هذا في الحوادث فقط ولم أتحدث عن الجرائم مع سبق الإصرار والترصد.

المشكلة الحقيقية تكمن في حالة الاحتقان الشديدة وهذه أسبابها كثيرة وأهمها عدم التجاوب مع مطالب الناس واحتياجاتهم وتعطيل مصالحهم وحرمانهم من حقوقهم الوظيفية والصحية والتعليمية والسكنية وفي ذات الوقت عدم مشاركتهم همومهم وتخفيفها، وقد ذكرت سابقا خطورة غياب الأخصائية الاجتماعية والنفسية التي يفترض أن تتواجد فورا مع حالات مصائب فقد عزيز أو طلاق أو فقدان وظيفة وخاصة في أكثر أسباب الانهيار النفسي وهي حوادث السير التي تحدث معها مصيبة فقد أبناء أو أم أو أب أو أسرة كاملة و لا تجد أغلب الأسر من يواسيها بطريقة مهنية حرفية.

قابيل لم يمنعه عن قتل أخيه امتناع أخيه عن بسط يده لقتله، لكن مجرد رؤية الغراب يبحث في الأرض لقنته درسا علمه كيف يواري سوأة أخيه والإنسان المعزول المحبط الجاهل في حاجة إلى من يقف معه ويخفف احتقانه، دعونا نخلق مجتمعا سويا هادئا غير محتقن بمنحه حقوقه أولا ومواساته والوقوف معه بمهنية وتخصص.

حتى الشمس ودعت عامنا «مكسوفة»

والمكسوف في لهجة الأشقاء المصريين هو الخجلان وهنا استعارة للمعنى في حالة توديع الشمس للسنة الهجرية الماضية 1434هـ، فقد ودعتنا وهي (مكسوفة) خجلة، ربما لأن واقع العالم أصبح مخجلا تودعه الشمس باحتجاب!!.

أعلم أنها ظاهرة كونية محسوبة رياضيا في علم الفلك، لكن حسن القمر الذي نتوقف عنده ونتغزل به إذا اكتمل محسوب أيضا، فلماذا لا نتوقف عند وداعية الشمس (المكسوفة) من سنتنا التي مضت ونتساءل لماذا؟!

هل لأن إخواننا في سوريا لم يجدوا من ينصرهم وينتصر لما يتعرض له غالبيتهم من إبادة، أم لأن الأقصى يدنس تحت ضوء الشمس ولا أحد ينتصر؟! أم لما منيت به مصر؟! أم لما أصاب المسلمين من فرقة وتناحر بين الفرق والمذاهب وتركهم العدو الحقيقي ينحر إخوانهم في الإسلام في بورما ومالي والهند وفي كل مكان؟!.

هل الشمس (مكسوفة) خجلة مما يحدث من عقوق للوالدين وقد قرن خالقها الإحسان بهم بعبادته فأصبحوا يرمون في دور الرعاية حزنين بائسين مهملين؟!، أم لأن كثيرا منا لم يعد يكترث بالكسب الحلال وتحليل مصادر دخله وأصبح من المطففين ويقسط في الميزان ويأكل مال اليتيم ويسرق الأرض الحكومية وينهب المال العام.

هل لأن بعض المسؤولين والوزراء المؤتمنين أهملوا في مسؤولياتهم ونسوا أنهم راعون في مجال أعمالهم ووزاراتهم ومسؤولون عن رعيتهم، وأن بعض الرؤساء ظلموا المرؤوسين، وبعض المديرين استغلوا الموظفين، وبعض الموظفين أهملوا المراجعين.

هل الشمس (مكسوفة) خجلة من شيوع السفور وكشف العورات والمستور وتكرار حالات الابتزاز والفجور؟! أم لإهمال النفس البشرية وقتلها لأتفه الأمور وفي حادث مرور يرتكبه مخمور؟!.

هل لأن الطبيب أهمل وعن مريضه انشغل والمعلم قسا وتجبر والطالب اعتدى وقتل والمهندس تغاضى وغفل والمشروع تعثر وكاتب العدل ارتشى وما عدل واستكثر الناس أن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟!.

الشمس كسفت لأن القمر وقع بينها وبين الأرض على خط مستقيم، وهذا يذكرنا بأن ثمة أمورا عندنا لم تستقم، فعسى أن نعالجها في العام الجديد وكل عام ونحن نسعى لأن نستقيم وأنتم بخير.

ارفعوا عقوبة شاحنات الدمار الشامل

لم يكن منع دخول الشاحنات للمدن في أوقات الذروة للحد من الازدحام والاختناقات المرورية فقط، بل لأن هذه الشاحنات باستعجال قائدها على رزق كفيله هي أحد أهم أسباب القتل في شوارعنا وطرقنا إلى جانب أنها أحد أهم مسببات عرقلة السير.

أكثر ضحايا قتل الشاحنات هم رجال المرور خاصة من يباشرون الحوادث منهم، أو من يحاولون مساعدة ضحايا حوادث الطرق السريعة وفي الأنفاق وفوق الجسور حيث لا يستطيع قائد شاحنة مسرعة التحكم في اتجاه الشاحنة ولا إيقافها ولا تلافي من في طريقه فتتحول الشاحنة المسرعة إلى أداة دمار شامل لضحايا الحادث الأصلي ومن يحاول مساعدتهم وكل مستخدم للطريق.

كعادتنا نطبق غرامات وعقوبات (رمزية) ضعيفة غير رادعة إطلاقا خاصة على التجار، فالغرامة لا تشكل شيئا يذكر مقارنة بالربح لمن يفلت من العقوبة أو حتى من يدفع الغرامة من المجرمين بحق الناس وثمة أمثلة كثيرة على غرامات تعتبر جزءا يسير من هامش ربح تصريف البضاعة بل أصبح التاجر يعتبرها مصاريف إدارية محسوبة في تكلفة الصفقة التجارية، وهذه ليست نكتة، فجميع غرامات التجار لدينا تحدد (على أن لا تزيد عن مبلغ زهيد لا يشكل واحدا من مائة من ربح الصفقة ولا واحدا من مليون من خطرها على حياة الناس(

كثير ممن تم إيقافهم من سائقي الشاحنات المخالفة بدخول مدينة الرياض في أوقات ممنوعة اعترفوا أن الشركة أو المالك يعتبرون دفع الغرامة الزهيدة جزءا من تكاليف نقل البضائع ويعودون سائقي الشاحنات على ارتكاب المخالفة ودفع الغرامة في حالة ضبطهم أو اعتبارها مكافأة لو سلمت الجرة.

ليس هذا فحسب، بل أن شاحنات نقل الأسمنت المذاب (خلاطات الأسمنت) تجعل الغرامة قيمة مضافة على السعر تحت بند (مصروفات إدارية) في حال نقل الأسمنت في أوقات المنع!!، فهل يعقل بعد هذا أن تستمر غرامة دخول الشاحنات أوقات الذروة 100 ريال فقط؟!.

ما لم نطبق أنظمة دول مجاورة بجعل الغرامة تعادل ثلاثة أضعاف قيمة البضاعة المخالفة مع مصادرتها فإن الغش بلحوم فاسدة أو أدوية منتهية الصلاحية أو دخول شاحنة تطير بين السماء والأسفلت وتدمر من يقف أمامها سوف يستمر مع احتساب الغرامة الزهيدة ضمن التكلفة!!.

اشتكوا استغلال الأطباء لتويتر!!

استغرب عضو مجلس شورى سابق وكادت عيناه أن تخرج من زجاج نظارته عندما أخبرته باسم طبيب كان يشتكي منه قبل أن يكمل قصته أو يذكر أحرفا من اسمه!!.

كان يروي مستغربا أنه اصطحب شقيقته التي تشكو من آلام مبرحة ومزمنة في الرقبة إلى استشاري جراحة العظام والمفاصل والعمود الفقري في مستشفى حكومي كبير بالرياض فقابلها الطبيب بـ(نفس شينة) وأخبرها أن آلامها لا تحتاج إلى عملية جراحية ولا خطورة منها وأدار ظهره في إشارة إلى انتهاء الزيارة دون أن تكمل شكواها، بينما حينما زارت نفس الطبيب بعد أسبوعين في عيادته غير النظامية في مستشفى أهلي بالرياض بنفس الشكوى ونفس الأعراض بادرها بالقول لا بد من إجراء تدخل جراحي عاجل لفقرات الرقبة وبمبلغ وقدره كذا، وكان يأسر القلب بأريحيته ومرحه!!.

معرفتي السريعة للطبيب قبل أن يرتد لعضو الشورى طرفه لم تأت لأني عفريت من الجن أو أن لدي علما آصف بل لأنه اشتهر عنه ذات السلوك والسمعة السيئة في مجتمعنا الصحي غير الصحي.

شخص آخر (غلبان) يعمل في المستشفى الحكومي اشتكى أن ذات الطبيب استقبل والدته في ذات المستشفى الأهلي وحقنها بحقنة في الركب قيمة كل واحدة منها 2500 ريال وكان عرض عليه إحضارها له في المستشفى الحكومي الذي من حقه العلاج فيه وتتوفر به نفس الحقنة لكنه غضب وقال (تشتريها من صيدلية المستشفى الأهلي).

عضو الشورى لم يكن بمقدوره أن يسأل (أين أشتكي؟!) لأنه يعلم أن ردي سيكون قبل أن يرتد إليه طرفه أيضا بالقول (اسأل الشورى فهو أحد الأسباب)، أما المواطن (الغلبان) فقد سأل بحسرة (أين أشتكي إذا كان المستشفى الحكومي الذي أعمل فيه مع الطبيب يعلم عن عمل أطبائه في مستشفيات خاصة ولا يحرك ساكنا ووزارة الصحة تعلم عن هذه النوعيات الاستغلالية وتغض الطرف لأنها تتعصب للطبيب ولا تقبل المساس بسمعته حتى لو أخل بأخلاقيات مهنة الطب الإنسانية وأساء إليها؟!).

جوابي أن الناس اليوم عندما تقفل أمامهم أبواب الشكوى، ولكي تتوفر لديهم نفس المعلومة التي أحضرتها بسرعة، فإن عليهم تثقيف وتحذير بعضهم البعض بمواقع الخلل لتجنبها وخير وسيلة هو التغريد في (تويتر) تماما مثلما نفعل مع كل تاجر غشاش، أو اشتك بعد الله لوزير التجارة!!.