اليوم: 20 مارس، 2002

هيبة الرحم

صحيح أن الشكل التشريحي للرحم يشبه إلى حد كبير رأس ثور ذي قرنين، لكن لم نتوقع مطلقاً أن يكون للرحم قوة نطح شديدة كالتي يتمتع بها في مجتمعنا.

ومن المؤسف جداً أن نصل إلى درجة عالية من التطور التقني والإسمنتي وتستمر لدينا ظاهرة “النفوذ بحكم القرابة أو المصاهرة”.

لست ضد توظيف قريب أو نسيب إذا كان مؤهلاً أو متميزاً بل إنني ضد عدم توظيفه تلافياً للإحراج ودرءاً للشبهات. فالمسؤول الواثق من نفسه ومن قدراته ومن عدله لا يخشى في الله لومة لائم.ما نحن ضده وبكل قوة أن تعطى المميزات والصلاحيات والنفوذ لقريب غير مؤهل ويحظى بالتمييز عن زملائه في الانتدابات والمكافآت ويستمد من قريبه قوة التسلط مما يجعل الآخرين الأكثر تأهيلاً مضطرين لمراعاة مشاعره وكسب رضاه خوفاً لا قناعة.

صور عديدة من هذا النوع تتكرر في الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية، فإذا كان لأصحاب المؤسسات الأهلية والشركات العائلية عذر تملكهم للمؤسسة فيما يمارسون من تمييز فأي عذر لوزير أو مدير لمؤسسة حكومية في إعطاء النفوذ لأقربائه أو من صاهرهم؟! “يسمونهم أرحامنا، ألم أقل لكم إن للرحم قرونا؟!”.

لابد أن نفخر بأننا وبناءً على ما حققناه من رقي على جميع الأصعدة جديرون بأن نترفع عن مثل هذه السلوكيات التي تدعو للخجل، لكننا في الوقت نفسه لابد أن نعترف أننا وبكل أسف لازلنا نعاني منها.

مخطئ من يعتقد أن عدم الحياء طبع ولذا فإنه لا يعدي بل هو فيروس معد سريع الانتشار، فإذا قرب الوزير أقرباءه ومن صاهرهم وميزهم عن الآخرين دون حق، فإن العدوى أول ما تصيب مدير مكتبه ثم من يليه في قرب المسافة إلى أن تعم الوزارة كلها إلا مؤمن أو غير قادر.

ألم أقل إنه فيروس سريع الانتشار؟!.

إن تمييز موظف عن غيره بداعي القرابة دون ميزة يستحقها تأهيلاً هي من أكثر مسببات الاحباط وإضعاف الولاء للمؤسسة، وهي صورة من صور الفساد الاداري فالفساد لا يقتصر على الاختلاس والرشوات وقد تفوق نتائج هذا النوع من الفساد نتائج الأنواع الأخرى على الأقل لأنه ظاهر مفضوح قابل للتقليد وأعتقد جازماً أن على ديوان المراقبة أن يوليه الاهتمام المطلوب وما هي إلا زيارة لبعض الوزارات والتحدث مع موظفيها وستجد أن المعاناة واضحة حتى لو حاول البعض إخفاءها.

على النقيض قد تجد مديراً يحرم قريباً له من مميزات يستحقها خوفاً من تفسيرات الناس وقد تجد موظفاً يتنازل عن المطالبة بحقوقه لأن رئيسه قريب له لكن هاتين الصورتين من الندرة بمكان مقارنة باستغلال القرابة والمصاهرة في نيل النفوذ فالمشاهدات الأكثر وضوحاً وانتشاراً أن للرحم هيبة خطيرة ممقوتة غير تلك الهيبة المستحبة!!.