اليوم: 6 مارس، 2002

النار وقريص الصحة والتعليم

شئنا أم أبينا، بقصد أو بغير قصد فإن تأخير بعض الإجراءات المطلوبة بإلحاح خاصة في مجالات الصحة والتعليم لا يمكن أن يخدم غير مصالح القطاع الخاص الصحي والتعليمي وملاك المستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة والمشاركين فيهما.

خذ على سبيل المثال توفير فرص العلاج لمنسوبي الوزارات والقطاعات الحكومية التي لا يتبع لها مستشفيات كالزراعة والمعارف والتخطيط والعدل والإعلام والشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها ممن يشكل منسوبوها نسبة كبيرة مقارنة بمنسوبي القطاعات التي أنشأت خدمات صحية.

طالبنا كثيراً بالنظر في المشكلة التي يعاني منها منسوبو هذه القطاعات إذا احتاجوا لرعاية صحية متقدمة والمتمثلة في بحثهم عن قبول للعلاج في المستشفيات المتقدمة دون جدوى لانشغال أسِرّة هذه المستشفيات بمنسوبي القطاع الذي تتبع له وأن هؤلاء المرضى يسفكون ماء الوجه طلباً لشفاعة أو استثناء في حين أنهم مواطنون موظفون منتجون مثلهم مثل غيرهم ممن صادف انتماؤهم لقطاع يوفر رعاية صحية متقدمة ومتميزة، إلا أن تلك المطالبات لم يلتفت لها وهذه المعاناة المستمرة لم يكتب لها النهاية حتى اليوم.

تأخير وضع حد لهذه المشكلة لا يخدم غير ملاك المستشفيات الخاصة وأصحاب الأسهم فيها.

تطبيق فكرة البطاقة الذكية والتي يفترض أن تحد من حصول المريض الواحد على أكثر من ملف في مستشفيات متعددة في المدينة الواحدة، وهو الإجراء الذي سيتيح حلاً لجزء من تلك المشكلة حيث سيوفر فرصاً لعلاج عدد أكبر من المواطنين في المستشفيات الحكومية بعد زوال ازدواج الملفات.. هذه الفكرة هي الأخرى تأخر تطبيقها دون مبرر، وهو تأخير لا يخدم سوى مصلحة المستشفيات الخاصة وملاكها والمشاركين فيها سراً وعلناً.

أرجو التأكيد هنا أنني أطرح حقيقة مرّة، تتمثل في أن تضييق فرص العلاج على المواطن لا يخدم سوى مصلحة القطاع الخاص الصحي، لأنه سيتحول إليه، وهذا استنتاج لا يحتاج إلى تخمين أو كثير ذكاء، وإيراد هذا الاستنتاج لا يعني اتهام أحد بتعمد حدوثه.

إن من الواجب التحذير من التساهل في توفير الأساسيات كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية فما يقال عن المستشفيات ينطبق على المدارس فعندما لا توفر المدارس الحكومية البيئة الدراسية المناسبة كالتكييف مثلاً ودورات المياه الصحية ووسائل التعليم المناسبة إلى جانب القدرة الاستيعابية المقبولة فإن في ذلك حثاً على الالتحاق بالمدارس الخاصة وهو أمر لا يخدم سوى ملاكها وشركائهم.

ويجب الأخذ في الاعتبار هنا أن البعض قادر على المستشفى الخاص والمدرسة الأهلية لكن الأغلبية لا تقدر. ونظراً لقلة أو انعدام البديل للرعاية الاجتماعية فإن الخيار أكثر ضيقاً ولا بديل هنا إلا التسول أو الموت جوعاً.

ملخص القول أن الأساسيات لا تقبل التهاون الذي يخدم مصلحة البديل التجاري أما جوانب الترفيه، كأن تمتنع قناة رسمية عن نقل مباراة كرة قدم لتنقل حصرياً على قناة تجارية فهذا أمر مقبول لأن “حوش النار على قريص الكرة” لا يقتل ولا يورث الجهل، مثلما يحدث عندما تحاش النار على قريص الصحة أو التعليم.