نحن نحاول جاهدين بارتجالية ودون تخطيط كامل ومتكامل ثم نفشل وتبقى أطلال الفشل شاهدة ومع ذلك لا نتعلم منها، مثلا، فشلنا في الوصول إلى مستوى دول سبقتنا في مجال النقل الجماعي المنظم المنتظم بالحافلات الذي من أجله تأسست شركة النقل الجماعي، لا شك أنه فشل ذريع مستعصٍ، أدى إلى تأخرنا في مجال النقل وفشل النقل بالحافلات المنتظمة داخل المدن، والطريف المبكي أنه تم تأسيس وبناء مواقف (الباص) قبل التخطيط لآلية العمل وتسهيلاته، فبقيت مواقف الحافلات سنوات طويلة، ومن يشاهدها يعتقد أننا لا نتنقل إلا بالحافلات، ثم ما لبثنا أن أزلنا بعضها مع توسعات الشوارع للسيارات الشخصية، وتم تحويل حافلات النقل الجماعي للنقل بين المدن فقط وبرحلات محدودة، رحلة أو رحلتين يوميا، ومن محطة مركزية لم تستفد منها المعلمات، ولا الموظفون في قرى بعيدة، ولا يستخدمها إلا العمال في صورة واضحة على سوء تخطيط لم يسبقنا إليه أحد.
الشاهد الثاني الذي ما زالت بعض أطلاله قائمة تراها في المدن الرئيسة، خصوصا العاصمة الرياض، هو ساعات المواقف المدفوعة بالعملة النقدية المعدنية، فهذه ــ وربي ــ طرفة كنا نعايشها يوميا، فقد تم تركيبها وعلى أعلى طراز (مكلف) طبعا، ويستوعب فئات الريال المعدني، وأصبحت (تترزز) في الشوارع، خصوصا وسط المدينة، ولكن دون تفعيل ودون نظام يحكم عملها، بل دون تحديد من يتابعها سلفا، فبقيت (وما زال بعضها) قائمة تشكل وسيلة ترفيه، فالطرافة في أمرها أن أكثر رواد وسط المدينة (حي الديرة) هم من الأجانب الذين تعودوا عليها في دولهم، فتجده يقف بجانبها ويحاول تعبئتها بالنقود حتى يآتيه أحدهم فيقول له (الموقف مجاني) ليذهب وهو يردد (رفاهية المواطن السعودي!!).
ما أخشاه، وقد طال انتظار قطارات أنفاق موعودة، أن نكون قد حفرنا الأنفاق دون أن نجهز آلية ونظام وأدوات تنفيذ قطارات الأنفاق، فتبقى الأنفاق مثل ما بقيت مواقف (الباص) والساعات، وتتحول إلى أنفاق تتنقل بداخلها أفواج نمل بشري لا نعلم إلى أين تتجه أو ما تفعل.
الشهر: أكتوبر 2012
اسألوا عن البنت
هاتفني شاب تلمس من حديثه عمق التفكير بمثل عميق الألم، ونقمة عظيمة على جماعة. مع إيثار ونصح مخلص للمجتمع، وإلحاح أن أطرح فكرته وتجربته للناس ليعتبروا ويستفيدوا، وفي ذلك إخلاص من ناقم يستحق الاحترام، ووعدته أن أفعل فالموضوع جدير بالطرح حري بتلافي التعميم.
يقول خطبت فتاة فسأل أهلها عني القاصي والداني ليعرفوا كل شيء عني. وهو من حقهم، بينما أنا وأهلي مثل كل الناس، سألنا عن العائلة والأم والأخوال فوجدناهم نعم القوم والسمعة.
يقول تزوجت ومنحتها الدلال والعاطفة والاحترام وعنفوان الزوج الشاب الحالم، وسافرت بها ومعها شهر عسل أسعدتها فيه، وسعدت بها، ومنحتها من الهدايا و جزالة العطاء والمسكن والمطعم والملبس والترفيه ما مكنني به ربي من يسر. وعدنا بعد شهر عسل سعيد لنمضي شهرا آخر كنت خلاله أذهب للعمل والكد، وكل أملي أن أكسب لأكون زوجا كفؤا قادرا على إسعادها.
يقول عدت إلى شقتنا المستأجرة بعد أن نسيت أوراقا تخص عملي. لأكتشف أنها قد آوت إلى منزلي وفراشي شابا كانت تعرفه قبل الزواج على مايبدو، وكنت أفوقه بسطة في الجسم، وقوة الحق فأوسعته ضربا، وسحبته معها إلى المطبخ. وسحبت سكينا فخارت قواهما، واستسلما لبلاط المطبخ. وكنت قد اتخذت قراري بأن أطعنهما طعنات متبادلة ليرى كل منهما الآخر وهو يموت ثم أسلم نفسي.
يقول.. وفجأة أحاط بي شعور عزلني عن كل ماحدث وقال لي: أهكذا تشكر الله الذي كشفها لك مبكرا فتقتص لنفسك، وتصبح قاتلا وتخسر الدنيا والآخرة؟! ، لأجد نفسي وقد خررت لله ساجدا أحمده. ولا أتخيلها وفعلتها إلا كحذاء اشتريته فوجدته نتنا فرميته، وقمت من سجودي لأجدهما كما هما ينتظران مصيرهما دون حراك. ووسط ذهول مما أنوي بهما بعد السجود، فسحبته وأخرجته غير مصدق، وحملتها إلى أهلها مطلقة، وأنا أحمد الله أن اكتشفتها خلال شهرين من الزواج وقبل أن تحمل فيكون لها ضحية ثانية مجهول الأب.
وختم موقفه.. وهو يقول بحرقة أنا لا أريد منك إلا أن تنقل عني لمجتمعي سؤالا: لماذا يسأل الأهل عن الشاب الخاطب. ولا يسألون عن الفتاة المخطوبة بنفس التقصي والحذر مع أننا نشاهد مايحدث في المجتمع من تحولات سريعة وسلوكيات مخيفة من الجنسين؟!.
بل نائب رئيس كهرباء احتياطي
عبثا حاول نائب رئيس شركة الكهرباء في تصحيحه لـ«عكاظ» أمس أن يهرب إلى الأمام بتبرير تصريحه المستفز والواضح بأن من أراد التيار الكهربي دون انقطاع فعليه أن يوفر مولدا كهربائيا احتياطيا، فالعذر في حد ذاته تجاهل لأن وجود المولد الاحتياطي في المواقع الحساسة كالمستشفيات والفنادق والمصانع وخلافه مفروض وموجود منذ عقود وقبل توحيد شركات الكهرباء وهو مطلب ضروري وشرط عالمي لا ينتظر نائب الشركة للمطالبة به ولو أنه قال زل لساني واحتج الناس وزلة اللسان (تكهرب) لكان خيرا له وأكثر احتراما لعقولنا من التوضيح المتمثل في قوله أيضا في التصريح السابق بأن كل الشبكات الكهربائية في العالم معرضة للسقوط بسبب الأحوال الجوية وأن ذلك حدث في اليابان وكندا وأمريكا وأسبانيا فهو قمة المغالطة!!.
كيف يقارن انقطاع التيار الكهربائي عندنا لساعات طوال، في ظروف عادية ونتيجة عدم التخطيط السليم في احتساب الأحمال وعدم الاستعداد للنمو العمراني والسكاني المتوقع، يقارنه بسقوط الشبكات الكهربائية في دول متقدمة بسبب الأحوال الجوية؟!. أي تعامل هذا مع عقل المتلقي الذي أصبح على درجة عالية من الوعي والاطلاع على أخبار وأحوال العالم من حوله؟!، ليس هذا فحسب بل أن أي طفل سعودي يدرك جيد أن الأشياء تقارن بما يشبهها، فهم يدرسون مقارنات الأشياء في الصف الأول ابتدائي يوميا (إذا لم ينقطع عنهم الكهرباء طبعا).
الأمر الأهم في هذا الصدد هو أن نائب الرئيس، وهو يصرح بأن عدم انقطاع التيار أمر مستحيل وأن انقطاع الخدمة هو المتوقع، نسي تماما أن وزير المياه والكهرباء ورئيس شركة الكهرباء وعدا في أكثر من مناسبة بعدم انقطاع التيار وأن صيف هذا العام لن يشهد انقطاعات!!، فلماذا لم يخرج النائب ويعارض هذا التفاؤل ويوضح لهما أن الانقطاع أمر طبيعي وأن على من يبالغ في التفاؤل باستمرار التيار دون انقطاع أن يشتري مولدا احتياطيا؟!!.
إذا سلمنا بأن الخطأ هو الأصل ويجب أن نستعد له بشراء مولد احتياطي، فإن من الحيطة أن نجهز نائب رئيس كهرباء احتياطي لمواجهة زلات اللسان التي لا ينفع معها الترقيع.
حساسية أدعياء حقوق المرأة
ثمة حساسية عالية وغريبة لدى بعض أدعياء حقوق المرأة من الجنسين وخاصة الرجال و(المسترجلات) من أمر المطالبة بحق المرأة الأصيل في حمايتها من التحرش أو الاستغلال، فبمجرد أن تتطرق لأي أسلوب وقائي يتلافى حدوث هذا التحرش أو الابتزاز يتحول ذهن المصاب بتلك الحساسية المفرطة إلى أنك تريد فصل المرأة عن الرجل وجعلها تعيش في كوكب آخر وما إلى ذلك من توجس غير مبرر إلا بحساسية صراع فكري يعتمد على التصنيف الفوري الآلي المتبوع بالإقصاء.
الغريب أن الدول المتقدمة وبما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبرونها مرجعية في أمر الحريات غير المنضبطة تمارس حرصا شديدا على حماية المرأة من التحرش والاستغلال دون حساسية تذكر.
طالبت وما زلت أطالب بإنشاء أقسام تعنى بشؤون المرأة العاملة تقوم عليها امرأة ذات كفاءة وتعمل فيها نساء قادرات على التعامل مع عدد كبير من النساء الموظفات في أماكن مختلطة كالمستشفيات ممن يتعرضن لهضم حقوقهن على يد الرجال بقصد أو بدون قصد.
المستشفيات الآن وبحكم المرونة في عدد الوظائف والرواتب والبدلات تحظى بإمكانية التوظيف السريع الذي يصادف حاجة ماسة للعمل لدى عدد من النساء اللاتي يصرفن على أسرهن من الأيتام والفقراء والمعدمين وأبناء المسجون أو المدمن أو المطلق.
سيدات وآنسات يعملن في وظائف خدمية (نقل المرضى) أو إدارية (كاتبات وسكرتيرات) أو إشرافية أو شؤون موظفين وشؤون مالية وحاسب آلي ويجمعهن جميعاً عامل مشترك أعظم وهو أن مصيرها الإداري ومصير معاملاتها ومراجعاتها وترقياتها بل وتقييمها وعقابها وثوابها بيد شباب قد يمارسون استغلالا وتحرشا على طريقة (أعطيني جوالك أتابع معك الموضوع).
نحن نتحدث عن آلاف الموظفين والموظفات وليس عن رقم في خانة العشرات، ونحن نلفت النظر لأمور وقعت وليس لأشياء يتوقع المتشائم حدوثها، ما ننبه لخطورته ممارسات تتراوح بين منع حق تستحي امرأة عادية أن تطالب به رجلا، والمساومة ومحاولة اختراق الشخصية الخاصة وترتفع تدريجياً إلى حد التحرش الجنسي.
أليس من حق المرأة أن تتعامل في شؤونها الوظيفية، التي قد تستدعي الخضوع المنهي عنه، مع امرأة تفهمها وذلك عن طريق إنشاء أقسام لشؤون المرأة تستقبل الشكاوى بمثل ما تعقب على المطالبات وتنهي الإجراءات وكما ذكرت سابقاً فقد تكون نواة لهيئة تعنى بشؤون المرأة كلها.
زحمة وشارع الإنجاز فاضٍ!!
أصبحنا نجيد فن الشكوى دون أن نفعل الحلول، كل الحلول، خذ على سبيل المثال شكوانا من ازدحام الشوارع بأعداد مهولة من السيارات وتعطل السير في أوقات الذروة وقت الانصراف للمدارس والأعمال ووقت العودة منها (وحتى في غير أوقات الذروة) شوارع مدننا الرئيسة لا تطاق وتتعطل فيها الحركة بشكل خطير قد يعطل حالات إسعاف وحالات إنقاذ ويلغي سفرة هامة أو الوصول إلى عمل هام.
نحن نحاول أن نبتدع حلا لم نسبق إليه وهو توسيع الشوارع وإزالة الاختناقات بشق الأنفاق ورفع الجسور وهذا في الواقع عمل تطويري تنموي جيد لإيصال الخدمات لكنه ليس حلا للازدحامات، حل الازدحام الذي نجح في دول غيرنا، قبلنا وبعدنا كان بتفعيل النقل العام الدقيق والمنظم وعلى رأسه حديثا قطارات الأنفاق أو قطارات تحت الأرض التي نسمع بها ونراها ونستخدمها جميعا عندما نسافر لكنها تبقى بالنسبة لنا حلم المواطن المستفيد الذي لا يرى أنه سيتحقق والمستحيل بالنسبة للمواطن المسؤول الذي يرى أن تحقيقه من سابع المستحيلات مع أنه تحقق بيسر وسهولة في دول أقل منا إمكانات كالهند والتشيك وتركيا وكل منها مثال له أسباب تتعلق بظروف نحن أفضل منها حالا بكل تأكيد.
لماذا يصعب علينا ما يسهل على الآخرين؟!، ولماذا نتساوى مع الآخرين في الشكوى ونتخلف عنهم في إنجاز الحل؟! هذه أسئلة أساسية وهامة يفترض أن ندرسها أكثر من دراستنا لظواهر أقل ضررا ومعاناة تتعلق بخصوصية المجتمع السعودي في عادات أو تقاليد أو التزام ديني والتي أصبح البعض يركز عليها للانتصار في صراع فكري ويتناسى خصوصيتنا الأهم في شأن الصراع التنموي.
لماذا نحن حالة خاصة تتزاحم فيها الشكاوى حد الاختناق ويبقى فيها شارع الإنجاز (فاضيا) هذه هي الخصوصية التي انشغل أفذاذ حروب فنون التحاور والنقاش والاختلاف عن خوض معاركها بل ليس لديهم الشجاعة للخوض فيها.
