اليوم: 15 نوفمبر، 2015

شلل رباعي بأطراف التعليم

أتابع بحرص وقلق أخبار وزارة التعليم، أبحث عن خطوة جديدة تبعث أملا في انتشال جسد البنية التحتية للتعليم العام (ابتدائي، متوسط، ثانوي) للجنسين من حالة الإعاقة التي تعاني منها أطرافه مثل النقل المدرسي للطلاب والطالبات ونقل المعلمات اللاتي يمتن على الطرق النائية والبيئة المدرسية المتخلفة منذ سنوات ووسائل التعليم التي وعدنا منذ عشرات السنين بأنها ستكون حاسوبا لكل طالب ولا زالت (خمسون طالب حول واحد حبة حاسوب)، فلم أجد أي خبر عن علاج لشلل تلك الأطراف، بل ولا بصيص أمل في تركيب أطراف صناعية مؤقتة (كعادتنا في الحلول الوقتية) يساعد تلك الأطراف على الحركة.

أطراف جسد التعليم ليست الأجزاء الوحيدة التي تعاني شللا رباعيا مزمنا بلغتنا نحن أهل الصحة فالجسد برمته مريض ومنهك كما كان ولم أجد خطوة فعلية لعلاجه ولو بعلاج طبيعي أو (مساج) أو تدليك يعيد له الحيوية، فالمباني المدرسية تتقادم وأسقفها تسقط على الطلاب والطالبات، ودورات المياه لا تزال غير صالحة للاستخدام الآدمي وسبب في عزوف الطلاب عن الذهاب للمدرسة، ولا يزال التكييف بدائيا ويتعطل وإصلاحه في مدارس الذكور مستحيل وفي مدارس البنات قائم على نظام (القطة) من معلمات سعوديات شعارهن (الراتب لك أو لأخيك أو للذئب وبدلا من أن يلهفه زوج نائم نساهم به في إصلاح مكيف).

أبحث في الأخبار الجديدة لوزارة التعليم فلا أجد غير (وقعنا اليوم اتفاقية أو مذكرة تفاهم مع وزارة أو مؤسسة تحلية أو قطارات أرضية أغلبها تتعلق ببعثتك ووظيفتك)، مع أن التنسيق بين الوزارات والمؤسسات جزء من استراتيجيات عامة لا يحتاج إلى توقيع اتفاقيات منفردة وطاولة وصور وفلاشات، ومع ذلك وقعوا كما تشاؤون ولكن دعونا نرى العمل الأهم وهو توقيع اتفاقية مع نواب الوزارة ووكلائها وكبار موظفيها ومهندسيها على إنعاش جسد التعليم وعلاج أطرافه.


سؤال مخادع ماكر

تبلغ الخطورة ذروتها عندما يستفرد بائع المواد الضارة بفريسته في معزل عن التوعية والحماية!، وهذا ما يجعلنا أكثر عرضة لخطورة الترويج لمواد ضارة من أي بلد متقدم آخر في العالم!، فالبعض (خاصة المتاجرين بمواد ضارة من وكلاء ومصنعين ومستوردين) يحتجون بحجة خبيثة مفادها أن تلك المواد تباع في أمريكا وأوروبا فلماذا تطالبون بمنعها عندنا وتلك الدول التي سبقتنا في مجالات عدة تسمح بها؟!.
هذا السؤال الخبيث والحجة الماكرة تنطلي للأسف على بعض البسطاء لدينا!، بل حتى على بعض المسؤولين والمتعلمين والمثقفين عندما يغيب عن ذهن أحدهم أن تلك الدول المتقدمة، أو التي سبقتنا، تقدمت علينا أيضا وسبقتنا في مجال التوعية والتحذير والتثقيف!، وسبقتنا أيضا في فرض عقوبات وغرامات وتعويضات مليونية عند حدوث الضرر!، وهنا فإن المقارنة بهم غير عادلة ولا منطقية ولا منصفة، وعلينا أن نتعامل مع المواد الخطرة والضارة بما يتناسب مع واقعنا في التوعية والتثقيف والرقابة والغرامات والتعويضات، وليس بناء على ما لدى غيرنا ممن لديهم غير ما لدينا من إمكانات!. هذا الطرح قلته حول أكثر من عنصر خطر يعاني منه المواطن، وفي أكثر من مناسبة، قلته حول خطورة ما يسمى تدليسا بمشروبات الطاقة وهي مشروبات هدم، عندما احتجوا بأنها تباع في أمريكا، وقلته عندما حاول بعض مسؤولي الصحة التحجج وخداع الناس بالقول إن أرقام الأخطاء الطبية عندنا قريبة من أرقامها في أمريكا!، وعندها أضفت سؤالا محرجا (كم عدد التدخلات الطبية عندك مقارنة بما عندهم؟!) لا شيء طبعا فالحكم هنا للنسبة والتناسب وليس العدد!، و(كم مبالغ التعويضات عندهم مقارنة بما عندك؟!)، أضعاف مليونية طبعا وكف يد وعقوبات! ومن يمثل المريض عندهم من المحامين ومن يمثله عندك؟. نفس الشيء نقوله اليوم وقلته في مقال الثلاثاء حول المواد الضارة والمسرطنة التي يتعرضن لها الفتيات عندنا اليوم من حشوات وتنفيخ شفايف وتكبير الصدور بمواد ضارة وخطرة ومسرطنة وعمليات تجميل يروج لها تجار الطب في مستوصفات أقرب للدكاكين منها للطب، فثمة فارق بيننا وبين من يمارسها في دول أخرى تفرض رقابة صارمة وغرامات وتعويضات. ونفس الشيء ينطبق على الخطر القادم والمتمثل في تدخين الفتيات للشيشة والسجائر خارجيا وداخليا فهذا السلوك يتم بمعزل عن التوعية وفي غياب تام للأبحاث حول نسب تدخين الفتيات بالرغم من أن لدينا أكثر كراسي البحث في جامعة واحدة في العالم، لكن أكثرها كراسي مبالغ مليونية راكدة فارغة لا يستفيد المجتمع منها شيئا.

بناتنا وشفط الأرجيلة

يجب أن نكون أكثر صراحة مع أنفسنا ونتحدث عن واقعنا بشفافية واعتراف وإلا فإن مآسينا مع مخدرات الشباب و(إيدز) الشياب سوف تتكرر، والصراحة تستوجب القول إن بعض النساء والفتيات السعوديات وقعن في ممارسة خطيرة نتائجها بدأت وخيمة وستكون أكثر مأساوية بعد سنوات، إنها ممارسة تدخين (الأرجيلة) في السفر أو قل السفر من أجل (الأرجيلة) وهيا بنا (نشيش) وهو أمر ملحوظ مؤخرا وتراه عيانا بيانا ليلا ونهارا عندما تسافر لتركيا أو دبي أو بعض الدول المجاورة، بل إن كثيرا من الدول الأوروبية السياحية المتقدمة أصبحت مقاهيها تقدم الأرجيلة أو الشيشة كوسيلة إغراء للخليجيات (والخليجيين طبعا) مع أن هذه الدول تشهد ثورة وعي عارمة ضد التدخين سواء بين سكانها أو في قوانينها وأنظمتها إلا أن (كافيهات العرب) أو مراكز تجمعات (شفني وأشوفك) ومقاهي استعراض الملابس والسيارات أصبحت تعتبر (الشيشة) في أعلى أولويات قائمة ما تقدم لزبائنها الخليجيين حتى وإن هجرها السكان المحليون! دعونا في الأهم من سلوك مقاهي العالم السياحية واصطياد رغباتنا، وهو سلوك فتياتنا باتخاذ (تدخين الشيشة) موضة جديدة، وبناتنا يحترمن الموضة كثيرا حتى لو كانت في شأن لا يحترم صحتهن ولا سلامة أجسادهن ولنا في نفخ الشفايف والشد ونفخ بعض أجزاء الجسد بمواد مسرطنة، عبرة!، لكن تدخين التبغ وما يخلط معه من مواد قاتلة أمر لن تتحمله الصدور الناعمة ولا تتحمله أشد الصدور وسرطان الرئة والفم والدم ارتفعت أرقامه إلى أرقام مخيفة بسبب تأخرنا في التوعية بأضرار التدخين وتأخرنا في منع بيع السجائر للصغار وتأخرنا في فرض ضرائب عالية على السجائر وسائر منتجات التبغ! فهل تريدون مني أن أتأخر أيضا في التنبيه لأمر قارب أن يكون ظاهرة بين نسائنا، وأصبحت واضحة في السفر ومن المؤكد عند وصول مرحلة الإدمان على الشيشة أن تدخلها المرأة لمنزلها ويصبح رأس الشيشة ولي الأرجيلة وزجاجتها على قائمة (المواعين) بل ويصبح تقديم الأرجيلة من (الإيتكيت) في الزيارات النسائية يسبق التمر والقهوة!، فربعنا إذا (طاحوا) في شيء (طاحوا طيحة شينة) وواجبنا الوطني يستدعي تدارك الوضع بالتوعية بالمخاطر. وللحديث بقية.

يا رواد الطب أنقذوا المهنة

في مقال الخميس الماضي تناولت بالأسماء أعلاما من الأطباء السعوديين رفعوا اسم مهنة الطب واسم المملكة عاليا بإخلاصهم وتميزهم ولا بد أنني نسيت منهم أسماء لا تنسى مثل جراح القلب الأشهر محمد بن راشد الفقيه وإن كنت قد كتبت عنه سابقا مقالات خاصة ولابد أنني نسيت كثيرا غيره فمنهم العذر.

منذ سنوات سألني طالب طب في المراحل الأولى معاتبا فقال ألا تعتقد أنك بمقالاتك عن الأطباء الفاسدين تبالغ في الظاهرة بما يسيء إلى مهنة الطب؟! قلت له عندما تتقدم في مراحل دراسة الطب وتبدأ في الاحتكاك بالاستشاريين وتحتاج لهم في التعلم التطبيقي ستدرك أنني لم أبالغ فالناس شهود الله في الأرض وأصبحوا يشتكون ويصرخون من ألم الإهمال، ووصلت ممارسات الأطباء الفاسدين حدا يشوه المهنة ويشوه حتى جهود المخلصين.

قلت له كان الناس يشتكون من غياب الأطباء الاستشاريين عن عياداتهم المجدولة أسبوعيا رغم قلتها، ويشتكي طلاب الطب من عدم تواجد الاستشاري في الجولات على المرضى والتي يستفيد منها طلاب الطب في اكتساب الخبرات، وكنا في زمن عمداء الطب د.فهد العبدالجبار ود.فالح الفالح نخشى على المريض من الهلع من كثرة من يدخلون عليه في الجولة بين استشاري ومساعدين وأطباء مقيمين وطلاب طب جميعهم يستفيدون من الاستشاري الهارب اليوم لفساده!.

اليوم أصبح الناس لا يشتكون من الغياب عن العيادات وحسب بل حتى عن العمليات المجدولة وعن المناوبات مدفوعة الثمن! بل إن الطبيب الاستشاري المجدول كطبيب تحت الطلب بأجر كبير يرد على الجوال من مستشفى خاص ويرفض الحضور لحالة طارئة، مثل ما قد سبق أن كتبت عن استشاري عظام فاسد رفض الحضور لمباشرة حادث سيارات مليء بحالات كسور لعدد من المصابين!.

أصبح الناس يشتكون من أطباء يقررون عدم الحاجة لعملية عندما تزورهم في المستشفى الحكومي وعندما تزور نفس الطبيب بنفس العرض في المستشفى الخاص يلح عليك بضرورة إجراء العملية!، وهذا من أعلى درجات الفساد وعدم الأمانة، وأعرف جراح عمود فقري شهيرا يحيلك لشراء الأحزمة والساندات الطبية من محل محدد لا يقبل غيره لأنه يبيع ذات الحزام بأربعة أضعاف سعره ويدفع نسبة للطبيب.

ذات الطالب بعد سنتين اتصل بي معتذرا وقال فعلا تبقى مقصرا في فضح ما عايشت من فساد طبي.على العقلاء من رواد الطب في وطني إنقاذ المهنة من التشويه، وكنت سابقا أكرر أن بعض الوزراء الأطباء يجاملون الأطباء المخالفين لأن لديهم روح نقابة عالية كما ذكرها المرحوم بإذن الله غازي القصيبي في كتابه (حياة في الإدارة) حتى نبهني أحد رواد التعليم الطبي د.فهد العبدالجبار فقال: روح النقابة العالية تكون بالتعصب للمهنة وليس للممتهن ومن يتساهل مع طبيب مخالف هو متعصب للممتهن ومسيء للمهنة! فالواجب على الغيور على مهنة الطب أن يعاقب من يشوهها بالفساد كائنا من كان.


أطباء سعوديون «عالميون» خالدون

بمثل ما أنتقد وأعري الفاسدين من الأطباء في مقال أول أمس الثلاثاء وغيره منذ سنوات، كنت وما زلت وفي نفس الفترة الزمنية وربما أطول أكتب كثيرا عن أطباء سعوديين قدموا للوطن جهودا هو جدير بها وهي من صميم واجباتهم لكنهم قدموها بإخلاص وتفان أصبح نادرا اليوم، ولم يأخذوا ربع ما أخذه غيرهم من المميزات، منهم الدكتور محمد المعجل، رحمه الله، الذي إبان توليه للشؤون الصحية بمنطقة الرياض وصلت رقما غير مسبوق في الخدمات الصحية وتحديدا في الرقابة على مستشفيات القطاع الخاص فكان ينتدب أطباء للمستشفيات الخاصة ليس للعمل في عيادات غير مشروعة نظاما، ولكن لمراقبة أسعار ما يقدمونه من أدوية ومحاليل وتحاليل طبية ومدى ضرورتها للمريض والتأكد من أن ما يدفعه المريض أو تدفعه عنه الوزارة مستحقا فعلا!، وهو ما لم يتكرر بعده!.
ومنهم الدكتور محمد المفرح الذي عمل مديرا لمستشفى الشميسي آنذاك ثم في عدة وظائف صحية بمنتهى الإخلاص وبالمناسبة كل منهما ما أن أنهى رده لجميل الدولة استقال ليفتح عيادة خاصة متفرغا لا مخالفا!، ومن الأطباء معالي الدكتور أسامة شبكشي الذي تولى وزارة الصحة في أحلك الظروف الاقتصادية وقادها بقوة النظام والحزم لبر أمان لم تشهده بعده في سنوات الرخاء المادي، ولا أنسى لهذا الرجل موقفا قويا صارما في أحد اجتماعات صناع الدواء السعوديين وحضرته بصفتي مديرا لمصنع الأمصال، وفي الاجتماع وجه لوما ساخنا لأحد رؤساء مجلس إدارة شركة دوائية وطنية تخاذلت في إمداد الوطن بمضاد حيوي لالتهاب السحايا أثناء الحج بحجة مستحقات متأخرة من أزمة الخليج، وحاول رئيسها في الاجتماع (التفلسف) باسم الوطنية فذكره بموقفه المخجل تذكيرا جعله لا يرفع رأسه حتى نهاية الاجتماع مكررا (أنت تتكلم باسم الوطنية؟! أين وطنيتك عندما اضطررتنا للجوء لشركات أجنبية وكنا نظن شركتك مصدر أمن دوائي؟!).
وكتبت كثيرا عن معالي الدكتور عبدالله الربيعة رائد جراحة فصل التوائم ومفخرة الوطن في هذا المجال النادر، والدكتور محمد السبيل رائد الجراحة السعودي الذي زرع ولا يزال يزرع آلاف الأكباد بنجاح غير مسبوق، ولم يزرع اسمه في وسائل الإعلام إلا مجبرا، والدكتور مؤيد الزيبق طبيب القلب المخلص الذي لم يغادر عيادته في مراكز القلب التي عمل بها إلا في إجازة مرضية عندما تعرض للكورونا وسلم بحمد الله، والدكتور هاني نجم جراحة القلب الشهير والدكتور سعود الجدعان جراح الأطفال البارع البعيد عن الأضواء والدكتور خالد بن علي الربيعان الذي أفنى عمره في خدمة مرضى السكر في المستشفيات الجامعية، والدكتور أحمد الفريان والدكتور محمد الوهيبي والدكتور علي بن سلمة أبطال جراحة فصل توأم التقاء الرأس، والجراح الأشهر عالميا في جراحة اليد والأطراف والجراحات الدقيقة الدكتور محمد مناع القطان، وجراح الأوعية الدموية الدكتور سعود التركي وهذان تحديدا بلغت شهرتهما العالمية عنان السماء دون ذكر لهما في الإعلام المحلي، وللموضوع شجون أكملها في مقال قادم.

من حسنات الكورونا

أكد مرض الكورونا جدية وخطورة الممارسة المنافية للأخلاق المهنية التي نبهنا عليها منذ سنوات ولا زالت مستشرية ومنتشرة وتتزايد لأن أحدا لم يحسمها بعد بقرار حازم يوقفها ويحمي المرضى المساكين من نتائجها الخطرة، ألا وهي ظاهرة ترك بعض أطباء المستشفيات الحكومية مواقع عملهم أثناء الدوام وترك مرضاهم والخروج لعمل غير مشروع في المستشفيات الخاصة والأهلية نهارا جهارا ضاربين بالأنظمة عرض الحائط التي تمنع هذه الممارسة الدنيئة ومتنكرين لما تدفعه لهم الدولة من أجور سخية وبدلات عديدة يفترض أن تغنيهم عن مجرد التفكير في التخاذل ومخالفة التعليمات لمزيد من كسب غير مشروع على حساب مريض المستشفى الحكومي الذي يتركونه فريسة للمتعلمين من الطلبة والمتدربين من أطباء الامتياز الذين لا حول لهم ولا قوة، عندما يهرب الاستشاري تاركا إياهم أمام حالات لم تمر بهم من قبل، فيحدث الخطأ الطبي.
كثير من الأطباء الاستشاريين الذين يمارسون هذه الممارسات المنافية لأخلاق الطب وللأنظمة وحتى لتعاليم الدين الحاث على الأمانة والإخلاص والذين أسميهم (أطباء فاسدون)، كانوا يدافعون عن هذا السلوك المشين ويحاولون تبريره بمغالطات الطماع الذي أعماه الجشع، وكانت المستشفيات الخاصة التي تستخدمهم لجلب زبائنها تلتزم الصمت والخوف من تطبيق القرارات والتوجيهات التي صدرت يوما ما بحزم وعزم قريب، وفي ذات الوقت كانت تلك المستشفيات لا تحترمهم لعلمها بمخالفاتهم، والفاسد لا يحترم حتى من قبل المستفيد منه!.
لم تطبق القرارات كما ينبغي بعد، لكن شاء الله أن تأتي كارثة الكورونا وتصيب كثيرا من المستشفيات الحكومية التي جاء منها هؤلاء الأطباء، لتضع الكورونا المستشفيات الخاصة أمام نارين، إما إيقاف عيادات هؤلاء الأطباء فيها أو تعرض المستشفى الخاص لنقل المرض عن طريقهم!! وطبيعي أن كان خيار العقلاء من تجار العلاج أن أبعدوهم دون احترام، فوقعت الفوضى في وقف بعض العيادات وتساؤل المرضى عن الأسباب!، مع أن كثيرا من المرضى كان أذكى من الطرفين ومدرك للعبة أصلا فكان يقول لأقاربه (ابتعدوا عن هذا المستشفى الخاص فهو يستخدم أطباء من مستشفى به الكورونا!!).
هذا مع قناعتي التامة أن كل مستشفى دخلته الكورونا بطريقة أو أخرى والفرق في الشفافية لكن المحصلة أن للكورونا حسنة فقد فضحت كثيرا من القصور ونقص الشفافية منذ عصور!.

دعوا قافلتنا تسير وكلابهم تنبح

قذف ثمار هذا الوطن المثمر، بكل أشكال وأوزان الحجارة ليس بجديد، وحسده على نعمة التمسك بالدين والقيم والأمن والأمان والتماسك والوحدة الوطنية والثراء ورغد العيش ليس وليد الساعة بل أمر علمناه منذ الصبا وعشناه وعايشناه في الشباب وعاشته أجيال قبلنا فلا جديد ولا غرابة ولا استغراب ولا فرق بين الأمس واليوم إلا في مصدر الحسد وماهية الحاسد وطريقته في بث سمومه.
لم نسلم من حسد وحقد بعيد ولا قريب على اختلاف الدرجات، ولم نسلم من حسد العدو الواضح، والعدو الخفي، ومن يدعي الصداقة، ومن حسبناه صديقا، وكنا ولازلنا في هذا البلد الأمين، وبفضل من الله وبتمسكنا بتعاليم ديننا والتزامنا بشرع الله دستورا انفردنا به، نسير من نجاح إلى نجاح أكبر ومن نعمة إلى نعمة أعظم ومن أمن إلى أمان أكثر ويتخطف الناس من حولنا!.
تلقينا مكائد خفية مرت علينا بسلام ولله الحمد والمنة، واكتشفنا لاحقا أنها ممن أحسنا إليهم كثيرا، فرزقنا الله على قدر نوايانا الحسنة، وتلقينا مكائد ظاهرة من أعداء لنا، دحرهم الله ورد كيدهم في نحورهم، دون حتى أن نشعر بما كانوا يخططون له، أو شعرنا به وتجاهلناه، فزدناهم قهرا وغيضا.
علينا الآن أن نستمر في تجاهلنا لمن يحسدنا فلا نبالغ في الرد عليه لا بشعر ولا قصيد ولا حتى كثير تغريد أو رفع صوت إعلامي، فالعالم أجمع يعلم ويجمع على عظيم جهودنا وعلو مكانتنا وتأثيرنا وقيادتنا لقوى الخير وريادتنا لمشروع السلام في المعمورة وخدماتنا للإسلام والإنسانية، وهو إجماع غير مسبوق من الشعوب أولا والقيادات العاقلة ثانيا، وأضفنا لذلك حينما اضطررنا حزما عسكريا بقوة وعزم بشجاعة، أكسبنا اعتزاز وفخر الصديق ورهبة وخوف العدو، فلسنا في حاجة للرد على أحد، تماما كما كنا شجرة مثمرة تقذف لتتساقط ثمارها وقافلة خير تسير ولا تكترث بأن الكلاب من حولها تنبح.

تبذير الولائم يحتاج إلى حزم

من الصعب جدا أن تطالب الجهات الرسمية بالتدخل حتى في السلوكيات الفردية للأشخاص، فالأمر الطبيعي أن يعي الناس مسؤولياتهم ويقوموا بواجباتهم دون أن يكون هناك وصي عليهم، لكن عندما يتعلق الأمر بسلوك فردي قد تتضرر منه الجماعة سواء بالسمعة أو ردة الفعل أو العقوبة الإلهية، فإن تدخل الدولة يصبح ضرورة ملحة، واعتقد أن أمر التبذير في الولائم وما يرمى في مكبات النفايات من أطنان الأرز واللحم بات أمرا مخيفا يتطلب الردع بعزم وحزم وسرعة، ولا يجوز أن نتوقف عند الدعاء بأن لا يؤاخذنا الله بما يفعل السفهاء منا فلابد من فعل الأسباب وإيقاف هذا الهدر للنعم.
مرت عدة سنوات ومواقع التواصل الاجتماعي تنقل صورا حية ومقاطع طويلة لكميات كبيرة من الأرز ومفاطيح الإبل والخراف تكب كاملة غير منقوصة في مكاب النفايات ومن كثرتها تحمل بالجرافات وعلى ظهور القلابات الكبيرة، وكان أحدث مقطع للتبذير والإسراف ما تم تداوله مؤخرا من إخراج عشرات الصحون في الشارع كاملة بلحمها وشحمها وأرزها ليتولى العمال حملها واحدا تلو الآخر ورميها في مكب النفايات، وقد كنا قبل هذا المقطع نعيش على وهم أن الفائض من تلك الولائم المبالغ فيها يرسل للجمعيات الخيرية ويوزع على المحتاجين وهو مالم يعد يحدث من فرط الإسراف والاستهتار.
إن ما يحدث هو نتيجة مرض نفسي اجتماعي مرتبط بالتباهي والتنافس والتسابق في ميدان أكثر الذبائح وأجزلها، وهذا المرض النفسي يصعب علاجه بالتوعية فقط بل يستحيل علاجه بمجرد النصح والتوجيه شأنه شأن كل أشكال التنافس المرتبط بالشعور بالنقص يتطلب تعويضه بسلوك غريب أو تميز، لذا فلابد من رادع عاجل جدا، ليس فقط لاحتمال أن تصيبنا عقوبة بما يفعل السفهاء وحسب بل لأننا بذلك نستفز جياع العالم ونجرح مشاعرهم ويسخر منا عقلاء العالم ونفقد احترامهم بسبب قلة مريضة صورتها هي السائدة.

اتق شر من أحسنت إليه

وهل أكثر إحسانا من الوالدين لأبنائهم؟! وهل أمر الإنسان بأمر بعد عبادة الله أعظم من الإحسان لوالديه؟!.
مقولة اتق شر من أحسنت إليه، مقولة خالدة منذ عصور وهي مقولة لها مناسباتها العديدة تاريخيا ماضيا وحاضرا ومستقبلا بلا أدنى شك، وما كانت لتردد عبر العصور لولا تمثلها وحدوث مناسباتها، أسريا واجتماعيا وسياسيا، وعلى مستوى السياسة فإن أحدث أمثلتها ما يحدث الآن من بشار الأسد تجاه وطنه وشعب أخلص له، ولوالده من قبله، وانتهى الأمر بهم لقتل أكثر من ربع مليون وتهجير أضعافهم وتشريد مثلهم.
وليس شر المخلوع علي عبدالله صالح نحو رجال اليمن وقبائله الذين أحسنوا إليه ببعيد عن صحة المقولة!.
وبلا أدنى شك إن مقولة اتق شر من أحسنت إليه ليست على إطلاقها بل هي محمولة على اللئام دون الكرام، لكنها تتمثل لي كثيرا حين أزور دور الرعاية الاجتماعية (دور العجزة) وأشاهد رجالا ونساء تركهم أبناؤهم في الدور بعد أن ضحى الوالدان من أجلهم وهم صغار بكل غالٍ ونفيس من نفس وصحة ومال.
جاع الوالدان ليشبع الأبناء ومرضوا ليصح الأبناء وشقوا ليسعدوهم وسهروا ليناموا وبذلوا الجهد والصحة والمال، بل بذلوا حتى عزة النفس ليعتز أبناؤهم! فمنهم من عمل في عمل (لا أقول مهينا) لأن العمل لا يهين، و(لا أقول وضيعا) لأن كل كسب حلال هو رفيع، وإنما الوضيع عكسه، ولكن أقول عملوا في خدمة أناس قد يسيئون إليهم بالإهانة والتحقير وصبروا من أجل أبنائهم ومنهم من تسلف وطلب المال من الغير وتعرض للإحراج ليعيش أبناؤه في كرامة، فأي عذر للأبناء اليوم في تركهم غير مقبول مقارنة بإحسانهم إلا أن يكون مما تنطبق عليه مقولة (اتق شر من أحسنت إليه).
بالله عليكم هل يكفي عذر إرضاء زوجة أو ظروف عمل أو إسعاد أولاد أو حرية أسرية أو خصوصية عائلية في تبرير عقوقك لوالديك بهجرهم ورميهم في دور الحزن؟! فقط راجع نفسك وأنت تتلو آيات من القرآن الكريم في حق الوالدين.

فتاوى الشيخ «واتس اب»

في سابق الزمان كانت الأمور تتم كما يجب بكل مباشرة ووضوح ومعرفة للمصدر ومن ذلك أن الفتوى في أمر العلم الشرعي (وهو تخصص دقيق وواسع وعميق يفوق في تفرعه ومتشابهاته ومزالقه وخطورته كل تخصص آخر) كانت الفتوى تصدر من المفتي العام، أو من يوازيه علما، مباشرة، وفي الغالب مواجهة، ثم أسهمت برامج الإذاعة وخاصة إذاعة القرآن الكريم في تثقيف الناس في الداخل والخارج بأمر دينهم عن طريق استضافة علماء محددين من المؤهلين في مجال العلم الشرعي هم كبار العلماء المعتبرين.

اليوم، ومع تسارع وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح أمر التوجيه الشرعي والفقهي خطيرا جدا، فبرنامج (الواتس اب) يعج بالرسائل التي تتعلق بأمور الدين مثلما يعج بمثلها مما يتعلق بأمور الدنيا!، وبالمناسبة جميعها خطيرة فالفتوى في أمور الشأن الاجتماعي والنفسي والسلوكي والصحي لا تقل خطورة عن الشأن الفقهي أو الشرعي، لكن الفارق يكمن في أن المتلقي لا يتقبل مشورة أو توجيها مجهول المصدر في شأن صحي أو اجتماعي أو نفسي أو سلوكي، ويتساءل من أنت لتوجهني؟!، أما في الشأن الديني تحديدا فإن المتلقي يقبل ما يرسل مفترضا صحته خاصة حينما يستدل الراوي بآية (وإن كانت في غير محلها وتفسيرها) أو حديث (ولو لم يكن يعرف صحته أو سنده) وهنا مكمن الخطورة!.

وعلى وجه العموم فإن العلم الشرعي رغم دقته وعمقه واتساعه وتفرعه ومتشابهاته وأهمية التخصص فيه، إلا أنه وكما ذكرت كثيرا، وفي أكثر من وسيلة إعلامية، أكثر العلوم عرضة للجرأة عليه وانتهاكه! ودائما أقولها: إنك لو كنت في مجلس أو وسيلة إعلامية وأراد أحدهم إيراد معلومة طبية أو صيدلانية أو هندسية لبدأ بالاعتذار لأهل التخصص وطلب التثبت منهم عن صحتها!، أما العلم الشرعي فإن كل من هب ودب من كاتب ومذيع وممثل بل ومغن لا يتردد في التفلسف فيه.

أنصح بالحذر مما يرد في وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر) و(الفيسبوك) و(الواتس اب) في كل ما يتعلق بالعلم الشرعي تماما كما يجب الحذر من المعلومات التي ترد في مجالات أخرى كالأدوية والأمراض وعلوم الفلك والطب البديل، والعودة لأخذ العلوم من مصادرها الموثقة المصححة المحكمة والمجازة علميا وتلك في المكتبات.