الإحساس بشعور الآخرين صفة تقترن بالفروسية والشهامة والإدراك، وهي أولا وأخيرا نعمة من نعم الله على عباده وتبرز أكثر في المؤمنين لأنها من الرحمة.
في مراحل دراسة اللغة في بريطانيا عجبت كثيرا حينما مررت ذات مساء، في أحد شوارع لندن، برجل ينزف دما من كل جانب في وجهه وشخير أنفاس أنفه النازف تستنجد ونظرات ما بان من عينيه تعاتب المارة وهم يمرون من جانبه ويتخطونه لأنه بجسده الضخم الممدد قد أغلق الرصيف، عندها حمدت الله على نعمة حرارة الدم التي ننعم بها والتفاعل الإيجابي الذي يجعلنا نهب للمساعدة.اليوم وأنا أشاهد تجمهر الناس على كل حادث صغر أو كبر وكل منهم يرفع (جواله) لتصويره ويتسببون في إعاقة سيارات الإنقاذ بإيقاف سياراتهم للتصوير ويعيقون وصول المسعفين بتحلقهم حول الضحايا، شعرت أننا لم نتخل عن الإحساس والتفاعل مع مصائب الآخرين وحسب، بل نمارس عملا لا ينم للرحمة بصلة وهو التسبب في مضاعفة آلامهم والتعدي على خصوصيتهم وهم في حالة ضعف.
أنا لا أطالب المارة أو رواد الطريق بإسعاف المصاب فذلك أمر غير منصوح به في كل الأحوال إلا بإيقاف نزف أو مساعدة تنفس، لمن يجيده، وفي الحالات التي تهدد الحياة ويلعب فيها عامل الوقت، ريثما يصل المسعف المختص، عنصر إنقاذ حياة، لكنني أؤكد أن لا يشمت السالم بمن أصيب، والتجمهر للفرجة والتصوير باب من أبواب الشماتة وتحقيق غرض شخصي يتمثل في سبق التصوير على حساب إنسان مصاب أو حتى متوفى له حرمته.
التجمهر والتصوير وعدم إحساس السالم بالمصاب صورة شاعت قياسا بأعداد المتجمهرين وأعداد المقاطع التي تروج، لكن الصور الإنسانية ومواقف الشهامة وإحياء الأنفس والخلق الإسلامي المتمثل في الإيثار موجودة، ولله الحمد، ومستمرة، لكنها لا تشاهد في مقطع مصور أو صورة، لأن من يفعلها لديه إحساس إنساني عظيم يجعله لا يفكر في التصوير بل لا يفكر في سلامته أمام إنقاذ الآخرين ولنا في (فدائي نجران) الشهيد علي أحمد آل مرضمة خير مثال فقد افتدى عشرات المصلين بنفسه ومنع الإرهابي من الوصول إليهم ليموت من أجل حياة الآخرين وأمثاله كثر وخلال أشهر معدودة.
أتمنى أن يآتي اليوم الذي يحس فيه كل سالم بمصيبة المصاب قبل و أثناء وبعد أن تحدث، فيحول دونها أو لا يتسبب في تفاقمها وذلك أضعف الإيمان.