الشهر: نوفمبر 2017

حذار فبعض الكرم يفسر ضعفاً ياوطني

سبق أن كتبت عن هذا الموضوع سابقاً، منذ أكثر من ثلاثين سنة مبدياً استغراباً لا زلت أفكر فيه، لكنه أصبح أكثر إلحاحاً اليوم وستكون الغرابة أكبر كلما استمرت الممارسة.

شاركت في مؤتمرات علمية لا أحصي عددها، سواءً كطالب صيدلة أو كمعيد أو محاضر أو باحث، ولا أذكر عدد الدول الحاضنة للمؤتمرات التي حضرتها، لكنني أتذكر جيداً أن المملكة العربية السعودية الدولة الوحيدة التي تتكفل بتكاليف المحاضر (أو المتحدث) كما يسمى في المؤتمرات كاملة، فتستقبله في المطار ويسكن مجاناً ويأكل مجاناً ويتنقل مجاناً وتدفع عنه تعويض قيمة تذكرة الطيران! أمر مستغرب حقاً، صحيح أننا نتميز بكرم الضيافة لكننا نتميز أيضاً بشرف الاستضافة العلمية فنحن متميزون في تخصصات علمية عدة نحن فيها مرجعية علمية عالمية.

 لم نعد تلك البلد التي تحاول اجتذاب العلماء لزيارتها، هذا من جانب ثم أن احتضان مؤتمر علمي أو صحي أو تطبيقي، المهم فيه إجادة تنظيمه وليس مجانية التنظيم ومن يرغب طرح ورقة علمية فيه يفعل ذلك لرغبته العلمية ولنشر بحثه وتقديم معلوماته فلماذا نقدم له الفرصة مجاناً خلاف غيرنا؟!.

خذ، على سبيل المثال لا الحصر، في مجالات إنتاج البترول، وزراعة الكبد وفصل التوائم وانتاج الأمصال المعادلة لسموم الثعابين والعقارب نحن مرجعية علمية عالمية لا يستطيع أحد الجدال في ذلك، وتعترف بذلك المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية كمثال، فلو عقد لدينا مؤتمر في أحد هذه المجالات (وغيرها كثير لكنها مجرد أمثلة) فإن كل عالم يتمنى طرح ورقته من خلالها، فلماذا نتكفل بتكاليفه؟!.

في المقابل فإن المتخصص منا في تلك المجالات التي نتميز بها لو سجل في مؤتمر كمتحدث أو دعي له، فإنه يتكفل بكل تكاليف رحلته وتنقلاته وطعامه إلا ما اشتملت عليه رسوم التسجيل التي دفعها.

لا أتحدث ظناً أو توقعاً بل عايشت هذه الحالة الغريبة طوال ٣٠ سنة وأنا عضو في عدة لجان تنظيم مؤتمرات سواء أثناء عملي كمحاضر بجامعة الملك سعود أو بعد انتقالي منها وأنا استغرب لماذا نتكفل بالمتحدث، وزاد استغرابي عندما شاركت متحدثاً في مؤتمرات بفرنسا وأمريكا والكويت والأمارات وأنا أتكفل بكل تكاليفي.

أقول قولي هذا من منطلق وطني ، مذكراً أن بعض الكرم قد يفسر ضعفاً.

تحرش في حراج بن قاسم!

في مقال السبت تحدثت عن أشكال من التحرش بالمرأة في مكان العمل وفي محلات البيع وقلت أنه حتى حراج بن قاسم يمكن أن يحدث فيه التحرش ووعدت أن أستشهد بحادثة، لكنني لا أعد بأن أفصل فيها فالوضع يندى له الجبين، وليس من المصلحة لا شرعياً ولا وطنياً الكتابة عما حدث وكيف تم التعامل معه، لذا فإنني عندما تلقيت الشكوى منذ أكثر من سنة وتأكدت من الشهود لم أكتب حرفاً عن الموضوع لا في (تويتر) ولا في هذه الصحيفة ورأيت أن من الحكمة والوطنية أن أرفع به لسمو أمير منطقة الرياض في خطاب سري للغاية، وهكذا أفعل دائماً ومنذ سنوات مع كل قضية  ليس من الصالح نشرها، وشهادة لله فقد تجاوب سموه بسرعة فائقة مع البلاغ، لكن صادف أن أصبت بقطع في أربطة الكتف وأجريت عملية جراحية معقدة، فأخذت القضية منحى بيروقراطي بسبب سوء تصرف من ملازم في شرطة الملز، فعانيت أيما معاناة وأزعجت وأنا خارج المملكة إزعاجاً لا يليق بمن بلغ بتلك الطريقة، حتي أني لا أعلم ما تم في القضية.

أعذروني لا أستطيع أن أفصل أكثر، لكن نظام مكافحة التحرش يجب أن ينتصر أولا لمن يعتدى عليها وهي لم تعرض نفسها للتحرش مثل تلك المسكينة التي يتحرش بها جسدياً في السوق أو مكان العمل أو محل البيع أو حتى في المنزل، فهذه التي لم تفعل شيئاً يمنح الفرصة لضعيف نفس أن يؤذيها أولى بالحماية وأخذ حقها الشرعي والحق العام من المعتدي، لكن هذا لا يمنع أيضاً من معاقبة المتحرش بمن عرضت هي نفسها للتحرش، على أن تطال العقوبة الطرفين كل بما يستحق.

والشريعة أولاً، ثم الأنظمة القائمة على أساسها، لا تفرق بين رجل وامرأة فثمة حالات تحرش امرأة بامرأة وامرأة برجل ففي الدول التي تعاني من تحرر منفلت فإن قضايا التحرش وحتى العنف الأسري يحدث كثيراً من المرأة ضد الرجل وثمة أرقام وإحصاءات منشورة في هذا الصدد، وعلينا أن نعترف أن اعتداء وتحرش المرأة بالمرأة موجود في بعض المدارس والجامعات.

أقصد من هذا كله أن النظام حين يصدر رسمياً فمن المؤكد أنه سيكون شاملاً، كيف لا وهو مستمد من شرع الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو ديدن هذا الوطن الذي اتخذ القرآن دستوراً.

تحرش عن تحرش يفرق

للتحرش أشكال وطرق ومناسبات واستغلال فرص واستغلال منصب واستغلال حالة ضعف، وله أماكن ومواقع وربما له طقوس أيضاً، ومن المؤكد أن نظام مكافحة التحرش شامل لكل أشكال التحرش وفي كل الأماكن ولا يفترض ربطه بالتحرش بالمرأة كسائق!، بل هو يشمل ما هو أعم من ذلك وإن تزامن صدوره بعد قرار الموافقة على إصدار رخصة قيادة للمرأة فقرار إصدار رخصة القيادة للمرأة محدد بدايته بتاريخ ١٠ شوال ١٤٣٩هـ ، بينما نظام مكافحة التحرش إذا صدر رسمياً فإنه كعادة قرارات الحزم والعزم سيطبق فور صدوره.

أتمنى أن تكون أقسى عقوبات النظام على من يستغل منصبه في التحرش بموظفة دعتها الحاجة للعمل تحت إمرة مدير رجل، وإن كان اقتراحي الذي درت به على عدة مديريات شؤون صحية ومستشفيات ولم يجد أذناً صاغية!، ثم نشرته في مقال بصحيفة الرياض بعنوان (إدارة للمرأة العاملة) في ١٧ يوليو ٢٠٠٩م ثم تبعته بمقال بعده بأسبوع وفي ذات الصحيفة بعنوان (قوارير المستشفيات ما عذر الوزير) ويتلخص المقترح بإنشاء إدارة لشؤون المرأة في كل مقر عمل مختلط تتولى كل شؤون المرأة دون أن تطلب شيء من موظف رجل فلا يستغل حاجتها وتقوم على الإدارة امرأة قوية وتنوب الإدارة عن الموظفة في كل المطالبات ولم يطبق المقترح إلا في مستشفى الملك فيصل التخصصي.

من أشكال التحرش، تحرش مدير المبيعات بالبائعة بلمس يدها مدعياً أنه يجرب كريماً أو عطراً وقد كتبت عن ذلك في هذه الصحيفة بعنوان (دسوقي مدير بائعة العطور)، واللمس في كل دول العالم تحرش يقصد منه تطور الأمور وأجزم أن النظام سيردع الجاني بلمس يده بسلسلة من حديد!.

العبث مع المرأة المراجعة لإحدى المؤسسات حكومية أو خاصة بطلب جوالها للمتابعة ثم التحرش بها ومساومتها شكل من أشكال التحرش الذي يستغل الحاجة ويستفيد من العمل.

صور استغلال ضعاف النفوس للمرأة والتحرش بها كثيرة ولا تقتصر على إمرأة تقود مركبة، لكن المساحة لا تكفي، وفي مقال الثلاثاء أدلل لكم أنه حتى حراج بن قاسم يحدث فيه تحرش عجيب.

 

عدو تحفيظ القرآن .. لا بصر ولا بصيرة!

المملكة العربية السعودية أقوى دول العالم فاعلية في محاربة الإرهاب وأكثرها، دون منافس، قدرة استخباراتية على كشف أوكار الإرهاب و تجفيف منابعه، هي في ذات الوقت أكثر دول العالم تشجيعا لحفظ القرآن ولمسابقات التحفيظ ولدعم مراكز تحفيظ القرآن و مدارسه في الداخل والخارج.

ثم يأتي قاعد خامل، لا يعلم شيئا، ولا يمتلك حسا أمنيا ، ناهيك عن إحساس، ولا يحيط علما بما يدور خلف الكواليس، ناهيك عما يدور حوله، ولا يتعدى تفكيره أرنبة أنفه القصير،  فيلمح  لأن ثمة علاقة بين الإرهاب ومدارس  التحفيظ ، ولأن أحدا لم يعد يكترث بزلاته وشطحاته المتكررة، التي لا تنم عن وعي، يتمادى فيصرح بما كان يلمح له ويكرره، وهو ديدن من تجتمع لديه صفة الثرثرة والهذيان بما لا يَعْقل، ويجتمع  معها تجاهل الناس لثرثرته وسكوت الجهة الرسمية عنه ترفعا عن مجرد التأثر بما يطرح،  فيتمادى ظنا أنه على جادة صواب وهو فاقد للصواب.

هذا الفجور في الخصومة مع الدين والتحفيظ ،  يدلك على عدم المهنية في توجيه الاتهامات دون دليل،  بل مع وجود دليل قاطع ينفي ما يدعيه، وهو أن الدولة التي أبهرت العالم في قدرتها على محاربة الإرهاب لو علمت علاقة لأي نشاط ، أيا كان ، بالإرهاب لشلت حركته، وحاشى لله أن يكون للتحفيظ صفة علاقة، أو شك في علاقة بالإرهاب ،  كما يدعي، وهو فاقد  للبصيرة،  وعمي بصره عن رؤية الدولة تشجع حفظ القرآن وترعى مسابقاته بحضور كبار المسؤولين وبرعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين.

 

إنما خذل من قبلهم تضارب المصالح

أثبت وزراء و محافظون ورؤساء هيئات أن الإنجاز في هذا الوطن لا ينقصه إلا العزم على تحقيقه والإخلاص في الوصول إليه وتجاهل كل تعارض بين الهدف النبيل ومصلحة خاصة للمسؤول أو من يعز عليه أو من يخشاه.

هذه حقيقة أثبتها غازي القصيبي تغمده الله بواسع رحمته في كل مسئولية تولاها وقد تولى كثير، وانجز الكثير وواجه كثر من عتاة المستفيدين النافذين لكنه غَلَب مصلحة الوطن ولم يكترث لا لمصالحهم ولا لمصالحه معهم ولم يخشاهم، فكسر كثيرا من الحواجز التي كنا نظنها ضد الكسر.

تلى تجربة غازي القصيبي بعض التجارب التي أثبتت أن من يريد أن يعمل بإخلاص يستطيع أن يكسر حواجز كنا نظنها مستعصية وهي ممكنة وكنا نظنها قواعد ذات أساس نظامي وهي أوهام، من ذلك على سبيل المثال ما حققه الوزير توفيق الربيعة في وزارة التجارة خلال عامه الأول، شهر بتجار كبار وكنا نسمع ممن سبقه أن التشهير مستحيل و أغلق متاجر شهيرة وكان غيره لا يجرؤ على غلق بقالة أو مطعم و فرض حقوق مستهلك وكانت حقوق المستهلك تباع ولا تسترد أو تستبدل!.

ما يفعله معالي المستشار ورئيس هيئة الرياضة تركي آل الشيخ اليوم مثال حي غير مسبوق في السرعة وغير مسبوق في عدد وتوالي وقوة القرارات وتحديد الأولويات، في شأن شائك محفوف بالتعصب والمصالح والفوضى الإعلامية هو الشأن الرياضي، فمن يصدق أن الملفات المالية للأندية تحال لهيئات الرقابة والتحقيق وأن قضية انتقال حارس تحال لذات الهيئة وأن رؤساء الأندية يمنعون من الجلوس على الدكة والأجمل من هذا كله أن لاعبا ظلم باتهامه بتعاطي المنشطات وإخفاء براءته ينتصر له بإحالة ملفه للجنة دولية محايدة لا تتأثر بضغوط وتدخلات ونخر السوسة الذي  ظلمه.

تلك مجرد أمثلة، العامل المشترك الأعظم فيها أن جميع ولاة أمر هذا الوطن منذ تأسيسه يدعمون من يعمل بإخلاص وينشدون إنجازا وأمانة وعدل، وتبقى ذمة من يتولى المسئولية تحمل وزر تغليب المصلحة الخاصة على العامة أو تغليب مصلحة من تتضارب مصالحهم مع الصالح العام أو خشيتهم.

تضارب المصالح مشكلة أزلية كبرى ليس لدينا فقط بل تعاني منها أكثر الدول تقدما، ولها أشكال وصور متعددة فمن خائف على مصالحه ومن خائف على مستقبل مصالح  أبنائه و آخر لا يتضارب الإصلاح مع مصلحته لكنه يخاف ممن يتعارض الإصلاح مع مصالحهم.

والمصالح هي الأخرى متعددة الصور منها مالي ووظيفي وشراكة وعلاقات وجاه وميول رياضي وهنيئا لمن غلب الصالح العام على كل مصلحة ولن يرضي الجميع، إنما خذل من قبلهم الميل إذا تضاربت المصالح.

أمال المعلمي كشفتهم أكثر

في حوار المواطنة السعودية أمال المعلمي، مساعد أمين عام مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وعضو هيئة حقوق الإنسان، مع إحدى القنوات الفضائية، برزت، وبوضوح يدعو للفخر، قدرة المرأة السعودية على تمثيل وطنها بما يتفق مع أهم ما يتميز به هذا الوطن ومواطنيه وهو الاحتكام لشرع الله والاستدلال بأيات من كتاب الله الكريم الذي اتخذه الوطن دستوراً واتخذه المواطن هدياً ونوراً.

قال لها أريد رأيك كإمرأة سعودية، قالت لا بل كإمرأة مسلمة!، ثم حشرته في زاوية بالدليل القاطع من القرآن الكريم، لم تجعل مرجعها وقدوتها توجه تيار فكري، ولا استشهدت بسلوك مجتمع غربي، فقد كان اعتزازها بدينها ثم دينها ثم دينها ثم تاريخ وطنها وتحوله بثقة وتريث وهدوء لتحقيق ما تستحقه المرأة من مكتسبات بعد توفير ما تتطلبه من بنية تحتية وتنظيمات.

كعادة بعض الزملاء العرب مقدمي البرامج الحوارية في تلك القنوات الأجنبية حاول المحاور تمرير بعض الرسائل التي تنتقص من وطنها بمقارنته بغيره، لكنها ردت بما يرفع من شأن وطنها مقارنة بغيره!، وحاول أن يستفيد من كونها امرأة سعودية فيسيء لطبيعة وطباع الرجل السعودي لعلها توافقه، لكنها كانت امرأة عن ألف رجل ففوتت عليه الفرصة رافضة المقارنة بين الرجل والمرأة.

حاول أن يستثير غيرتها كزوجة فيغنم بإعتراض على تعدد الزوجات فأعطته والمشاهد درساً في الامتثال لما أحله الله بآية في كتابه الكريم، وأخيراً حاول يائساً أن يغزوها من جهة حب المال فأرادها أن تؤيد تساوي المرأة والرجل في الإرث فلطمته برد من إرث ديني وتربية إسلامية سليمة.

هذه المرأة بما تتحلى به من فن الحوار، (ونحن نتوجه لتنصيب المرأة فيما تستحق من مناصب)، تستحق أن ترأس الحوار الوطني وبما تملكه من رزانة وهدوء وحكمة أن تتولى أعلى مناصب التمثيل الدبلوماسي.

ليس غريباً أن يأتي مثقف ويسخر منها ويتهكم بتوجهها، فقد أصبح انكشافهم سهلاً للغاية، لا يهمهم بروز المرأة ولا تميز المرأة ولا جرأتها وحكمتها وتمكنها من الحوار ولا حقوقها، يهمهم جداً أن لا يخالف فكرها تفكيرهم المحدود جداً.

مسلسل تركي بعنوان (عثمان جنن أردوغان)

عثمان العمير ولد صحفياً وأظنه سيموت صحفياً، كيف لا وهو لا يزال يملك القدرة الجسدية لممارسة العمل الصحفي الميداني وهو قد قارب السبعين؟!، لا عجب أن يستمر الحس الصحفي والشهوة الصحفية بعد السبعين أو حتى الثمانين لكن القدرة على تلبيتها ميدانياً صعبة  للغاية.

زاملت عثمان في (الجزيرة) أواخر التسعينات الهجرية وهو بالمناسبة عاش يعمل خلف الكواليس (رئيس تحرير غير متوج) لكنه يتوج الصحافة بأفكار تسبق الزمن، لا أنسى فكرته في (المسائية)، والمسائية فكرته، قال لي ذات يوم سأستحدث في المسائية زاوية (أين تأكل هذا المساء؟!) نريد أسماء مطاعم بدون بدل إعلان، قلت له (من جدك؟!)، كانت أغلب مطاعم الرياض آنذاك مطاعم مندي وكوارع!.

أختلف كثيراً مع عثمان لكنني لا أختلف عليه فهو عملة صحفية نادرة مهاجرة.

حواره مع فتح الله غولن يدل على أنه لا يزال يملك شهوة الصحافة، وشده الرحال لمقابلة الناشط التركي في بنسلفانيا يدل على أن لديه القدرة أيضاً، وقلما تجتمع الرغبة والقدرة في هذا السن إلا لمن تزوج الصحافة وأنجبها وأنجب منها.

لم أقابل عثمان العمير منذ أكثر من عشرين سنة وفي آخر مقابلة كان قد عزمني بكرم وسخاء في مطعم راق كعادته مع كل زميل يزور لندن ، وأتابعه في (تويتر) ولا يتابعني!، فلا تفهموني خطأ فكل ما في الأمر أنه يعجبني كصحفي سعودي نادر. تماماً مثلما أعجبني عبدالرحمن الراشد حينما شد الرحال صحفياً شاباً من مكتب واشنطن إلى الناصرية في الرياض ليقنع رئيس تحرير صحيفة (الجزيرة) آنذاك محمد بن عباس بنشر حواره النادر مع الزعيم الأمريكي المسلم لويس فرخان، ولم ينشر، ووقفت معه حزيناً يردد (والله نيويورك تايمز تتمنى تحاوره ورافض)، قلت له (لا تشكي لي ابكي لك أنا أنتظر نشر تحقيق عن العملية القيصرية من أربعة أشهر).

الصحافة صفائح دموية تجري في الدم حباً، مثل حب الوطن، ويلتقيان كثيراً، لكن لنعود إلى حوار عثمان العمير مع السيد غولن فبالرغم من أن التخطيط للقاء بدأ في مايو إلا أن نشره هذه الأيام ضربة معلم صحفي، فتركيا وجيرانها وربما العالم أجمع في حاجة إلى حوار مع هذا الرجل، فرجب طيب أردوغان أثبت مؤخراً أنه (يهايط) سياسياً بشكل ملحوظ، والمهايطي حساس جداً وهش، فهو يصاب بهيجان شديد عندما يسمع (مجرد سماع) باسم غولن، فإذا اجتمع طاري غولن والاستفتاء على انفصال أكراد العراق جن جنونه! وعثمان اختار الحوار المناسب مع الرجل المناسب في الوقت المناسب ولن استغرب لو أجرى تحقيقاً صحفياً عن الانفصال فالضربتين في الرأس توجع وستجعل أردوغان يفيق من حالة هياط غير محسوب!.

 

غلطة إعلامية بداعي الوطنية

أحترم كثيراً جداً غيرة وحماس كل مواطن في الدفاع عن وطنه، وأحترم رأي واستراتيجية كل شخص وتصرفه وخياراته، فلست أعلم  منه ولا أحكم منه ولست وصياً عليه.

هي مجرد وجهة نظر أرجو أن لا يغضب منها كثيرون وإن كانت لا بد أنها  ستغضب من يختلف معها خصوصاً إذا كان لا يقبل الرأي الأخر.

لا يمكن لعاقل أن يعترض على الدفاع عن الوطن، لكن قمة العقل أن تعترض على استخدام سلاح الدفاع لمن لا يجيد استخدامه وقد ينتج عن اجتهاده ضرر لا يبرره الحماس وخسائر بنيران صديقة بسبب حماس غير محسوب، وهنا قد يكون من المصلحة توجيهه بالامتناع عن الخوض في معركة لا يجيد استخدام اسلحتها!.

الإعلام سلاح، ولعل العبارة الأكثر ترديداً والأقدم على الإطلاق هي أنه سلاح ذو حدين، ولعل (تويتر) أصبح أحد أقوى الأسلحة الإعلامية وأخطرها، وكثرة المتابعين تزيده خطورة، ومن غرائب وعجائب تويتر أن المتابعة المليونية لا تعني دوماً ارتفاع مستوى المهنية لدى المتبوع!.

الاجتهاد الذي أرى أنه خاطئ جداً، وحذرت منه كثيراً، هو إعادة عرض مقاطع فيديو أو تغريدات معادية للوطن لغرض الرد عليها أو السخرية من قائلها أو كاتبها، وهذا في ظني أنه اجتهاد جانبه الصواب وخطير جداً، لأنه يمثل ترويجاً للمقطع أو القول أو التغريدة لم يكن العدو يحلم به قياساً بعدد المتابعين لمن اجتهد للرد عليه، حتى لو كان الهدف دحض ما قيل ومقارعته بالحجة أو السخرية منه، ففي كل الأحوال أنت أعنت على نشره!، وهذه خدمة للعدو.

لأن أجدادنا كانوا حكماء جداً و أذكياء بالفطرة، كانوا يقولون في الأمثال الشعبية (إدفن البير يقل ورده وآحفر البير يكثر ورده) وهي كناية عن ما يسيء إليك فكلما تحدثت عنه (ولو معترضا ومحتجاً ومدافعاً) كلما أعدت إحياؤه وإن تركت التطرق له دفنته!، فما بالك بإعادة نشر مقطع فيديو مكذوب ومسيء أو تغريدة مسيئة لمغمور ليس له ١٠٠ متابع ثم يرد عليها ،بعد عرضها، مشهور له مليون متابع!.

هذه فكرة عرضتهاً كثيرا وفي أكثر من مناسبة، لكن الممارسة مستمرة!، ولأننا نخوض حروباً فقد يكون من المصلحة (إذا حظيت الفكرة بالتأييد) أن تعمم بشكل وطني حازم.

 

 

وطن من يعود إلى حيث بترت ساقه!

أولا، هنيئا لوطني هذا اليوم الوطني، وكل يوم في وطني يوم وطني، ومخطيء من يعتقد أن  العام الهجري الذي مضى هو عام اكتشاف الخيانات، فالخيانات مكتشفة منذ ما يزيد عن عشرين سنة!، والصحيح أنه عام كشفها لا اكتشافها، فمما يستحق الاحتفاء به أن وطننا وطن صبور لا يستجيب للغضب بسرعة وإذا استجاب استجاب بقوة!، وهذا ما حدث فعلا، صبر طويلا جدا وتحمل كثيرا جدا، وكأي حليم خف منه إذا غضب!.

أعجب لمن يقول لا توقدوا نار للفتنة وقد كشفت الحقائق أنهم أوقدوها تحت أقدامنا من سنين ووطئنا عليها وعليهم وعلى من استعبدهم سنين بصبر، صبر على نار (توجع رجل واطيها)، والنار ما توجع إلا رجل واطيها، ونحن واطيها ونبتسم، وأعجب ممن يقول إخوة و روابط دم وأبناء ونحن لم نغضب إلا على شخصين خانوا الأخوة وزيفوا الروابط واتضح أن كل منهم ليس إبن (إنه عمل غير صالح)، الإخوة والأبناء منهم صاروا معنا قلبا وقالبا وروابط وكذا الشعب القطري الأصيل.

كشف الوطن هذا العام ( كشف وكان قد اكتشف منذ حين) أن الخيانة حاضرة في كل من شذ عن الجماعة والوسط وتطرف في الجانبين، في الحزبين (وهل يجد الشيطان جوه ومتعته إلا في من شذ وتطرف وتحزب؟) فالحزب الذي تطرف وقدم أبناء غيره وقودا لنار حروب لا يعرف هدفها ومستهدفها ، وترك أبناءه في رغد عيش وعاش هو في كنف أموال وهبات وقصور فارهات في الجوار، كشفت خيانته!، والحزب الذي ادعى (ديموقراطية) وتحررا ودعى لحرية زائفة وليبرالية غير صادقة وترأس يوما منبرا يحارب الشعائر ويسخر من المتدين ويدعي عطفا على الفقير كشفت أيضا خيانته وكشف مع أول غضبة وبالصوت والصورة  اصطفافه ضد وطنه وأنه يعيش في كنف هبات وقصور فارهات ولكن عبر المحيطات!.

تلك صور شاذات وأولئك قلة وجد فيهم شيطان الفتنة ضالته، متطرفة بعيدة شاردة، كما يفترس الذئب المنعزلة من الغنم، أما الغالبية الصالحة المخلصة فهي الوسطية التي أخلصت عملها لوجه الله وباتباع شرع لا يقيم حدوده إلا هذا البلد الأمين وهي تعرف ذلك جيدا، لذا أحبت القيادة وأخلصت العبادة وعشقت الوطن وتفانت حيث يجدي التفاني في كل مجال، وهذه الغالبية يمثلها جندي يتوسل للعودة لميدان دفاع بترت فيه ساقه، و أب يشكر وطنه أن أتاح لابنه الاستشهاد دفاعا عنه، وأم تستقبل جثمان الشهيد دفاعا عن الوطن بحمد الله علي نعمته وشكر القيادة أن مكنته، ومحارب مصاب في صدره يلتقط ما بقي من أنفاس ليقول قصيدة في حب الوطن، ونازف يحمل جثمان زميله مستعينا بما بقي من قطرة دم ، على هؤلاء يراهن وطني!.

 

رياء مالي وهياط (شوري) يستغل المرضى

منذ أكثر من عشرين سنة (وأكرر أكثر من عشرين سنة).. أبتلي المجتمع السعودي بظاهرة إعلامية غريبة: صحف صفراء ووردية تعلن عن مريض بمرض عضال يحتاج إلى علاج عاجل في الخارج ثم في اليوم التالي يخرج (بطل همام) من رجال الأعمال أو الأثرياء ممن لا منصب لهم ولا مسئولية فيعلن عبر الصحيفة نفسها تكفله بعلاج المريض على حسابه الخاص في الخارج.

كنت أشعر بألم شديد أن يتم استغلال المرض، وليس المريض! لأنه لم يكن ثمة مريض حقيقي، فقد كانت مجرد دعاية وبطولات لأشخاص ورياء وسمعة لأثرياء، كانت تخدع حتى بعض كتّاب الصحف البيضاء!.

كنت أصيح بأعلى الصوت (بصوت القلم) ورقياً وصوت صاحبه تلفزيونياً أن ثمة لجنة طبية للعلاج في الخارج تابعة للدولة وقوائم الإنتظار فيها مليئة بالأسماء المحتاجة فعلاً من المرضى السعوديين، فعلى من هو صادق فعلاً في التكفل بعلاج مريض في الخارج أن يتبنى تكلفة علاج مريض أو عشرة من تلك القائمة ويرسلهم على حسابه الخاص خصوصاً أنهم مرضى حقيقيين بتقارير طبية مفصلة.

آنذاك كانت وزارة الصحة مقصرة، هذه حقيقة، لكن كانت تلك الدعايات كاذبة بدليل أن أحداً لم يتقدم لتبني علاج مريض حقيقي لا للجان الطبية الرسمية ولا لغيرها.

اليوم انشأ أطباء مخلصون صالحون الجمعية الخيرية الصحية لرعاية المرضى (عناية) وتتبنى علاج الحالات للسعوديين وغير السعوديين ورعايتهم طبياً ودوائياً، لكن فرسان (الهياط) اختفوا ولم يدعموا، وبقي الدعم ممن لا تعلم شماله ما انفقت يمينه.

وبالمناسبة وقّـع معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة اتفاقية شراكة مجتمعية بين وزارة الصحة والجمعية الصحية لرعاية المرضى (عناية) في ظل سعي وزارة الصحة لتعزيز المبادرات الصحية والشراكات الإستراتيجية مع القطاع الخيري والتي تسهم في تحقيق برنامج التحول 2020 وتحقيق رؤية 2030.

إذاً فإننا في صدد رؤية جديدة تستحق الدعم لا مجال فيها للهياط والتصنع والرياء والسمعة على حساب المرضى، وغني عن القول أن الهياط الشوري هو الآخر ليس مكانه اليوم، فمن لديه رأي في الرعاية الصحية من أعضاء وعضوات الشورى فعليه طرحه جدياً في مشروع قرار أو مقترح وليس تصاريح إعلامية (وفلاشات) تداعب مشاعر المرضى ففيهم ما يكفيهم، واعتقد جازماً أن (الفلاش الأعظم هو إدعاء عضوة شورى أنها إنفجرت بالبكاء بعد سماع احد القرارات، وهي لم تنفجر ولم تبك وليس ثمة ما يدعو للبكاء إلا الظهور الإعلامي.

الحمدلله واقعنا اليوم يسر ولا يبكي إلا الأعداء وعلينا أن نطالب ونقترح ونجتهد لكن عبر القنوات الصحيحة! الإعلام للإعلامي وأروقه وكواليس الجلسات لأعضاء الشورى وكفى مزايدات.