اليوم: 4 فبراير، 2002

تلفزيون الفرص الضائعة

ثلاثة أحداث حدثت في فترة زمنية واحدة على أرض هذا الوطن، وجميعها لها مؤشرات إيجابية دون أدنى شك ولكن بتفاوت يرجح كل منها على الآخر ويرجح اثنان منهما على الثالث بشكل كبير جداً.

نجاح المهرجان الوطني للتراث والثقافة (جنادرية 17) ونجاح عملية فصل التوأمتين السياميتين السودانيتين “في المملكة” ونجاح منتخب المملكة لكرة القدم في الحصول على كأس الخليج الخامسة عشرة.

دعونا بواقعية وموضوعية نتفحص أهمية كل منها من جانب مردوده الإيجابي على المملكة عالمياً من وجهة نظر إعلامية، وفي هذا الوقت بالذات ودلالات كل واحد منها على تطوير إنسان هذا البلد علمياً وفكرياً وهي المقاييس الحقيقية لتقدم الأمم والتي تستخدم لتصنيف البلد ضمن الدول المتقدمة أو النامية أو تحت النامية أو المتخلفة. ثم نرى كيف تعامل معها إعلامنا الرسمي وخاصة قنواته الفضائية التي يفترض أن تأخذ في الاعتبار الأهمية العالمية للحدث ونقله للعالم ليعكس الصورة الناصعة لما نعيشه من تقدم في هذا البلد وانصاف المملكة بوضعها في موضعها الذي تستحقه ضمن الدول المتقدمة.

المهرجان الوطني للتراث والثقافة في جانبه التراثي يمثل تجسيداً واضحاً وسهلاً وممتعاً لمستوى النقلة العظيمة التي تحققت في هذا الوطن بين ماض قريب يفتقد لأبسط مقومات الحياة من أمن وعلم وصحة إلى حاضر أصبح فيه نفس الوطن مدرسة أمنية ومركز تصدير للمعرفة وتدريب للخبرات وأنموذجاً للرعاية الصحية المتقدمة. وفي جانبه الثقافي المتميز هذا العام يمثل مهرجان الجنادرية ريادة المملكة عربياً وإسلامياً في المجال الثقافي وتبنيها للحوار الواعي الصريح حول قضايا الأمة والعالم أجمع.

وفي كلا الجانبين التراثي والثقافي ترد الجنادرية على ما يحاول الإعلام الغربي والأمريكي بصفة خاصة ترويجه هذه الأيام عن المملكة.

تلفزيوننا العزيز بذل جهداً يسيراً في متابعة الجانب التراثي وغاب عن الجانب الثقافي ولم يعطه ما يستحق من أهمية.

عملية فصل توأمتين ملتصقتين سودانيتين “في المملكة” وهي عملية معقدة بكل المقاييس ونادرة ونجاحها أندر ويعتمد على قدرات وإمكانات العنصر البشري متعدد التخصصات أكثر من اعتماده على الأجهزة المستوردة وعندما يتخصص فريق طبي سعودي في إجرائها بكفاءة ونجاح، وعندما تجرى في مستشفى حكومي سعودي ويصبح مرجعاً علمياً في هذا المجال للعالم أجمع فإن لهذا الإنجاز دلالات كثيرة ومتعددة منها أن نعمة الرخاء والتطور التي تعيشها المملكة ليست حكراً على مواطنيها بل شملت أبناء الأمة العربية والإسلامية ويجسدها سرعة تجاوب ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مع برقية والد التوأمتين (نصف ساعة فقط كما ذكر الأب في تصريحاته).

ومنها أن المواطن السعودي تفوق على غيره في عدة مجالات تحتاج إلى علم وفكر ووعي وممارسة وخبرة وهذا لا يمكن أن يحققه إلاّ مواطن يعيش في بلد متقدم ويجد البيئة المناسبة للنبوغ والبروز.

تلفزيوننا العزيز اكتفى بخبر مقتضب في نشرة الأخبار عن عملية فصل التوائم السيامية رغم أنه طلب منه عرض مقاطع منها على الهواء مباشرة، ورغم أن مصور التلفزيون أخذ للقطات متعددة لمراحلها وسجل حديثاً مع الفريق الطبي الذي أجراها وبذل المصور إضافة إلى فريق التصوير بالعلاقات العامة للحرس الوطني جهداً كبيراً في التصوير من داخل غرفة العمليات إلاّ أن هذا كله لم يرَ النور باسثتناء الخبر القصير آنف الذكر في نشرة الأخبار.

وحقق منتخب المملكة كأس الخليج في كرة القدم وتحقيق أي دولة لكأس في كرة القدم أمر مفرح على مستوى وطني وكرة القدم تحظى بشعبية كبيرة عالمياً، هذا لا خلاف عليه، لكن البروز في مجالها والفوز ببطولاتها لا يعني بالضرورة تطور البلد الفائز وتقدمها بل أن الواقع يشير إلى العكس فأقل الدول إمكانات وتطوراً وأكثرها فقرًا تصنف ضمن الدول القوية في مجال كرة القدم وتصدر أعلى اللاعبين سعراً في العالم.

الأورغواي، الكاميرون، نجيريا، إلى جانب البرازيل والأرجنتين وكولومبيا جميعها دول لها إنجازات كروية كبيرة بينما لم تعرف اليابان والولايات المتحدة الأمريكية كرة القدم إلاّ حديثاً ولم تحقق إنجازاً كالذي حققته الأورغواي مثلاً.

وباستثناء شهرة بعض الدول عالمياً فإن الفوز في كرة القدم لا يحقق تصنيفاً عالمياً يضع الدولة ضمن مصاف الدول المتقدمة.

تلفزيوننا العزيز شهد أطول فترة بث مباشر ليلة الفوز بكأس الخليج بدأ منذ السابعة مساء وحتى قرب فجر اليوم التالي، ولم يكتف بنقل المباراة والتحليل الفني بل بث تغطية مباشرة من الفندق بعد المباراة.

أنا لست ضد كرة القدم والاهتمام الإعلامي بها والتركيز عليها وإن كنت أرى أن الصحافة المحلية كفيلة بتغطية ومتابعة الفرح الشعبي بالفوز في حين يجب أن يسخر التلفزيون بقناتيه إمكانياته ووقته لنقل الإنجازات الفريدة التي تعكس تطوراً علمياً وتقنياً وفكرياً وطبياً يدحض جميع الإعلام المضاد ويعرف شعوب العالم بأن المملكة ليست كما يصورها الإعلام الغربي فالإعلام الرسمي هو المخول بذلك والأقدر عليه من حيث سعة الانتشار والشريحة التي يصل إليها عالمياً عبر الفضاء لكن ذلك لم يحدث مع إنجازات كبيرة كالجنادرية وفصل التوائم وحدث بمبالغة مع نصر كروي وهنا أترك الحكم للقارئ مكرراً أنني لست ضد الاهتمام بالرياضة ولكن ليس على حساب الأهم وطنياً لأن التلفزيون بهذه الطريقة يضيع عدداً من الفرص السهلة لتسجيل أجمل الأهداف.