اليوم: 11 فبراير، 2002

فواتير الخدمات.. الرجل والنار

لازلت أرى ضرورة تكرار التحذير من اعتبار ارتفاع أسعار فواتير الخدمات وتراكمها على المواطن مجرد أداة للتندر في رسوم الكاريكاتير ودون اتخاذ إجراء عاجل يوازن بين دخل المواطن الشهري والتزاماته اليومية والشهرية.

هذا التندر ما لم يصاحبه جدية في إيجاد الحلول قد يتحول إلى عادة يتأقلم معها المسئول وتبدو له طبيعية، ومقبولة، يتقبلها المجتمع ولا يعاني منها جدياً ولا تعدو كونها طرفة مبالغ فيها كباقي “النكت” وهي ليست كذلك!!

يجب أن ننظر بعين الجد لعدم تناسب فواتير الخدمات الضرورية مع الدخل الشهري للمواطن العادي ناهيك عن الموظف بالأجور أو من لم يجد عملاً ويحصل على رزقه اليومي ورزق عدد من الأبناء بواسطة طرق كسب يومية غير مضمونة.

نحن لا نتحدث عن أسعار خدمات ترفيهية يمكن العيش بدونها مع الافتقار للترفيه، نحن نتحدث عن فواتير خدمات أصبحت أساسية للحياة كالكهرباء والماء والاتصالات والوقود (وقود الطبخ والتدفئة المتمثل في الغاز وليس الوقود المحرك لسيارة فارهة، هذا مع عدم إغفال أن تكلفة وقود السيارة العادية مرتفع أيضاً أو أن البدائل المتاحة لمن لا يملك سيارة والمتمثلة في سيارات الأجرة تكلفتها عالية مقارنة بالدخل والمرتب.

المواطن ذو الدخل المحدود يعاني كثيراً من ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية وهذه المعاناة غير قابلة لمجرد التندر ويجب أن تطرح بشكل جدي ولعل أوضح دلالاتها هو اتجاه الشركات والمؤسسات بل والمتجر إلى أسلوب التقسيط، وهو حل مؤقت يشكل في حد ذاته مشكلة عظمى بدأت آثارها في الظهور ولكن هذا ليس موضوعنا الآن وسبق أن تحدث عنه المختصون في الاقتصاد كثيراً وحذروا من نتائجه الخطيرة.

عندما نتحدث عن ارتفاع أسعار الخدمات مقارنة بالدخل المتمثل في الرواتب والأجور فإن المقياس المناسب هم سكان الدخل والطرادية والعود والمرقب “هذا في الرياض” والأحياء المشابهة في المدن والقرى الأخرى وهؤلاء يجب أن يقاس عليهم ولا يكون القياس بغيرهم. وهذه المشكلة لا يمكن حلها بالتندر فقط بل بدراسة جادة تشكل فيها الآلة الحاسبة عنصراً هاماً ويشكل فيها تناسي الذات عنصراً أهم!!، فالإنسان بطبيعته قد ينشغل عن المشاكل التي لا يعاني منها (النار لا تحرق إلا رجل واطيها) فلا تتوقع من موظف يزيد راتبه الشهري عن عشرة آلاف ريال أن يشعر بأن فاتورة الخدمات تعتبر “حارقة” حتى لو بلغت ألف ريال شهرياً. والمشكلة الأكبر أن الموظف كلما ارتقى في السلم الوظيفي كلما زادت عنه الاعفاءات حتى يصل مرتبة تعفيه من تسديد رسوم بعض الخدمات أو تسدد عنه وهنا فإن من الصعب أن يتذكر ارتفاعها ما لم يذكر بها بأسلوب جاد وبالآلة الحاسبة وهذا ينطبق على القائمين على تقديم هذه الخدمات والإشراف عليها.