اليوم: 2 فبراير، 2002

زائر الفجر الأمريكي

في وقت الرخاء نجح الإعلام الأمريكي في إيهام العامة داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية بأن النظام القضائي الأمريكي يمثل قمة العدالة وأن ما يسبق الإحالة إلى المحاكمة من إجراءات ونظم وجمع أدلة واعتقال والإخراج بكفالة مالية جميعها تضمن تعامل السلطات مع المتهم على أنه بريء إلى أن تثبت إدانته وتكفل جميع حقوقه في الحصول على محاكمة عادلة مهما بلغت بشاعة جريمته وإزعاجها للرأي العام.

لم تقتصر وسائل ترسيخ هذا المفهوم على أفلام هوليود والقصص والروايات والأخبار الصحفية بل تعدت ذلك إلى تغطية إعلامية حية ومتصلة لسلسلة من التحقيقات والمحاكمات لعدد من الرؤساء أو المشاهير بطريقة جعلت كل من يتابعها من داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية ينبهر من دقة وحذر وعدالة التحقيقات وجمع الأدلة واستبعاد أدلة الإدانة التي جمعت قبل الحصول على إذن أو لم تجمع بالطرق القانونية ولعل أكثر سكان الكرة الأرضية انبهاراً بهذا النهج الأمريكي هم شعوب العالم الثالث الذين يرون في القوانين الأمريكية وخاصة الحقوقية منها نعمة يحسد عليها الشعب الأمريكي وهذا ما تريده أمريكا.

التغطية المكثفة لتفاصيل قضية لاعب كرة القدم الأمريكية الممثل المليونير الشهير أوجيه سيمسون ونقل جميع فصول محاكمته حية على الهواء منذ مطاردته هارباً في شوارع لوس أنجلس إلى جلسة تبرئته بحجة عنصرية ضابط الشرطة واحتمال زرع الأدلة الدامغة ضده. هذه القضية وما آلت إليه من حكم البراءة غير المتوقع بعث رسالة أمريكية تقول بأنه حتى الأمريكي الأسود المتهم بقتل زوجته البيضاء يمكن تبرئته رغم قوة الأدلة إذا حظي بفريق دفاع قوي الحجة.

ثم جاءت قضية التحرش الجنسي التي تهم بها الرئيس الأمريكي السابق كلينتون وما صاحبها من أحداث طلبِ استجوابه من قبل المدعي العام والإدلاء بشهادته وما تعرض له من أصناف الإحراج كانت رسالة أخرى أكثر قوة.

كان هذا في وقت الرخاء، والاستعراض لا يتم إلا في ظروف الرخاء!!.

أما عند أول امتحان حقيقي في ظروف الشدة فقد أثبت الأمريكيون أنهم لا يتميزون مطلقاً عن الأنظمة الدكتاتورية التي يسخرون منها فقد تفنن الأمريكيون بعد أحداث 11سبتمبر في اعتقال السعوديين والعرب والأمريكيين المسلمين وإيداعهم السجون أشهراً عديدة دون إثباتات ولمجرد تشابه أسماء ودون محاكمة. وتحول الإعلام الأمريكي مع أول اختبار من الادعاء بالمطالبة باحترام حقوق الإنسان وصيانة حريته إلى محرض على التمييز العنصري والإقليمي والعقائدي ومؤيد للممارسات غير الإنسانية حتى أضحى “زائر الفجر” سمة أمريكية بعد أن كان مثار سخرية من قبل الإعلام الأمريكي عندما يتناول أنظمة دول العالم الثالث.

لقد اكتشف المنخدعون بالحرية الأمريكية أنها مجرد انعكاس لحالة الاستقرار وأن تقييد الحريات وهضم حقوق الإنسان وامتهان كرامته كانت صفحات كامنة جاهزة للخروج عند الحاجة ولا يغطيها سوى غطاء رقيق، هش ولمّاع انخدع به الكثيرون وسرعان ما انكشف مع أول هزة.

الولايات المتحدة بتلك السلوكيات المنافية للحرية والإنسانية ستخسر الكثير على صعيد الثقة والمصداقية بما لا يقل عن خسائرها البشرية والاقتصادية في يوم 11سبتمبر.