اليوم: 1 أبريل، 2014

على العقلاء حقن دماء تتويج النصر

عندما يتعلق الأمر بخطر يهدد نفسا بشرية واحدة فإن كل قوانين الأرض الموضوعة من البشر تقبل الاستثناء، وكل القناعات لابد أن تتغير لحماية هذه النفس، استجابة لأمر خالقها العزيز الحكيم الذي قال عز من قائل (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا)..الآيه.

 

نحن ككتاب رأي اجتماعي يعنينا بالدرجة الأولى سلامة الإنسان وصلاح المجتمع وقد نفقد، بسبب نقدنا، الكثير من العلاقات والمصالح وربما الحريات، هذا ونحن نكتب في الشأن العام فكيف إذا دخلنا بحر الرياضة متلاطم أمواج الميول الذي لا يقبل فيه تيار أن يوافق الآخر ولا يعرف مبررا لرأي إلا بربطه بالميول، وبالرغم من إدراكي لحقيقة وحساسية الوسط الرياضي إلا أنني أرى أن سكوتنا على تعريض نفس لخطر الموت هو سكوت عن الحق لا يفعله إلا شيطان أخرس أو جبان يخشى التفسيرات.

 

اتحاد كرة القدم السعودي أصر على أن يتم تتويج نادي النصر ببطولة الدوري في مباراته مع نادي التعاون في القصيم، وهذا معناه أن الجماهير الغفيرة المتعطشة لذلك التتويج والتي سجلت أعلى أرقام الحضور في الدوري وتجاوز حضورها منفردة لبعض مباريات فريقها مع فريق ضيف غير جماهيري ٤٢ ألف متفرج، سوف تتسابق للقصيم في يوم دوام أفاقت فيه منذ الصباح الباكر وستنطلق قبيل العصر لتقطع أكثر من ٣٠٠ كيلومتر بأعلى سرعة وتعود ليلا دون نوم!!.

 

أرتاد نصف طريق الرياض ــ سدير ــ القصيم كل نهاية أسبوع تقريبا متوجها إلى جلاجل وأعيش فيه رعبا من السرعة الجنونية والتجاوز من اليمين أو كتف الطريق والانحراف المفاجئ ويشهد الطريق رغم اتساعه حوادث يومية مروعة وشهد العديد من الخسائر في الأرواح واحتراق السيارات وتفحم الجثث، وكل ذلك رغم أن ارتياده لا يمكن أن يصل لنسبة واحد من الألف لما سيحدث يوم التتويج!!، فكيف ستكون الحال إذا تدفق الآلاف خلال فترة زمنية محدودة بخمس ساعات؟!.

 

الأمر لا يحتمل المجازفة لمجرد إصرار على قانون لعبة أو قرار لجنة مسابقات فالاحتياط من أخطار أقل احتمالا جعلتنا نعلق الدراسة ونؤجل رحلات طيران ونخلي قرى كاملة ونغلق طرقا جبلية وعقبات، ويجب على العقلاء وتحديدا رجال المرور تحذير وتنوير أعلى الجهات المعنية والحريصة على تفادي الكوارث، فالمجتمع يعيش هذه الأيام حالة حزن عارم بسبب حادث واحد ذهب ضحيته خمسة من أبناء مدير جامعة الجوف، فكيف بعدة حوادث متوقعة إذا أصرت لجنة كرة قدم على موقف يفتقد للحكمة.

 

إدارة النصر مطالبة في حال عدم نقل المباراة بتأجيل التتويج ليتم في مباراة ودية أيا كانت، فالمهم أن لا تجعل من تتويج فريقها سببا لحزن أحد أو المجازفة بنفس بشرية واحدة ففينا ما يكفينا من أحزان الحوادث.

في ذمة النقل والمرور

لم تعد الحوادث المرورية طفيفة أو محدودة الضحايا، أصبحت تحصد أسراً كاملة ومجموعة أفراد تشكل كامل ركاب المركبة وهذا دليل واضح على أن حالة الطرق وحالة الرقابة المرورية لا تتناسبان إطلاقاً مع تزايد المركبات وسلوك القيادة، فالواضح أن المركبات تتزايد وتتطور سرعاتها ونهج سلوك قائد المركبة يتأثر كثيراً بما استجد من مؤثرات أخلاقية كالمخدرات والمسكر أو ما هو أقل كعدم التركيز نتيجة استخدام الهاتف المتنقل أثناء القيادة أو الانشغال أو النعاس.

 

في الوقت نفسه لم تتطور الرقابة المرورية عن حالها منذ خمسين سنة إلا بتطبيق رصد للسرعة بكاميرات ساهر والتي أدت كما ذكرنا كثيراً إلى نوم الرقابة الميدانية وتراجعها عن ذي قبل في رصد سلوك قائد المركبة الذي لا يقل خطراً عن السرعة كالتجاوز غير النظامي ومعاكسة الطريق والتحول الفجائي من اتجاه إلى آخر والسلوكيات التي تدل على سائق مخمور أو يتعاطى مخدرات.

 

وفي الوقت نفسه أيضاً تزداد حالة الطرق ووزارة النقل سوءاً في تنفيذ المشاريع والإصرار على التقتير بإنشاء طرق مزدوجة وأخرى لا تحقق أبسط مقومات سلامة قائد المركبة المقابلة من التعرض لإهمال قائد مركبة متهور أو مخمور أو مشغول بجوال أو أصابه نعاس.

 

الموت الجماعي أصاب أسراً كثيرة بفقدان خمسة أو ستة أشخاص في حادث واحد ولم تكن أسرة الدحيم التي فقدت ستة من أبنائها بسبب سائق مخمور الأولى ولن تكون الأخيرة وها هو مدير جامعة الجوف الدكتور أسماعيل البشري يفقد خمسة من أبنائه في حادث مروري بالاصطدام بشاحنة أمام عينيه وهو يرافقهم على ذات الطريق في سيارة أخرى، وأعرف شخصاً فقد كامل أسرته الثمانية في حادث مروري لسيارة صالون عاد لمنزله بعد أشهر متألماً ومصدوماً نفسياً ومصاباً في ذهنه ليردد عبارة (كيف سأعيش في منزل لم يبق فيه حولي إلا القطط؟!).

 

وزارة النقل والإدارة العامة للمرور تتحملان جزءا من وزر مصاب هؤلاء بعدم تطويرها لأدائها وحماية الناس من قصور أجهزتها، وإن كانت تقول غير ذلك، ونظراً لضيق المساحة نتحدث غداً عن قصور وزارة الشؤون الاجتماعية في القيام بدورها نحو المصاب النفسي والاجتماعي لمن بقيوا أحياء وحيدين.