تلميع الأحذية أشرف

وتلميع الأحذية صنعة لم نشهدها في مجتمعنا كثيرا، ربما لأننا في البدايات كنا ننتعل «من لبس النعال أعزكم الله» ولم نكن «ننجزم» «من لبس الجزم أكرمكم الله»، مع أن الحقيقة المرة أننا لا نجزم في كثير من أمورنا لعدم اتضاح الصور.
وربما أن تلميع الأحذية شاع كعمل من لا عمل له في كثير من دول العالم التي تتلذذ بالطبقية، أعاذنا الله منها ومن التعالي على بشر مثلنا، لكنه رغم تصنيفه كعمل وضيع إلا أنه كان البداية لكثير من النجباء والمتميزين، فهو يبقى كسبا شريفا غير مضر بغيره ولا مخادع، فالتلميع هنا يتم لأدنى مستوى من الشخص وهو جزمته لتكتمل أناقته وإن كان فيه تلذذ غير إنساني بالتميز على إنسان آخر ضعيف ووضعه في موضع الدون.
الأمر الأقل شرفا وتشريفا هو أن تتحول من صحافي امتهن مهنة المتاعب واختار أن يكون نبض المواطن الضعيف وناقل همومه والمعبر عن مشاعره أو كاتب يسعى للإصلاح ما استطاع، تتحول إلى صاحب مؤسسة إعلامية هدفها الأساس تلميع مسؤول أو وزير في شخصه وحجب تقصيره وأخطائه، بل وتوظيف تلك العيوب وتصويرها على أنها مميزات ومحاسن، وذلك بتسخير ما أوتيت من خبرة الصحافة والنقد في التلميع والرد!!.
هذا ما يحدث حاليا ممن وجدوا أن الصحافة والكتابة الصادقة لا تحقق مكاسب مالية ودنيوية، فاختاروا أن يتاجروا بالخبرة الإعلامية في عمل نقيض هو تلميع غير اللامع والدفاع عن المؤسسة الفاشلة لخدمة القائم عليها.
الحقيقة أن ما وجدوه ليس مفاجئا ولا اكتشافا، فالعمل الإعلامي الصادق المخلص هو محض تضحية لا ينفع صاحبه ولا يفترض أن ينفعه إن لم يضره، لكنه عيون للقادة ومرآة للأمة ورادع للفساد ومصلح لأحوال الناس، وجدير بمن تقاعد عنه أن لا يتحول إلى ضده.
أنا لست ضد أن يوظف الإعلامي خبرته في آخر حياته إلى عمل ينفعه لكن شريطة أن لا يضر بالمجتمع ويناقض مبادئه القديمة الأصلية.
أن تبدأ بتلميع الجزمة ثم ترقى خير وأشرف من أن تكون راقيا بمبادئك وأهدافك الإنسانية لخدمة مجتمعك ثم تنحدر إلى تلميع الأشخاص على حساب ذات المجتمع الذي ضحيت من أجله.
لقد شاع مؤخرا إنشاء المتقاعدين عن العمل الصحافي لمؤسسات إعلامية توقع عقودا مع الدوائر الحكومية أو المؤسسات العامة لتلميع القائمين عليها وشخصنة الإنجازات «إن وجدت فعلا» وخدمة الفرد لا المؤسسة، وأعرف من غرائب تلك العقود أن أحدها انتقل مع صاحبه من مؤسسة إلى أخرى مختلفة تماما، فهل أكثر «شخصنة» من هذا العقد؟!.
هذا السلوك لمع رؤوسا باهتة ما كان لها أن تلمع، لذا فإن تلميع الجزم أشرف.

رأي واحد على “تلميع الأحذية أشرف

  1. اقتباس :
    شريطة أن لا يضر بالمجتمع ويناقض مبادئه القديمة الأصلية.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    وهذا مربط الفرس، وليس اغرب من حملتهم الجديدة وتسميتهم لغالبية المجتمع ب(الاقلية)

اترك رد