أؤمن بصحة النظرية التي تقول بأن ارتفاع الأرقام الإحصائية لعدد الإصابات أو الحوادث من أي نوع لا يعني بالضرورة زيادة فعلية في عدد الحالات حاليا عنها في سنوات مضت إذ قد يكون الفارق يعود إلى الدقة في تسجيل الحالات مقارنة بأعوام مضت.
ونفس الشيء قد يقال عن تزايد أخبار العنف بأنواعه في مجتمعنا، فقد تكون الزيادة ناجمة عن زيادة النشر لهذه الأخبار مقارنة بالأعوام الماضية خصوصا أننا نعيش نشاطا صحفيا غير مسبوق وهامشا أكبر من المرونة الإعلامية وسقفا من حرية النشر أعلى من أي وقت مضى، بمعنى أن حالات العنف والضرب سواء داخل الأسرة أو داخل دور الرعاية أو المدارس أو في الأسواق أو المجتمع بصفة عامة كانت في نفس المستوى حدوثا لكن النشر عنها هو الذي زاد.
أيضا أعتقد أن تزايد أخبار الحوادث من منطقة الطائف مثلا لا تعني أن حدوثها في الطائف أكثر من غيرها ولكن ربما يعود السبب إلى أن مكاتب الصحف في الطائف ومراسليها أكثر نشاطا من غيرهم.
والمشاهدة أو القراءة هي من العوامل الأساسية لتسجيل الانطباع، هذا أمر لا شك فيه، لكنها تبقى انطباعات لا يمكن الاكتفاء بها دون إجراء دراسات إحصائية دقيقة تعتمد على الأرقام المأخوذة في فترات وظروف وعوامل متشابهة تجعل نسبة الخطأ الإحصائي في أقل حد ممكن.
وفي كل الأحوال ورغم كل القناعات آنفة الذكر فإن الأشكال والممارسات التي يتم بها العنف حاليا في مجتمعنا غير مقبولة مطلقا وتنم عن أسباب تجدر دراستها وبحثها لنعرف هل السبب في كثرة حالات الضرب والتعنيف والقتل تعود إلى عدم توفر سبل أخرى تنتهي عندها المشاكل والنزاعات مثل التقاضي السريع والحصول على الحقوق عبر المحاكم بسرعة وفاعلية أكبر تجعل ثمة أملا واسعا، ولا أقول بصيص أمل، في الحصول على الحق عبر القنوات الحقوقية ودون اللجوء إلى العنف.
هل هي أجواء العنف والعنف الآخر؟! بمعنى أن يضربك المعلم فتضرب زميلك ويعنفك والدك فتعنف جارك ويظلمك مديرك فتظلم زوجتك وتسد في وجهك السبل فتسدد لكمة خطافية لعابر سبيل، وتصك الأبواب أمامك (فتصك) من يمر أمامك كفا يكف منه بصره.
لا بد أن ندرس أسباب حالات العنف بصرف النظر عن كونه زاد عن السابق أم زادت الأخبار عنه، فالمؤكد أن ثمة حالات عنف شديدة وغريبة تحدث يوميا بل على مدار الساعة، والأكيد أيضا أن المفترض أن ترتقي المجتمعات لا أن تتراجع خصوصا أن التعليم والوعي في ازدياد والناس إلى التحضر أقرب منها إلى التخلف، والعنف أسلوب غير حضاري ولكن المؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا حضارة دون تحاكم ومقاضاة سريعة.
الشهر: مارس 2010
المحصنون في الأرض
عندما أتممت كتابة العنوان لاح في مخيلتي عنوان مشابه كتبه الزميل صالح الشيحي منذ سنوات بنفس السجع ولكن بمعنى آخر مختلف تماما، بل على النقيض كان العنوان «المحبطون في الأرض» نزع من خلاله الحصانة لأول مرة عمن يدعي لنفسه إنجازات موظفيه، فكان مقال الشيحي نقطة تحول أخفيت عن الزميل سعود الدوسري الإعلامي الوسيم الذي لا تعرض عليه إلا التحولات «الوسيمة» ويحجب عن برنامجه كل تحول قبيح.
ثمانية من مديري التعليم في منطقة مكة المكرمة كتبت «عكاظ» السبت الماضي أنهم طالبوا الإمارة بمنحهم حصانة من نقد الصحافة، والبحث عن الحصانة هذه الأيام أمر غير مفاجئ ولم يعد نادرا، بل أصبح أسلوب حياة وعادة سيئة، والغرابة في الخبر الذي انفردت به «عكاظ» (صاحبة الانفرادات المهنية الحقيقية) هو الأسلوب الصريح لمديري التعليم في مطالبتهم العلنية تلك، فهي يمكن أن تؤخذ على أنها صراحة ووضوح ويمكن اعتبارها تبجح يدل على شيوع البحث عن الحصانة بكل الصور والأساليب وهذا هو بيت القصيد.
الحصانة من نقد الصحافة باتت مطلبا غير معلن للكثيرين، والحصانة بالمناسبة مأخوذة من التحصين المناعي «اللقاح» واللقاح وإن كان يفشل أحيانا فيجعل الوفيات لديك تفوق 20% من مجمل الوفيات في العالم إلا أنه ينجح أحيانا إذا بني على نهج سليم.
الحصانة مطلب غير معلن إلا لدى مديري التعليم الثمانية، وهذا يدل على أنهم يعلمون أبناءنا الوضوح والشفافية ويبشر بأننا ننتظر جيلا واضحا شفافا لا يعتمد الحيل والكذب وينطبق عليه المثل الشعبي «فلان ما في قلبه على لسانه» وهذا في حد ذاته مطلب وإن جاءت البشارة بسلوك غريب مثل طلب الحصانة هذا.
الحصانة من نقد الصحافة ينشدها سرا ذلك المسؤول الذي يتعاقد مع شركات التلميع الذاتي «Image Polishing co» وما أكثر شركات التلميع الإعلامية وما أضخم عقودها فقد أصبحت أكثر من دكاكين التلميع الساطع إلى درجة أن البعض أصبح يتعاقد مع أكثر من واحدة، أي أنه أصبح لدينا تعدد في مجال التعاقد مع المؤسسات الإعلامية للتلميع الشخصي، وهو تعدد لا يشترط الأربع بل يبيح لصاحبه إذا بلغت به نشوة التلميع مبلغها أن يقضي وطره في خامسة وسادسة دون أن يطلق الرابعة خصوصا أن «المهر» من المال العام.
الحصانة من النقد الصحفي تطلب سرا بالشكوى والترجي والتوسط والادعاء والتباكي، تماما مثلما يأتي الطفل إلى والده ويقول فلان «طقني» لأنه قال له «عيب يا شاطر».
أحدث حصانة وأغرب حصانة أصبحت تؤخذ بالجاهة والتوسط بالقبيلة، إقرأوا إن شئتم مقال الزميل صالح الطريقي في ذات عدد «عكاظ» ليوم السبت الماضي، ومقال الزميل سعد عطية الغامدي يوم الأحد الذي تلاه.
صحافة الفتوى
أريد من إحدى الجامعات أن تخصص كرسي بحث، وما أكثر كراسي البحث في جامعاتنا هذه الأيام، فبعد (موضة) الكراسي تشعر أن جامعاتنا تحولت إلى معارض أثاث مستعمل، خاصة أنها كراسي مكرره.
كرسي البحث الذي أقترحه لإجراء دراسة إحصائية عن ما يكتب في أعمدة الرأي في صحفنا وتعداد ما يتعلق بإصدار فتوى شرعية أو الاعتراض على شأن فقهي من شخص غير متخصص، أو إبداء الرأي في موضع خلاف فقهي مات علماء فقه متخصصون وولد آخرون والتحاور حوله لا يزال قائما لتعقيد المسألة وليس لنقص في علم المتحاورين.
من واقع قراءاتي اليومية، أتوقع أن تنتهي الدراسة إلى رقم فلكي كبير جدا يدلل على أن بحرا من الحبر سال في أعمدة الصحف جله من الغثاء لافتقاده للتخصص وخوضه في أمور فقهية تحتاج للخوض فيها إلى رصيد عال من العلم الشرعي، تماما كما أن الخوض في شأن كيميائي أو فيزيائي أو طبي أو لغوي أو جغرافي يحتاج إلى رصيد من العلم والتخصص والتأهيل في هذه المجالات.
لماذا يطالب ذات الأشخاص بالتأهيل والتخصص في من يكتب عن موضوع طبي أو علمي أو أحد العلوم النظرية الأخرى بينما (تنط) أقلامهم لتحشر رؤوسها في شأن فقهي بمجرد أن يتحدث عنه عالم أو أحد كبار العلماء، ولو كان التدخل للاستفسار أو طرح مزيد من التساؤلات المشروعة التي تشعل روح تنافس عالمين متخصصين وتوسع مدارك تحاورهما لكان الأمر مقبولا، ولكن الأقلام غير المتخصصة بل غير ذات العلاقة والأقرب إلى الجهل التام بموضوع الخلاف تتحول إلى أقلام (ضد) وأقلام (مع) وأقلام تفتي دون سند وأقلام تغرس ريشها بطريقة همز ولمز مؤلمة في قلب عالم شرع أو كبير علماء، تارة بالتشكيك وأخرى بالتخطيء الصريح، وهو ما لا يمكن أن يحدث لو كان التصريح لعالم ذرة أو طب أو صيدلة أو حتى فنون جميلة وذلك احتراما للتخصص وإجلالا للبعد عن التدخل فيما ليس لك به علم.
السؤال المهم الذي يجب أن يجيب عليه الباحث الرئيس في كرسي البحث هذا هو هل يتغير الأشخاص الذين ضد عالم فقه بتغير القضية أو المسألة فيصبحون معه أحيانا مما يشير إلى توافر الموضوعية مع وجود الجهل بالقضية أم أنهم ضد على الدوام مما يدل على تحديد موقف مسبق؟!.
أما السؤال الأهم فهو إلى أي مدى ابتعد كتاب الرأي عن دورهم الأساس في توجيه النظر إلى جوانب القصور والتقصير في الجهات الخدمية ومعاناة المواطن والمقيم من تفشي الفساد والإهمال وهجروا التحدث بنبض الشارع والتعبير عن احتياجات المجتمع التي يجيدون التعبير عنها عندما تحولوا إلى مفتين وتحولت الصحافة من صحافة شكوى إلى صحافة فتوى وليتها فتوى عن علم.
الذي أتوقع أن الجامعة لن تجري الدراسة لأن من مصلحتها أن ينشغل كتاب الرأي عن أدوارهم الأساسية في نقد أوجه القصور في المؤسسات.
سقوط الشفافية وانهزام حامل اللقب !!
الزميلان العزيزان علي الشدي في «الاقتصادية» وخالد السليمان في «عكاظ» تناولا الأسبوع المنصرم موضوع حجب جائزة (سعفة القدوة الحسنة) والتي تمنح للأعلى في الشفافية والنزاهة، وتحدثا بأسلوبهما الراقي المعتاد الذي يقطر وطنية وغيرة عن أن حجب الجائزة يدلل على تدني الشفافية وهذا أمر لا شك فيه، وأجزم غير مجامل أن المقالين يجب الوقوف أمامهما طويلا واعتبارهما مرجعية للتأمل من وجهة نظر وطنية.
شخصيا، أعتقد أن صدمة السعفة مضاعفة، فعدم فوز أحد يعني انهزام الشفافية وهذا محبط، وتدني مستوى الشفافية لدى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، وهي الفائز بالجائزة عند ولادتها، اشد إحباطا؛ لأن الهدف كما ذكر الزميل خالد السليمان ليس مجرد جائزة سبق تزين الدولاب.
حامل اللقب (هيئة الاتصالات) لا أقول سجلت تراجعا لأنني غير جازم بأنها تقدمت إلى الأمام أصلا، ولكن المؤكد أنها ضربت خلال هذا العام أمثلة غريبة في المواقف غير الواضحة، خاصة فيما يتعلق بموقفها من تجاوزات مقدمي الخدمة أو حقوق المشتركين، ولا أرى داعيا لإعادة ما كتب حول هذا الموضوع.
يقول الأستاذ علي الشدي: دخل مصطلح الشفافية إلى البلاد العربية منذ سنوات قليلة.. ولذا لم أجد في قواميس اللغة العربية تعريفا له غير ما يتعلق بالملابس والثياب الشفافة (أ.هـ).
قلت: حتى في الملابس الشفافة فإن الشفافية نسبية بل مخادعة أحيانا، ففي ضوء الشمس فإن القماش يسمح بالرؤية لكنه يغير الألوان، فيجعل البشرة السمراء تميل للحمرة والبيضاء برونزية والبثور مخفية.
معنى الشفافية في لهجتنا العامية يختلف عن المفهوم، فهي تعني أن ترى ما خلف الحاجز، لكنها لا تضمن لك أن تراه بألوانه الواقعية!!.
نحن نقول عن الزجاج إنه شفاف عندما يسمح لنا برؤية ما خلفه، لكننا لا نحدد ما إذا كان يسمح برؤية ما خلفه بنفس ألوانه، بدليل أننا نقول: زجاج شفاف وهو يريك ما خلفه باللون السماوي حتى وإن لم يكن سماوي النقاء، فنحن نقول إن الزجاج شفاف لمجرد أنه يطلعنا على عدد من خلفه من (الأزوال)، عددهم فقط لكننا لا نستطيع الجزم بأنهم أزوال سودانيون أم أزوال سويسريون!!.
الحالة الوحيدة التي نمارس فيها دقة بالغة في تعريف الشفافية تتمثل في تظليل السيارات، حيث يشترط أن لا تقل الشفافية عن 35 في المائة، وبالمناسبة هذه هي الحالة الوحيدة التي يمنع فيها التعتيم الكامل.
علينا نحن العرب أن لا نحزن، فحتى أمريكا والدول الأوروبية مترددة جدا في شأن إخضاع جميع ركاب الطائرات لجهاز فحص كامل الجسم بالمسح الضوئي، الذي يخترق ويتفحص كل أجزاء الجسم بشفافية عالية ويبدي كل مستور، فهي تستثني حاليا غير العرب، ومن يدري فلعل سبب التردد ليس قصورا في تطبيق الشفافية، ولكن الخوف من مواجهة حرج كبير عندما تكشف شفافية الجهاز تفوقا عربيا في المستور!!.
مات الطفل فهل تحيا الضمائر؟!
توفي الطفل محمد حمد الحكمي وهو في ربيعه السابع نسأل الله أن يلهم والديه وأقاربه الصبر والثبات، الطفل البريء مات لكنه وجه رسالة يفترض أن تحيي مئات الأطفال من بعده إذا وجدت ضمائر حية.
العبرة من وفاة محمد أن من يتاجرون بتسلية الأطفال رغم ما يحققونه من أرباح يتبعون أرخص التكاليف وأجهل العمالة وهذا يعني تدني إجراءات السلامة والمتابعة، وأعلى درجات الخطر على أطفالنا، وللأسف فإن الجهات التي ترخص لملاهي الأطفال وتراقبها لا تقل جهلا وتهاونا فموضوع أخذ الحيطة من أي احتمال غير موجود، كما أن غرامة المخالفات توحي بتدني قيمة الإنسان ( تتراوح بين 500ريال و30 ألف ريال) علما أن أية مخالفة قد تؤدي للوفاة.
نعم ما حدث قضاء وقدر وما كان لذلك الطفل أن يعيش أكثر مما كتب له لكن الضمير يمكن له أن يعيش أكثر وأكثر لو وجد من يحرص على إحيائه، واتخاذ أقصى درجات الحيطة يتطلب أن تفترض أن الطفل الذي سيركب ذلك القطار أو غيره ربما يقف أو يقفز أو يدخل منطقة محظورة، لذا فإنه لا بد من حمايته من نفسه بتثبيته بأداة لا يمكنه إزالتها إلا بعد توقف الحركة وانتهاء اللعبة بأمان وهذا مطبق في دول أقل منا إمكانات لكنهم أكثر حرصا.
إن إزهاق الروح ليس بالأمر الذي يمكن تركه للصدف، أو الاحتمالات لأنه يعني (إلى جانب إزهاق نفس لا تقدر بثمن) تحطيم أسرة كاملة وبالتالي ومع تكرار هذا الإهمال فإننا سننتهي إلى مجتمع مريض محبط، فنحن هنا لا نتحدث عن حالة نادرة بل عن إهمال في ملاهي أطفال يرتادها المئات ويجب أن يعاد النظر في متطلباتها، بحيث يصبح لكل لعبة أكثر من مراقب وأكثر من منقذ يتواجدون في نفس الوقت، وجميعهم يعلمون أن مسؤوليتهم كبيرة ومشتركة وعقوباتهم ومن يشغلهم مغلظة، ولا يمارسون هذا العمل إلا بترخيص قائم على تدريب واختبار قدرات، ومن يظن أن في هذه المتطلبات مبالغة فكل ما عليه زيارة ماليزيا والاطلاع عن كثب على درجة الحماية في ملاعب الأطفال التي لا تدع فرصة حتى للأب والأم في التدخل ولو على مسؤوليتهم الخاصة.
إننا نتهاون كثيرا في ترك الحبل على الغارب لمن أراد أن يتاجر في تسلية أطفالنا وهو إنما يتاجر بأرواحهم ولابد لهذا التهاون أن يتوقف.
الأمر الآخر هو مسؤولية مرافق الطلاب من المدرسة، فأين كان عندما حدث الإهمال؟! وهل مسؤوليته تنحصر في إركاب الأطفال في الحافلة وإنزالهم؟! ولماذا لم يتأكد من توفير سبل السلامة لهم؟! فإذا كان الترفيه عن الطلاب يتم دون ضمان سلامتهم فخير لنا أن لا يتم الترفيه عنهم، وواقع الحال أننا نحن الآباء نعاني قلقا شديدا قبل هذه الحادثة وبعدها عندما يأتي أحد أبنائنا يحمل ورقة للموافقة على رحلة ترفيهية سواء من مدرسة خاصة أو حكومية لأننا ندرك أن درجة الاحتياط تحت الصفر.
وقفات أسبوع
** بكل أسف أصبح الحديث عن تصريف مياه الأمطار في مدن المملكة مصاحبا لكل نشرة جوية للقنوات الفضائية، فها هي قناة العربية أمس تستهل نشرتها الجوية لأحوال الطقس والأمطار على حائل والمدينة المنورة بشكوى الناس من سوء تصريف السيول وخوفهم من ذلك، في حين نقلت القناة عن صحيفة «عكاظ» تطمينات أمانة منطقة حائل بأنها تراقب الموضوع وتعمل على تصريف تجمعات السيول بالشفط وغيره.
المهم في الأمر أن خبر الخوف من الغرق وحقيقة سوء تصريف السيول أصبح خبر الأحوال الجوية والشغل الشاغل لنشرات الأخبار، فمشاريع تصريف مياه السيول رغم المطالبة بها منذ عشرات السنين لا تزال تشوه سمعتنا إلى جانب الموضوع الأهم وهو أنها تسلب الناس أرواحهم وأحبابهم، فهل نركز عليها تنفيذا ورقابة؟!.
** يا جماعة، ما هي قصتنا بالضبط؟! كلما افتضح أمر شخص يمارس عنفا أو تحرشا جنسيا أو خطأ مهنيا فادحا جاءت عبارة أن الجاني لا يتبع للجهة، إنما هو دخيل عليها وكأن هذا العذر ليس أقبح من الذنب نفسه، فالمسؤولية الكبرى تكمن في السماح لدخيل على المهنة أو مكان العمل بالدخول إليه.
يا جماعة، أيهما أخطر وأدهى وأمر أن يضرب المعلم طالبا، أم أن يتضح أنه ليس معلما ولكن بائع عصير؟!.
** هيئة الاتصالات السعودية ــ بتجاهلها لتجاوزات ومخالفات مقدمي الخدمة نحو المستهلك بكل صورها غير المقبولة حقوقيا ــ تذكرني بمواقف مكافحة الغش التجاري، فالأولى جندت تدخلاتها لحماية مقدمي الخدمة من بعضهم البعض، والثانية جندت كل قواها لحماية تجار العلامات التجارية، أما المشترك والمستهلك فإن حقوقهما لا تعني الأولى ولا الثانية.
** لو كان لي من الأمر شيء لما منحت تصريحا لأي ملاهي أطفال، سواء في أسواق تجارية أو غيرها، إلا بعد التثبت من وجود (عدد 2) مراقب مؤهل لكل لعبة في كل الأوقات، وليس مجرد عامل لم يشاهد مثل هذه الألعاب في حياته (إنها قيمة حياة طفل).
أين عضلات هيئة الاتصالات؟!
الحد الاتماني حق من حقوق المشترك في خدمة الاتصالات، يحدده بنفسه لنفسه أو لابنه أو لزوجته أو لسائقه أو أي شخص يتيح له المشترك استخدام الهاتف (جوال أو ثابت) في حدود مبلغ معين يحدده حسب ميزانيته وقدراته المالية وتخطيطه ورغبته في عدم الهدر في استخدام الخدمة.
لا أحد، كائنا من كان، يملك الحق في حرمان الإنسان من تحديد ميزانية مصاريفه أو التخطيط لحياته الخاصة أو تحديد رغباته الخاصة به نيابة عنه طالما أنها لا تتعارض مع الشرع وليس فيها ضرر للآخرين.
ما يحدث الآن هو أن عددا كبيرا من المشتركين في خدمة الهاتف الجوال تصلهم فواتير بمبالغ هي أضعاف مضاعفة للحد الاتماني الذي حدده العميل، ويتم بعد وصولها أو الإشعار بها عبر رسالة نصية حرمان العميل من الخدمة ومطالبته بالتسديد، وإذا اعترض على ترك الجوال (الذي هو باسمه ويستخدمه ابنه أو ابنته أو زوجته أو حتى هو شخصيا) يتجاور الحد الاتماني الذي حدده، فإن كل ما يحصل عليه نتيجة الاعتراض هو رقم اعتراض، مع استمرار إيقاف الخدمة وإجباره على التسديد وإذا لم يسدد فإنه يدخل تلقائيا في القائمة السوداء لكل مقدمي خدمة الجوال في المملكة، ويتم إيقاف كل هواتفه الثابتة والمتنقلة!!.
أي أن المشترك (مواطن أو مقيم) يفرض عليه الحصار ويعزل تماما عن من حوله وتتعطل كل إجراءاته التي يستخدم فيها الهاتف الثابت والجوال ومنها بطبيعة الحال الاتصال عبر (الإنترنت) لمجرد أنه رغب في تحديد طريقة صرف ميزانيته ومد لحافه على قد رجليه!!.
لاحظوا أنني أركز على التساؤل عن أمر تحديد الرغبة لكي لا أدع فرصة لمراوغة هيئة الاتصالات ومحاولة الهروب للاحتمالات والافتراضات التي منها ما يتعلق بالمشترك، لذا فإنني لم أتطرق لاحتمال أن المبلغ نفسه غير صحيح أو أن المبالغ جاءت نتيجة خطأ في حاسوب (الفوترة) للشركة مقدمة الخدمة، وهو الأمر الذي شاع من مصادر داخل الشركة في تفسير تردد كشائعة قوية عن سبب (مكرمة) الشهر المجاني.
أنا أحاول جاهدا (التحجير) لهيئة الاتصالات، لذا فإن سؤالي محدد في سبب عدم تدخل هيئة الاتصالات في موضوع عدم التزام مقدم الخدمة برغبة المشترك في أن لا تتجاوز فواتيره حدا معينا حدده لابنه أو نفسه؟ وأين عضلات الهيئة التي فردتها في منع مجانية التجوال الدولي وأصبحت تبرره بالهمس لكل كاتب على حدة؟!
أين عضلات هيئة الاتصالات؟
مساكين تجار الحديد «يحسبونه كراث»
نشرت صحيفة عكاظ أول أمس خبرا بارزا في الصفحة الأولى وفي صفحة 18 تحت عنوان (أخفوه في مزارع للموزعين خارج نطاق العمران لتعطيش السوق.. إحالة المتلاعبين بأسعار الحديد إلى التحقيق). وتضمن الخبر تهديدات قوية من وزارة التجارة والصناعة لتجار الحديد، سواء الذين يبيعون الحديد بأسعار عالية مخالفة، أو أولئك الذين يخفونه في مزارعهم بعيدا عن أعين رقابة الوزارة وشركة سابك وأعين المستهلكين!.
أما أعين المستهلكين فموجودة وواسعة ومنبهرة ودامعة، هذا أمر لا شك فيه، فعين المستهلك هي العين الوحيدة (المفتحة) في كل العيون، أما (عيون) الرقابة فتذكرني (بعيون) القطط الملصقة في الأسفلت تدوسها الكفرات والأقدام وهي تبصرك الطريق وهي لا تبصر، وتستمد ضوءها من ضوء سيارتك، وإذا جاوزتها السيارة اختفى انعكاس الضوء منها في انتظار ضوء آخر مقبل.
أية رقابة، وأية عقوبات، وأي ردع نتحدث عنه؟، وكأن هذه سابقة جديدة، وكأن الحديد لم يرتفع من قبل، ولم يتم التلاعب في كمياته وبيعها بالأسعار التي يريدها التاجر حتى نفاد الكميات المخبأة في المستودعات.
السؤال التاريخي يا وزارة التجارة هو: لو أن تلك التهديدات المكررة من رقابة وعقوبات وتحقيق وخلافه من العبارات الرنانة المخيفة طبقت في السابق، ثم أضيف إليها حرمان الموزع أو التاجر من حصته وإيقافه عن البيع سنة كاملة، هل كان سيجرؤ على ممارسة ذات المخالفة وافتعال ذات الأزمة؟.
أنا أقترح على وزارة التجارة والصناعة وسابك، اتباع أسلوب جديد مختلف يتناسب مع واقع ضعف الرقابة وسطحية العقوبة وعدم جديتها، أقترح عليهم أن يتبعوا الأسلوب التربوي الحديث (سلاح العاجز)، وهو أن (يتظاهروا) أنهم مع التاجر -وحاشا أن يكونوا معه- ولكن نقول (مثلا فقط) يتظاهرون أنهم مع التاجر والموزع ويقولون إن تجار الحديد لم يقصدوا تخبئة حزم الحديد في مزارعهم فقد غم عليهم، والعتب على النظر، فاعتقدوا أن حزمة الحديد هي (صرة) كراث أو صرة علف أو بصل أسود، وأخذوه للمزارع ليلا لتدني مستوى الرؤية بسبب الغبار (كل شي عندنا من الغبار)، وسوف يعيدونه إذا أشرقت شمس الصباح وانقشع الغبار، وبهذا الأسلوب التربوي الحديث اللطيف سوف (يستحي) التجار ويخرجون كل (صرة) حديد من المزارع، ويبيعونها في سوق الخضرة بسعر الكراث يعني (الصرة) بريال والثلاث بريالين، بس أهم شي قولوا لهم لا يغطون الحديد (بخيشه) ويرشونه بماء مثل الكراث والجرجير، لأن الحديد يصدي مثل العقوبات والغرامات والرقابة بدون نفس.
حتى لا يحترق قطار الوزارة
امتدادا لموضوع الأمس (التمييز الوظيفي والوزراء الجدد) والذي تطرقت من خلاله إلى أن (نكبة) الوزارات والمؤسسات لا تكون من تدني الأجور الشامل للجميع مثلما تأتي من تفاوت الأجور والمميزات؛ لأن الإنسان يؤمن أن الموت مع الجماعة رحمة، لكنه يرفض أن يكون أقل من غيره دون سبب، ولذلك فإن زيادة الاستقالات في المؤسسة لا تكون بسبب تدني أجورها إذا ما قورنت بنسبة زيادة الاستقالات عندما تتفاوت الأجور ويتفاوت التقدير.
أعود لأحد أسباب حدوث مثل هذه الهزات الإدارية لبعض الوزارات والمؤسسات العامة وحتى الخاصة وهو القصور في القدرة على القيادة الإدارية والافتقاد لروح القيادة، وهي بالمناسبة قدرات وخواص وملكة وموهبة يهبها الله لمن يشاء مع ضرورة حصوله على التأهيل الإداري المتخصص والذي يأتي بالدراسة والتخصص العميق في علم كبير وتخصص قائم بذاته هو تخصص الإدارة.
وموضوع إيكال الإدارة للمختص في الإدارة، وإعطاء خبز الإدارة لخبازيها المتخصصين فيها مطالبة قديمة ودائمة ومستمرة لا يخلو حوار ولا قاعة نقاش ولا برنامج حوار تلفزيوني أو إذاعي أو مقال صحفي إلا وتطرق إليها وطالب بها، وقد طبقت هذا المفهوم العلمي القائم على التخصص دول ونجحت بسرعة مثل اليابان وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، ولم تستكمله دول أخرى لأنها لم تنعتق من الخلط بين التخصص في علم أو فن والقدرة على (إدارة) كل من يعمل في مجال يتعلق بهذا العلم أو الفن فيكون المهندس مديرا إداريا لكل ما له علاقة بالهندسة، والزراعي مديرا لكل من يعملون في شأن الزراعي، والطبيب مديرا لكل من لهم علاقة بالصحة وهكذا يتم الخلط بين كبير المهندسين ومديرهم والمدير الطبي والمدير الإداري، وعلى العموم فإن الأمر يتوجه إلى مزيد من التفهم حتى في الدول النامية.
الأهم ريثما يتم تطبيق المفاهيم الصحيحة هو أن يتنبه من يتولون الإدارة من الفنيين إلى خطورة التحيز إلى التخصص الفني أثناء ممارسة القيادة الإدارية، وهذه وربي أحد أهم سلبيات إيكال الإدارة إلى فني متعصب لمهنته؛ لأن الوزارة أو المؤسسة لا تسير على عجلة واحدة هي عجلة زملائك الفنيين، بل هي قطار طويل وسريع يسير على مئات العجلات التي تديرها آلاف التروس والمولدات والآلات ووقوده العدل بين كل هؤلاء وتوقف عجلة واحدة من عجلاته نتيجة عدم العدل في تشجيع و(تشحيم) كل عدة القطار سيؤدي إلى توقفها وتفحمها ثم احتراق قطار الوزارة أو خروجه عن السكة.
التمييز الوظيفي والوزراء الجدد
كلنا نعمل من أجل الحصول على أجر مادي (مال)، هذا أمر لا خلاف عليه في علاقة الموظف بصاحب العمل. والموظف إنسان وصاحب العمل كيان إما حكومي أو خاص، وفي كل الأحوال يمثله أيضا إنسان هو القيادي أيا كان منصبه؛ وزير، محافظ، أمين، مدير عام… إلخ.
حسنا، نحن تعودنا أن نمنح الدورات التدريبية والدروس والنصائح لصغار الموظفين، أما القيادي فبمجرد استلامه زمام المنصب فإنه يعتقد أنه أصبح في غنى عن التعلم (حتى في مجال قيادة المجموعة وهو أمر لم يجربه)، وفي غنى عن الدورات (مع أنه يعلم جيدا أنه لم يتدرب على القيادة ولا يجيد فنونها)، فكل هذه الأساسيات (التعلم والتدريب) يشعر أنها تنقص من قدره، وتدل أنه ما زال في حاجة إلى شيء ينقصه استكماله وهو يريد أن يبدو كاملا (الكمال لله)، مع أنه أكثر إنسان يعلم أن أشياء كثيرة تنقصه، بدليل خوفه الدائم من الفشل في مهمته وتكرار فشل سابق، ومع ذلك لا يريد أن يتسلح ضد الفشل بمزيد من التعلم أو الحصول على دوره، لكنه يقبل الحصول على نصيحة، أتدرون لماذا؟، لأن النصيحة تتم في السر، ولا تحتاج لأكثر من إصغاء، ولا تشتمل على إقرار بالحاجة إليها فهو يستمع ويستمتع ويستفيد ويستزيد دون أن يقر لك بالحاجة إلى ما قلت، بل إن بإمكانه بعد أن تتم نصيحتك، ويستفيد من كل حرف جاء فيها، أن يشعرك بأنه يعلم كل ما قلت ويعرفه أكثر منك.
ولأن الأمر غاية في التعقيد، فليس الأفضل من نصيحة موجهة للعموم فيستفيد منها من يستفيد، ولا نسأل عليها أجرا إن أجرنا إلا على الله.
أعود بكم من حيث بدأنا، وهو أننا جميعا نعمل في وظائفنا من أجل الحصول على أجر مادي، ولكن خذوها نصيحة من مجرب عمل أكثر من 30 عاما (نصفها عادي ونصفها قيادي)، أن روح العطاء لا يحددها مقدار الأجر وإنما ما يشعلها ويزيدها تألقا هو العدل في الأجر، والعدالة في التعامل، بل إنه إذا لم يتحقق في المؤسسة العدل في الأجور، فإن أكثر الناس أجورا أقلهم عملا، فهم يأخذون ولا يزيدهم ما يأخذون عطاء، بل يزيد غيرهم قهرا وإحباطا، لذلك فإن الأولى أن يكون الأجر على قدر العمل، لأن العمل إذا كان قليلا لا يقدر صاحبه على زيادته فإن الأجر لا يزيده، بينما إذا كان العمل كبيرا لأن صاحبه يبذل بطبيعته دون ان ينتظر زيادة في الأجر فإن تمييز غيره عليه دون حق يجعله يهرب من البيئة كلها.
لا تعاني المؤسسات من تدني الأجور الشامل للجميع مثلما تعاني من تفاوت الأجور والمميزات، فالإنسان يؤمن أن الموت مع الجماعة رحمة، لكنه يرفض أن يكون أقل من غيره دون سبب، ولذلك فإن زيادة الاستقالات في مؤسسة لا تكون بسبب تدني أجورها إذا ما قورنت بنسبة زيادة الاستقالات عندما تتفاوت الأجور ويتفاوت التقدير، فهل يعي ذلك الوزراء الجدد؟