المالية والمقاولون وما خفي أعظم

وطنيا ما كان لنا أن ندع سببا للتحايل، إذ يفترض فينا بادئ ذي بدء أن نشخص مشاكلنا سريعا ثم نحلها الحل الأمثل النهائي، ولكننا لم نفعل ذلك فأصبح لدينا عاهتان دائمتان: بقاء المشكلة الأصل والتحايل على علاجها بالانتفاع منها.
خذ على سبيل المثال مشكلة عدم السماح باستحداث وظائف جديدة منذ عشرات السنين رغم توسع خدمات نفس الجهة الحكومية وتمدد نطاقها، وهو ما يطلق عليه كل مسؤول مسمى (عائق وزارة المالية) ويعلق عليه جل أسباب القصور، وهو محق، فتجد الوزير أو المسؤول يتحدث عن رفض وزارة المالية اعتماد مبالغ لاستحداث وظائف جديدة أو حتى اعتماد مبالغ لبرامج جديدة وهامة (بالمناسبة الشكوى من وزارة المالية تتم بصوت خافت وبعيدا عن التصريح الإعلامي الصريح فتجد المسؤول يسبق هذه الشكوى بعبارة هذا الكلام «أوف ريكورد» يعني بيني وبينك وخارج التسجيل أوالتصريح، رغم توفر قدر كبير من الشفافية، ولا أدري لماذا؟!).
حسنا، كيف يتعايش المسؤول أوالمؤسسة مع هذا الرفض من وزارة المالية لزيادة الوظائف؟!، يقوم وبكل بساطة بإيكال إدارة العمل برمته إلى مقاول، أي أنه يقوم (بتخصيص) هذه الخدمة بالكامل، والتخصيص يفترض أن يتم بناء على أسس قوية ورقابة صارمة، لكن هذا لا يحدث، فكل ما يحدث هو إيكال العمل كاملا إلى مقاول ينتفع منه دون أن يعطيه ربع حقه، لا من حيث عدد الموظفين ولا الأدوات ولا تحقيق الغاية (غير غاية المقاول).
أحدث مثال ما كتبته عن إهمال الأطفال المعاقين من منسوبي مراكز التأهيل الشامل للمعوقين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، وتركهم ساعات طويلة خارج العيادات بعد قفلها بحجة انتهاء دوام سائق السيارة المكلفة بنقلهم (راجع المقالة بعنوان وزارة «الدعاية» الاجتماعية)، فقد اتضح من تجاوب المسؤولين أن المكلف بنقل هؤلاء ومرافقاتهم هو مقاول، وهذا المقاول رغم إلزامه بالنقل على مدى 24 ساعة إلا أنه قتر في عدد السائقين والسيارات (لو سمحت المالية بمزيد من الوظائف لحلت مشكلتين البطالة والقصور).
حتى عندما أبلغت إدارة الصيانة بأمانة مدينة الرياض عن قفل دورات المياه في الجزء الغربي من مضمار المشي قرب جامعة الأمير سلطان، قبل صلاة العشاء مما حرم عددا كبيرا من مرتادي المضمار من الوضوء أفادوني بأنه المقاول المحتال فهو يقتر في تعبئة الخزان بالماء وعندما ينضب الخزان يقوم العامل بقفل دورة المياه كإجراء احترازي.
هذه أمثلة لخدمات بسيطة جدا لو تم زيادة الوظائف وتوفير الإمكانات ذاتيا بمرونة من وزارة المالية فإنها أعمال لا تحتاج إلى مقاول وتخصيص وتحايل، أما غير هذه الأمثلة البسيطة فإن ما خفي كان أعظم.

اترك رد